من سعد الحصين إلى عبد الرحمن عبد الخالق [الجماعة والحزب والفِرْقَة آحاد لا تتعدّد]

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعد الحصيّن إلى أخي في الله/ الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وفقه الله لرضاه.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وأرجو الله لكم خير الدّارين.

قرأت لكم مقالاً عن الجماعات الاسلامية في مجلة الفرقان العدد الخامس شوال 1409 ما ظننت أن مثله يصدر من مثلكم فقد كان صريحاً في التجنّي على خيرة علمائنا ودعاتنا على بصيرة بسبب مخالفتهم لكم في الحكم على الانعزال عن جماعة المسلمين باسم أو ببيعة ملزمة أو أمير مطاع أو منهج خاص.

وصفْتَهم (بالعمى وبقصر النظر وبالجهل بالسّنة وبالفتوى الباطلة والقول الجزاف، وأنهم أوهموا الناس أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجابه باطلاً ولا أقدم على خطر ولا أسس أمة ولا جماعة وأنه حرّم كل تنظيم وترتيب ودعا الناس ألا يتدبروا أمراً… وأن كلاّ يجب أن يكون أمة وحده لا يلتزم بجماعة ولا يطيع رأياً لغيره وأن يعيش مع أئمة الفسق والجور على ما يشاؤون ويطيعهم في الطاعة والمعصية).. الخ.

ولعل هذا الكلام ألقي في خطاب حماسي انفعالي ارتجالي لم ينل حظه من جانب طالب العلم الدّاعي إلى الله عز وجل في شخصية الشيخ/ عبد الرحمن عبد الخالق.. وصدق الله: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً}.

لا أريد أن أصدق أن الشيخ/ عبد الرحمن كان يفتري على الشيخ/ عبد العزيز بن باز وعبد الرّزاق عفيفي وعبد الله بن قعود وعبد الله بن غديان من هيئة كبار العلماء في السعودية في فتواهم رقم 1674 في1397/10/7هـ بعدم جواز هذا التجمع أو التّفرّق وإنما يجوز (بل يجب) التنظيم حسب الحاجة بأمر الحاكم المسلم وإليكم نسخة منها.

ولا أظنكم اطلعتم على رأي الشيخ/ محمد بن عثيمين في رسالة خاصة بتاريخ 1407/5/1هـ وقد ختمها بقوله وهو بيت القصيد: (ومع هذا فإن أمنيتي أن تذوب هذه الجماعات المتفرقة: التبليغ، السلفيون، الاخوان الخ حتى تنصهر في جماعة واحدة وحزب واحد هو حزب الله {ألا إن حزب الله هم المفلحون} والله يعلم أني أكره هذا التفرق والتمزق).

وفي رأيي أن أخي الكريم قد أخطأ في خلطه بين الجمعيات (الخاصة) بغرض محدود وعدد محدود مثل ما أعرفه عن جمعية إحياء التراث من بناء المساجد وطبع الرسائل الدينية وتوزيعها وبين الجماعات (العامة) التي تدّعي أنها وحدها على الحق وتربط الناس ببيعتها وطاعة أميرها في المنشط والمكره وتهدف إلى غلبة منهجها وسلطة قادتها.

وفي رأيي أن أخي الكريم أخطأ في ظنه ولم ينظر بعيداً (كما وصف خيرة علمائنا ودعاتنا على بصيرة بأنهم لم ينظروا أبعد من أنوفهم) إلى نتائج الجماعات الاسلامية.. والنتائج من أمر الله وحده.

قرّرتم: أن (هذه الصحوة الإسلامية والبعث الاسلامي الجديد أثر من آثار الجماعات الإسلامية).. ما أبعد هذا الظن عن الحق. الحق أنّ تحرك الجماعات في العقدين الأخيرين أثر من آثار (الصحوة الإسلاميّة).. وقد لا يعرف أخي الكريم أن ما يسمى بالصحوة الاسلامية جزء من تحرك ديني عام أظهره الله في هذا العصر بلا سبب ظاهر وكانت الجماعات والجمعيات تغطّ مع الأفراد في نوم عميق ثم تحركت للاستفادة منه في نشر مناهجها وتكثير أعدادها.. لقد عاصرت بدء الاتجاه إلى التدين الباطل أولاً في أمريكا وأوروبا وكان أول نشاط ملحوظ للدّيانات الهندية، بدأ باتجاه الأغنياء والوجهاء إلى الفلسفة والتصوّف الهندي ثم جاءت حركة الشباب بعامّة لتلمّس أي معنى للحياة غير المعنى المادي، وظهر ما يسمّى بـ(الولادة من جديد) أو الرجوع إلى النصرانية (وربما إلى اليهودية بدرجة أقل ظهوراً)، ولم تبدأ الحركة الدينية بين الشباب المسلم إلا بعد ذلك ببضع سنين.

