من سعد الحصين إلى الأمين العام للمجلس الأعلى للإعلام [الإعلان التجاري يفيد المنتج ويقويه ويضرّ المستهلك ويضعفه]

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعد الحصين إلى أخي في الله/ الأمين العام للمجلس الأعلى للإعلام وفقه الله لطاعته وبلّغه رضاه.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

فقد لاحظت بدء إذاعة التلفزيون السّعودي للإعلانات التجارية.. وبالإضافة إلى رغبتي في إبداء رأيي في خطا هذا الاتجاه فقد رأيت الكتابة إليكم لإبداء بعض الملاحظات على الاعلام أداء لحق الله عليّ وحق الأئمة والعامّة.

1) الإعلان التجاري أداة اقتصادية حديثة تفيد المنتج وتزيده قوة ولكنها تضرّ المستهلك وتضعفه وتزيد ارتباطه بالمنتج واعتماده عليه.. ولا يمكن للمستهلك العاقل أن يقلّد المنتج في اهتمامه بالدّعاية لمنتجاته داخل بلاده وخارجها لأنه المستفيد الأول من رواج بضاعته وتصريفها فهو مصدر البضاعة ومصدر أدوات ووسائل وأفكار الاعلان عنها.. ومن ناحية أخرى فالحياة الكافرة تقوم أولاً وأخيراً بشهادة الله ورسوله على الانتاج والاستهلاك: {ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون}.. {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبواباً وسرراً عليها يتكئون وزخرفاً}.. «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر».

أما حياة المسلم القائمة على التعامل مع الدّنيا على الاقتصار على حاجته الحقيقية منها والاستكثار من أمر الآخرة فلا يجوز أن تخضع للاستهلاك وترغب في الدّعاية المخادعة في المزيد منه فوق حدود الحاجة الحقيقية لا سيما إذا كان المنتج عدوّاً لله ورسوله ولشريعته وللمسلمين.. {يا أيها الذين آمنوا كلوا واشربوا ولا تسرفوا} والإسراف هو الزيادة عن الحاجة.. وإذا كنتُ في حاجة إلى التذكير بالسلعة أو الترغيب فيها وتزيينها بالقول أو الفعل أو الإشارة فأنا – في الواقع – في غنًى عنها وإذا حزتها فأنا مسرف في حيازتي لها ومسرف في انفاق مال الله الذي استخلفني فيه في غير موضعه.

ولا شك أن ما ستكسبه المؤسسة الاعلامية الحكومية من ثمن الدعاية التجاريّة زهيد جدّاً في مقابل ما يخسره الفرد والأمّة من ثمن الاستيراد مالاً وثقافة وتربية.. وما يكسبه الأعداء المنتجون من أموالنا وأنفسنا وشعورنا بالحاجة إليهم والامتنان لهم.

2) الدّعاية للإنجازات الحكومية تقدّم بأسلوب فجّ ساذج لا يخاطب عقل المواطن وخاصّة المتعلّم ولا يكسب قبوله ولا يشعره حتى بصدق أو تصديق مقدّمه لمحتواه.

وأرى أن المجتمع قد نما بدرجة تستدعي تغيير النمط القديم للدعاية الحكومية.. والخدمات العامّة قد توفّرت بدرجة عظيمة تستطيع أن تتحدّث عن نفسها..

ولعلّ من المفيد أن يقرأ المسئولون عن هذا الأمر كتيباً صدر في أمريكا منذ سنوات أتذكر أنّ عنوانه (hidden persuaders) أو يمكن ترجمته بالمقنِعات المستورة..  يبيّن فيه مؤلّفه كيف تغيّرت أساليب الدعاية في المجتمعات الصناعية الغربية.

أرى – مثلاً – التخلي عن الكليشيهات التقليدية مثل: وصف الميزانية سنوياً بأنها (ميزانية الخير والعطاء) فإذا اضطرّت الدّولة إلى خفض النفقات أو زيادة الرسوم أو رفع السعار ظهرت المادة الإعلامية بصفة الذّم بما يشبه المدح.

وللإعلام عن بعض الخدمات التي أنجزتها الدّولة أرى تقديمها في شكل دعوة للمحافظة عليها والاستفادة منها مع توضيح الجهد والنفقات المبذولة فيها دون لجوء إلى الدّعاية الشخصية لأن المواطن يدرك أن جميع الخدمات حكومية وإذا أعطى الثقة في عقله وفهمه فهو بلا شك سيشعر بالولاء والامتنان لمن وراء هذه الخدمات..

3) من وسائل الإعلام الناجحة الشرعية: إبراز الشخصية الذاتية لهذا المجتمع المسلم بدلاً من محاولة لحاقه أو سبقه للمجتمعات الصناعية.. ولا شخصية أو ميزة ذاتية لهذا المجتمع خارج حدود الشريعة.. وعلى هذا فإن من الضروري ومن الممكن فرض شخصية المملكة في ما يتعلق بشكليات العلاقات التي تظهر للجمهور في الداخل والخارج.. فكما فرضنا عدم إنزال العلم السعودي من بين أعلام جميع الدول في حالة الوفاة لوجود الكلمة الطيّبة  عليه وكما فرضنا وظيفة الملحق الدّيني بين دول العالم في عدد من السفارات يمكن أن تختص بطريقة تتمشى مع الشريعة في استقبال وفود العالم بالتخلّص من الوقفة الخاشعة ومصافحة الأجنبيات.

4) وبالمناسبة لا يفوتني أن أنوّه بالسّمعة الطيّبة والتقبّل العالمي لإذاعة القرآن ونداء الإسلام واستفادة المسلمين على اختلاف اتجاهاتهم وأقاليمهم وإحساسهم بأن المملكة العربية السّعودية هي الوحيدة في العالم التي تساعدهم على فهم دينهم بينما تهتم الاذاعات الأخرى بتسليتهم وإلهائهم عنه.

5) وإشارة ختامية.. هناك أكثر من دولة تعطي المواطنين إجازة يوم أو أكثر من برامج التلفزيون للاهتمام بشئون أخرى قد تحجزهم المسلسلات عنها. وقد يكون من المناسب تجربة هذا الأمر.. وفقكم الله.(1)

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن عفا الله عنه. الرسالة رقم/120/م في 1406/6/15هـ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجاب الأمين العام الأستاذ عبد الرحمن العبدان آمنه الله من غضبه وعقابه ومن شرّ عباده وشفاه الله وعافاه بأن وزير الاعلام استبدّ بالأمر وبدأ التّنفيذ قبل أن يناقش الأمر في المجلس، تجاوز الله عنا جميعاً .1434/2/15هـ.