من سعد الحصيّن إلى عبد العزيز الراشد [2] [فتنة الدّويش الحفيد والجدّ، وجلال كشك ]
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصيّن إلى أخي في دين الله وفي وطنٍ ميّزه الله بأن أسِّس من أوّل يوم على تجديد الدّين والدّعوة إليه على بصيرة من الوحي والفقه فيه، الأستاذ عبد العزيز الرّاشد، ألهمه الله رشده ووقاه شر نفسه.
سلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
أمّا بعد: فإلحاقاً لرسالتي لكم برقم 1 في 1424/1/1هـ حول جهل جلال كشك بالتّاريخ ونأيه عن الأخذ بأسبابه المشروعة والمعقولة؛ فهو مجرّد صحفيّ بما في الصّحافة من عدم التّثبّت والسّعي لملء فراغ وسائل الإعلام بطريق:
(سمعت النّاس يقولون شيئاً فقلته)، وأنّ خير من تقصّى الحقيقة في أمر فتنة الدّويش [الحفيد] وعصابته عفا الله عنّا وعنهم جميعاً: محمد أسد رحمه الله الذي ضرب كبد ناقته مع شمّريّ من الموالين لآل الرّشيد
(هجر حايل بعد سقوط دولتهم وعمل جنديّا في جيش العراق) وتتبّعا آثار الدّويش في المملكة المباركة حتى الكويت وفيها وقفا على مصدر تمويل وتسليح فتنته من قِبَل إنكلترا لضرب الدّولة السّعوديّة النَّاشئة بالعصاة من رعيّتها
(كما تفعل الآن بالمسعري والفقيه وأضرابهما) ليتيسّر لها تأمين الحدود العراقيّة وتحقيق رغبتها إنشاء قاعدة بحريّة في ميناء رابغ و السّيطرة على الخط الحديدي القديم إلى المدينة, وربّما: إنشاء خطّ جديد شمال الجزيرة من حيفا إلى البصرة؛ مشروعات صُرفت أموال وجهود للتّخطيط لها وبدء العمل على تنفيذها أحبطها الله بفضله ثمّ بوقوف الملك عبد العزيز رحمه الله في وجه منفّذيها ومدبّريها، وربّما كان لنشر تحقيق محمد أسد رحمه الله في الصّحف الأوروبيّة ثمّ المصريّة أثر في إهمالها.
وقد وقفتُ هذا اليوم على مخطوط لتاريخ تلك الحقبة لمحمد العلي العبيّد (إليكم نسخة لبعض أوراقه في هذا الأمر) وهو ممن شهدها وأمضى – كما يقول – نيفاً وثلاثين سنة يتجوّل بين بوادي حرب و شمّر ومطير وعتيبة وسبيع والبقوم والدواسر وهتيم وغيرهم قال: (لم أضع في هذا الكتاب إلّا ما شاهدته بعيني أو نقلته عن ثقات أعرف صدقهم وحفظهم لما شهدوه)، وهو يوافق محمد أسد (رحمهما الله) على اتفاق العصاة على توزيع أرض الدّولة السّعوديّة بينهم ليكون للدّويش: أرض المحمل والوشم وسدير والعارض والخرج والحوطة والحريق وما والاها، ولفرحان بن مشهور: الجوف وحايل وتيما والعلا وخيبر وما والاها, ولابن بجاد: الحجاز والقصيم وما بينهما، ولحرب: المدينة ورابغ وينبع، وللعجمان: الحسا والقطيف والجبيل وما والاها.
ومن تحقيق محمد أسد يتبيّن أنّ الانكليز بنوا مراكز على الحدود العراقية لإثارة الاخوان, فدمّروها، فعاقبهم الانكليز لكي يثيروهم على الملك عبد العزيز، و لمّا تحقّق لهم ذلك اتّفقوا مع الخوارج لتحقيق غاية كلّ منهم .
وكانت العاقبة خيراً لدولة التّوحيد والدّعوة (بل للإسلام والمسلمين)؛ ليجدّد الله بها دينه وينشر بها الوحي والفقه فيه.