فُسِّر ذلك في البلاد العربية بهزيمة67 وفُسّر بفشل الرّخاء المادي في إشباع تطلع البشر إلى السعادة.. وادعت كل جماعة بأنها السبب الأول والأخير.. ولكني أرى أن الأمر كله لله ومنه قد يكون مرحلة تمهيدية لأمر يريده الله بهذا العالم.. وهو على كل حال فتنة وابتلاء من الله لخير المسلمين الموحّدين. وللفرد المسلم وللفئات المسلمة (وخاصة العلماء والدعاة إلى الله) أن يستفيدوا من ذلك بإصلاح أنفسهم ومحاولة توجيه هذا التّحرّك الديني إلى العقيدة الصحيحة والعبادة والمعاملة الصحيحة.. ولكننا ننظر فلا نجد لأيّ من (الجماعات الإسلامية) اتجاهاً لتصحيح العقيدة ولا العبادة ولا الاتباع، وإنما ينصرف كل اهتمامها لنشر منهجها الفكري القاصر وتحقيق غلبتها.

وهي في كلّ حال تصرف التحرك الديني عن الأهم إلى المهم والمباح وغير المهم وتشغل المسلمين عن أخطائهم بأخطاء غيرهم.. وأكثرها تنظيماً وترتيباً صار وبالاً على التحرك الدّيني بفتنته بين الحاكم والمحكوم، ويكفيني مثل واحد: حال مساجد أهل سوريا قبل فتنة حماة وبعدها بسبب جماعة تعادي حكومة بعث سوريا وتوالي حكومة بعث العراق.. ويُقسم ممثلها على حفظ الدستور.

وتعرفون الدرجة التي كانت عليها حرية الدعوة إلى الله في الحرمين قبل حركة جهيمان وبعدها.

ولا أظنّني في حاجة إلى تذكيرك بأهمية الطاعة في غير معصية الله للحاكم المسلم ولو ظهر منه بعض الفسق والجور فقد أمرنا في مثل هذه الحال بأن نعطيه حقه ونطلب حقنا من الله.. وحتى لو أخّر الصّلاة عن وقتها وصليناها لوقتها سنّ أن نصليها معه نافلة.

ولم يأمر أحد من أمرائنا ولا علمائنا ودعاتنا على بصيرة (بالطاعة في المعصية ولم ينه أحد منهم عن بناء المساجد وطبع الكتب وتوزيعها) من قبل فرد أو جمعية.. ولكنهم ينهون عن الانعزال عن جماعة المسلمين باسمٍ ومركزٍ وبيعةٍ ومنهجٍ للعبادة أو الدعوة غير شرعي، وهذا هو القاسم المشترك بين الجماعات الاسلامية في أغلب الأحوال، وبمثل هذا تفرق المسلمون شيعاً: {كلّ حزب بما لديهم فرحون}.

وقد (أقرّ النبي صلى الله عليه وسلم اسم الأوس والخزرج والمهاجرين والأنصار) (كما ذكرتم)، (وكانت لهم راياتهم في الجهاد) تحت إمرة الرسول صلى الله عليه وسلم أو نائبه.. ولكن هل تصح المقارنة بين الاسم الواقعي والاسم الانعزالي؟ وبين الراية المنتمية إلى راية الجماعة والراية المنعزلة عنها محاولة الظهور عليها وانتزاع سلطتها؟.

ولا تصح المقارنة بين (تعدّد العلماء وتعدّد الجماعات) فشرع الله يأمر بالأول وينهى عن الثاني.

وإذا كان أخي الشيخ/ عبد الرحمن الذي أعرفه ولله الحمد والمنّة بالعلم والفضل والدعوة على بصيرة قد كتب هذا المقال فعلاً؛ فلا شك أن السبب نزغ من الشيطان، فليستعذ بالله منه وليعد النّظر فيما كتب.. ولكني لا أزال أرجو الله أن يكون الكاتب مسلماً حزبيّاً أعماه التعصب والجهل فهبط إلى حضيض التعدّي على خيرة علماء المسلمين ووصفهم (بالعمى والجهل والتعصّب والحرص الكاذب على الدّين) والافتراء عليهم بأنهم (حرّموا ما أوجبه الله وألزم به عباده من التواصي بالحق والصبر والتعاون على البر والتقوى والاعتصام بحبل الله ودينه).

وعلى أي حال فإننا نختم بالدعاء إلى الله أن يعفو عنا وعن الكاتب ويهدينا ويهديه لأقرب من هذا رشدا. وفقكم الله..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه، تعاونا على البر والتقوى وتحذيرا من الاثم والعدوان.

الرسالة رقم/136 في 1409/10/27هـ.