من سعد الحصين إلى رئيس تحرير الدعوة [مخالفة نعمان السامرائي في فهمه للتقدّم والتّخلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصين إلى أخي في الله/ رئيس تحرير الدعوة وفقه الله لطاعته وبلّغه رضاه سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد.
1) فلقد شكرت الله ودعوته لكم بحسن الجزاء بسبب ما لاحظته أخيراً في بعض اعداد الدّعوة من دفاع عن السّنّة ضدّ جور ما يسمّى بالفكر الإسلامي.. وأرجو الله أن يجعلكم سبباً في عودة (الدّعوة) إلى منهج النّبوّة الذي يركّز على العقيدة وأحكام الشريعة ويترك (الفكر الإسلامي) المبتدع لأهله الذين أغواهم الشيطان لاستبداله بشرع الله في الدّين والدّعوة إليه ولو تخلّى عنه الجميع.
2) كتب الشيخ/ نعمان السامرائي عن التقدّم والتخلّف في العدد رقم1242 في 1410/10/29هـ فبيّن جزاه الله خير الجزاء أن أساس العبادة: (النص الصحيح، بل لا تقبل حتى تأتى كما أمر بها الشارع وإلاّ ردّت على صاحبها).. وبالمناسبة فالدّعوة – محتواها وأسلوبها – عبادة..
إلى هنا أوافقه.. ولكني أخالفه في فهمه أن العمارة المادية للأرض (إقامة حضارة) هي الهدف الثاني الذي خلق الله الإنسان لتحقيقه.. وأن تحقيق هذا الهدف يتطلّب (معرفة جيّدة بالكون وسننه وقوانينه) و(معرفة آخر ما توصّلت إليه العلوم التجريبية).
لو قلنا بهذا لقلنا بتقصير صفوة هذه الأمة في تحقيق واحدة من غايتي وجودهم.. ونصوص الكتاب والسّنّة تبيّن أن الغاية واحده: {وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون} وجميع أركان الإسلام أمكن تحقيقها على أكمل وجه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين دون محاولة للأخذ بأسباب الحضارة المادّية أو الفكرية الفارسية أو الرومانية.. ودون تطلّع لمعرفة ما توصلت إليه العلوم التجريبيّة من قبل ومن بعد.. (ولن يصلح آخر هذه الأمّة إلاّ بما صلح بها أوّلها)..
بل ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أجاب من ذكّره بما وصلت إليه حضارة الشرق والغرب في ذلك الوقت بقوله: «ألا ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة».. وروى البخاري ومسلم عنه قوله: «إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها» وصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنّه مرّ بعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو يصلح كوخاً له قد وهى فقال له: «ما أرى الأمر إلاّ أعجل من ذلك».. ولم يعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه أرسل بعثة لتحصيل ما وصلت إليه حضارات عصره من علوم نظرية أو تجريبية أو تطبيقية.
وما التفت المسلمون للعلوم والفنون اليونانية والعمارة الفارسية والرّومانية إلا بعد أن ضعف الالتزام الدّيني في حياتهم وجرّتهم الغفلة إلى الانشغال بالدّنيا عن الآخرة قليلاً أو كثيراً وكانت النّتيجة: الانحراف في العقيدة والعبادة وفي الفهم العام للدّين واستبدال الوحي بالفكر.
والقلّة التي لاحظ الكاتب أنها (تعبد الله كما أمر ولا تهتم بعمارة الأرض أو إنشاء حضارة مادّية إلاّ قليلاً) هي الفرقة النّاجية التي بقيت على مثل ما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح.. وهذا ما أشار إليه الكاتب في أول مقاله ثم عدل عنه في آخره عفا الله عنا وعنه اغتراراً ببريق الحضارة الصناعية الحاضرة.. ولقد حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أتباعه من تنافسها فيما رواه البخاري ومسلم: «ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم».
وفقكم الله.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن- الرسالة رقم/273 في 1410/11/24هـ.