من سعد الحصين إلى مدير عام الدعوة في الخارج [الشيخ إبراهيم الجبهان وحقائق خاطئة عن النصرانية]

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعد الحصين إلى فضيلة مدير عام الدعوة في الخارج وفقه الله لطاعته.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد: فإشارة إلى رسالتكم رقم4/1090س 1409/10/29هـ حول موضوع محاولات التنصير الفاشلة.

وفي رأيي أن هذا الموضوع لا يستحق كلّ الاهتمام الذي يثيره.. فلم أستطع العثور على حالة واحدة نجح محاولو تنصير المسلمين في محاولتهم في هذه البلاد على كثرة المدارس النصرانية والمؤسسات التنصيرية فيها.. وعلى العكس فتمرّ بي حالات لا أحصيها لعدد من نصارى البلاد تحولوا إلى دين الإسلام بلا محاولة تذكر من جانب المسلمين.

والسبب لذلك من جانبيه: ان دين النصرانية المعروف الآن خرافي لا يقبله العقل السّوي والفطرة السّليمة ومحاولات ما يسمّى بالتبشير النصراني في واقعها تنقسم إلى قسمين: قسم مخلص في محاولته الإصلاحية الضالة ويبرز فيه الجانب الانساني أكثر من الدّيني النصراني في مثل العناية بالمريض والفقير وهو يقوم على أفراد من الرّهبان والرّاهبات وأبرز مثل لذلك من تسمى بالأم تيريزا في الهند التي قدمت الهند من يوغسلافيا قبل60 سنة للرهبنة وبعد سنتين من وصولها قالت إنها دعيت إلى تحويل مهمتها من دينية بحثة إلى دينية إنسانية فانقطعت للعناية بالمجذومين والمنبوذين والفقراء وحصلت أخيراً على جائزة نوبل الملحدة للسلام تقديراً لخدمتها الإنسانية.

ومثل أقرب: نصرانية لا أتذكر اسمها الآن قدمت مصر قبل عشرين سنة من أوروبا للعناية بأولاد الزّبّالين في مصر وعددهم ثلاثة آلاف نسمة ثلثهم مسلمون فيما ينقل بعض الباحثين عنهم.. وقبل سنوات بنت في منطقتهم أول مسجد يبنى للمسلمين.. ولا تزال هناك.

وهؤلاء نصارى يعتقدون أن النصرانية هي الدين الحق ولكنهم لا يحاولون فرضها على أحد ولا يبذلون لهذا الهدف أكبر جهدهم وإن كانوا يتمنون أن يتحوّل جميع البشر إليها.

وقسم تجاري هدفه الأول تحصيل أموال التبرعات باسم الدّين وتقوم به المؤسسات الضخمة في أوروبا وأمريكا وأغلب حركته في بلاد الوثنية في أفريقيا وآسيا.. ويقوم على حساب الكمّيات: كم كتاباً تنصيرياً طبع.. كم نشرة تنصيرية وزّعت.. وكم رأساً قُطف.. ويتسم بالمبالغة التي تلتصق بالمؤسسات الدينية ومنها الإسلامية خارج جزيرة العرب للأسف إذ يكون بعض أهدافها على الأقل الكسب الدّنيوي من الجاه والسّمعة أو المال.

وأكثر المؤسسات الدينية النّصرانية في هذه البلاد من النوع الأول في عملها ونتائجها فهي تقدم التعليم والتدريب المهني والعلاج للنصارى والمسلمين ولا أعرف منها غير مصح واحد أمريكي يقدم العلاج البدني مع منشورات النصرانية بصورة واضحة ولم أعرف مسلماً واحداً تأثر بذلك خلال السّنوات الماضية.

أما المدارس النصرانية في الأردن بالذات فتفرض عليها الدولة تدريس الدّين الإسلامي للمسلمين بواسطة مدرس مسلم يحمل شهادة كلّية الشريعة المعترف بها.. ويقبل عليها بعض المسلمين لما يدّعونه من قوّتها في تدريس العلوم العصرية واللغات الأجنبية.. وأعرف بعض الدّارسين فيها من خيرة الشباب المسلم التزاماً بالعبادات الظّاهرة.

هذا لا يعني قبول هذا الوضع بقسميه ولكن نظرتنا للأمور يجب أن تكون واقعية وعادلة ومعالجتنا لمثل هذه المشاكل مبنية على الصدق والعدل والحقيقة.

ويؤسفني أن أغلب نظراتنا ومعالجتنا لذلك عاطفية وصاخبة ودنكشوتية ولا ينتج عنها خير.. وقد حاولت الجهة المختصّة في الرئاسة حتى أوقفت طبع رسالة الشيخ ابراهيم الجبهان: (ما يجب أن يعرف المسلم من حقائق عن النصرانية والتبشير).. وما بقي لدى الرئاسة منها غيّر غلافه حتى لا تحتمل الرئاسة تبعة مبالغاته وأخطائه وعدم تثبته كما أمر الله المؤمنين: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}. فأرجو أن تحذر الجهة المختصة في محاولتها الجديدة من ان تقع فيما وقع فيه الأخ/ الجبهان فتقع فيما وقع فيه من توجيه خاطئ لتحديد المشكلة وعلاجها وإضافة إلى ذلك احتمال إثارة أزمة سياسية بين المملكة وشقيقاتها بسبب بعض الأكاذيب التي يسمها الأخ/ الجبهان حقائق وهو لا يعرف عنها إلا أنها وردت في كتاب أو مجلة أو نشور سرّي.