وكما ذكرتم تكرّرت المحاولات، وكما ذكرت لكم تكرّر حفظ الله ورعايته لهذه البلاد وهذه الدّولة المباركة التي لم يُخْرَجْ للنّاس مثلها (منذ قيام دول الابتداع وبخاصة الفاطميّين والعثمانيّين) فوحّدَت البلاد والعباد على التّوحيد والسّنّة في المراحل الأولى والثانية والحاضرة:
1) أزالت آثار الشّرك والبدعة من العراق إلى بحر العرب ومن الخليج إلى البحر الأحمر لأوّل مرّة منذ الفاطميّين.
2) حاولت دولة الخرافة العثمانيّة القضاء عليها، وكان للباطل جولة؛ وعادت أكثر البدع والأوثان بعونٍ من فيصل الدّويش الأوّل جدّ فيصل الأخير (فلكس مانجان، ترجمة البقاعي ص140-188).
3) ثمّ زالت دولة الخرافة العثمانيّة، وعادت دولة التّوحيد والسّنّة تنشر الحقّ والهدى والعدل.
4) أزال جيش الملك عبد العزيز رحمه الله جميع آثار الشرك والابتداع مرة ثالثة، ووحّد الأرض المباركة وأهلها على التّوحيد والسّنّة.
5) نشر الملك عبد العزيز والملك سعود رحمهما الله كثيراً من كتب الدّين ومراجعه مثل: جامع الأصول، وتفسير ابن كثير، ومجموع فتاوى ابن تيمية، والمغني والشرح الكبير، وغيرها كثير لأوّل مرّة في التّاريخ.
6) قامت دعوة للاشتراكيّة والقوميّة العربيّة (حميّة الجاهليّة)، وظنّ أكثر العرب والعجم أنّ أيّام الدّولة المباركة معدودة, وقام الملك فيصل رحمه الله بدعوة التّضامن الإسلامي، وسقطت الأولى بكلّ المقاييس وبقيت الثانية وكأنّما كانت تمهيداً لما سمّي بالصّحوة الدّينيّة، صحّح الله مسارها على شرعه.
أنشأ الملك سعود رحمه الله الجامعة الإسلاميّة في المدينة النّبويّة لغير السّعوديّين لينتشر التّوحيد والسّنّة خارج المملكة المباركة مثل انتشارهما داخلها، وآثرها بِقَصْره، ولا يزال أهمّ وأساس مبانيها.
7) أنشأ الملك فيصل رحمه الله جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميّة في الرّياض، وأُلْحِق بها عدد من معاهد العلم الشرعي ومؤسّساته في الداخل الخارج، وأسّس أول كلّياتها ومعاهدها الملك سعود رحمه الله عام 71 و1373هـ.
8) آثرت الدّولة المباركة قضايا العرب والمسلمين على منفعتها؛ فأوقف الملك سعود رحمه الله الإمداد بالنّفط عن الدّول الأوروبيّة المشتركة في العدوان الثلاثي (مع إسرائيل) على مصر – عام 1956 – ثمّ أوقف الملك فيصل رحمه الله بيع النّفط على الدّول المشتركة في إعانة إسرائيل عام 1973، وصرفت الدّولة أموالاً هائلة في دعم الدّول العربيّة والمسلمة، وفي سبيل محاصرة إسرائيل سياسيّاً.
9) صرفت الدّولة المباركة أموالاً هائلة لتوسعة الحرمين ومشاعر الحجّ وخدماته في عهد الملك سعود وفي عهود إخوانه الملوك من بعده رحمهم الله بفضله وثوابه.
10) أنشأ الملك فهد – حفظه الله قدوة صالحة – مجمّع المصحف في المدينة النّبويّة حيث تُصرف آلاف الملايين سنويّاً لنشر كتاب الله وتفسيره وترجمته لأكثر لغات العالم، وتحقيق ونشر كتب السّنّة، إضافة إلى ما نشره الملوك جميعاً والأمراء من آل سعود من المصاحف والكتب والمراجع الشرعيّة، وما بنوه من المساجد والمراكز والمدارس في الدّاخل والخارج.