أما العلاج لما يتحقق من ذلك فهو في التركيز على نشر العقيدة الصحيحة والسّنة على منهج النبوّة في دولة الإسلام الأولى في جزيرة العرب أو في الدولة السعودية الأولى والأخيرة ثبتها الله على ذلك.

التنصير لا يجد مجالاً إلاّ حيث توجد الوثنية أي حيث يعيش الإنسان خلواً من العقيدة الصحيحة.. وربما وجد مجالاً بين من ينتسبون إلى الإسلام وعقائدهم منحرفة بسبب التشيع أو التّصوف أو الابتداع في الدّين عامة.

ويبدو لي أن الشيطان أعاذنا الله منه يحاول أن يجرّنا إلى ما جرّ إليه أكثر الجماعات الاسلامية والدّعاة والوعاظ وخطباء المساجد من اشغالهم بأخطاء غيرهم عن أخطائهم وبالخيال والمبالغات عن الحقيقة.

ان أكثر من ينتسبون إلى الإسلام اليوم يقعون أو يكادون فيما وقعت فيه النصرانية من انحراف.. وأعظم ما وقعت فيه تأليه عيسى ونفي بشريته.. وأكثر المسلمين يقولون عن محمد صلى الله عليه وسلم أنه أول الخلق وأنه خلق من نور وينشدون فيه مع البوصيري: (وإن من جودك الدنيا وضرتها=ومن علومك علم اللوح والقلم) ومع البوصيري يستغيثون به من دون الله من فوق المآذن: (يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك) ويصفونه بما لا يصفون به الله: (لو ناسبت قدره آياته عظماً=أحيى اسمه حين يدعى دارس الرمم).

الواقع أن الشيعة قد قالوا في أئمتهم وقال أكثر أهل السّنّة في اوليائهم ما لا يختلف كثيراً عما قالته النصارى في نبيهم.. بل لقد قال بعض كبار علماء التصوف من أهل السّنّة: إن النصارى لم يكفروا بقولهم إن الله متعدّد ولكن لأنهم قصروا تعدّده في ثلاثة.. وهذه الأقوال وأمثالها موجودة في كتب تباع وتشترى وتوقف وتمتلئ بها أرفف المساجد مساجد أهل السنة.

ولا يوجد بلد مسلم خارج جزيرة العرب لا يوجد فيه مسجد بني على وثن يسمى ضريحاً أو مقاماً أو مزاراً أو مشهداً يذبح عنده ويحلف ويستغاث به وتقام الأعياد له سنوياً ويشهد بعضها أكثر ممن يشهد مناسك الحج لله وحده.. بل إن في هذه البلاد من المسلمين السنة من ينافس اليهود في التّعبّد لله بالصلاة في ما سمّي زوراً بالحرم الإبراهيمي في الخليل وقد اتّخذه اليهود ثم المسلمون مسجداً ثم تنافسوا عليه وهو قائم على سبعة قبور اثنان منها في وسط المصلى والبقية على جانبه.. ومنهم من نافس النصارى أو تعايش معهم على مقام الخضر في مخالفة صريحة لآخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.

المسلمون اليوم سنة أو شيعة لا يتقبلون النصرانية بفضل من الله ثم بسبب التعصب الطائفي في أغلب الأحوال والّتّحيز لمجرد العنوان.. وكثير من الدّعاة أفراداً أو جماعات يقومون ويعقدون على تأجيج هذا التعصب والتّحيز.. ولكن من النادر أن يقوم أو يعقد أحد منهم بسبب عبادة المسلمين للقبور والابتداع في الدين.. هذا الأمر متروك لولاة الأمر والدعاة على بصيرة في جزيرة العرب يوصمون به ويتهمون بالشدة فيه ونرجوا الله أن يستمرّ تحقق هذا الاتهام فهو منهاج النبوة وقد ميّزنا الله به ونصرنا ووسع في أرزاقنا وحقق الأمن في أوطاننا بفضله ثم بسبب التّميز بهذا المنهاج: الدعوة إلى الله على بصيرة.. الشدة في أمر العقيدة.. نشر السّنة ومحاربة البدعة.

مواجهة خطر التنصير والتشيع أو العودة إلى الوثنية واجبة ولكنها لن تتحقق بتقليدهم في أساليبهم ووسائلهم وإنما تتحقق بالطريقة التي أرسل الله بها رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وجميع الرسل من قبله تصحيح المعتقد أولاً وقبل كلّ شيء وفوق كلّ شيء.. هذه هي المواجهة الصحيحة التي نضمن بها أفضل النتائج مع أن النتائج في يد الله وحده ولا يحكم بها على صحة منهج أو فساده.

أما إذا تخلينا عمّا ميّزنا الله به من منهاج النبوة في الدّعوة والعمل وحاولنا محاربة الأعداء بأساليبهم فإن الأصل يغلب التقليد ولا حول ولا قوة إلاّ بالله. وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين الرسالة رقم/175 في 1409/11/27هـ.