11) قاوم ملوك آل سعود – منذ الملك سعود رحمه الله – وضع دستور بشري للحكم بغير ما أنزل الله، وردّوا بحزم كلّ ضغط داخليّ وخارجيّ، اختياراً لما رضيه الله لعباده من دين الإسلام: كتاباً وسنّة وفقهاً، ووفاءً بما عاهدوا الله عليه منذ قيام دولتهم المباركة في القرن الثاني عشر من الهجرة، ومحافظة على إرثهم الشرعيّ ووصية والدهم المميّز بفضل الله مجدّد الدّين في القرن الرّابع عشر، زادهم الله حرصاً عليه وتميّزاً به وعصمهم من مخالفته.
12) ولا تزال هذه الدّولة المباركة الدّولة الوحيدة في العالم المسلم التي تمنع – بوازع السّلطان من فضل الرحمن – البناء على القبور والآثار الدّينيّة – أكبر أبواب الشرك – والزّوايا الصّوفيّة – أكبر أبواب الابتداع –، وجميع البدع التي زيدت على شرع الله – منذ الفاطميّين – وأشنعها المشاهد والمزارات والمقامات والأضرحة – أوثان الجاهليّة من قبل ومن بعد – ولا تزال رايتها (منذ نشأت): شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله، والشّرط الأوّل للمواطنة فيها: الإسلام؛ لا مكان فيها لدعوة الشّرك والبدعة، ولا لبيع الخمر والفواحش، ولا للملاهي المحرّمة، ولا لذرائعها من المسارح ودور السّينما.
هذه هي المفاخر الحقيقيّة الشرعيّة، لا الادّعائية ولا الوهميّة، وهذه هي المناهج التي يجب اتّباعها والتّقرّب بها إلى الله ونصّها قدوة للعباد في كلّ زمان ومكان، لا فكر ماركس ولينين وميشيل عفلق، بل ولا فكر غير معصومٍ أيّاً كان.
13) وسيستمر الصراع بين الحقّ والباطل وبين الخير والشّرّ {ولينصرنّ الله من ينصره}، {إن تنصروا الله ينصركم}.
جاء جمال عبد الناصر (تجاوز الله عن الجميع) وكان أهمّ ما دعا إليه القوميّة العربيّة ثمّ الاشتراكيّة وأهمّ ما حذّر منه الاستعمار والإقطاع، وتبعه أكثر العرب وعَدُّوه المنقذ، وذهب مع دعوته.
وجاء الخميني، وأعلن أنّ أمريكا هي الشيطان الأكبر، ولم يكذّب المسلمون الخبر، وظنّوا أنّ جمال عبد النّاصر إن عجز عن تحرير فلسطين (بل ضاعت بقيّتها على يده) فإنّ الخميني هو المحرِّر.
ولم يبق من الخميني إلّا وثنه، ولم تتحرّر فلسطين.
وجاء جهيمان وأتباعه ليُصْلحوا فأفسدوا في الحرم بما لم يُسْبقوا به.
وجاء خليفة هولاكو (صدّام الدّين) ليحرّر فلسطين عن طريق الكويت، ولأنّ أكثر العرب يتّبعون كلّ ناعق يدّعي أنّ هدفه تحريرها صدَّقُوه وصفّقوا له – وكانوا قبل عام يكفّرونه لحربه إيران –، وصدّقوا دعواه أمس – كما صدّقوها اليوم – بأنّ هدف أمريكا ليس إزالة طغيانه وعدوانه على شعبه وجيرانه – كما فَعَلَتْ مع الألمان والصّرب – بل استعمار البلاد المجاورة وتنصير المسلمين، وكأنّ الاحتلال العسكري لا يزال عملة متداولة ولم ينته قبل ثلاثين سنة، وصدّقه أمثال سلمان العودة، وسفر الحوالي فأصدر شريطاً سمّاه:
{فستذكرون ما أقول لكم} استعمله حزب البعث العراقي دعاية له، وكأنّهم لم يعلموا أنّ أمريكا علمانيّة تمنع تعليم النّصرانيّة في مدارسها منذ عشرات السّنين، وقبل ذلك ادّعى الخطباء والمفكّرون أنّ أفراد الشركة الكوريّة التي نفّذت تمديدات الهاتف في بعض أجزاء المملكة المباركة جنود أعدّتهم أمريكا لاحتلال منابع النّفط (محاربة للأشباح).
ويجيء اليوم عدد ممن يصفون أنفسهم بالمفكّرين ينصحون دولة التّوحيد والسّنّة بالتّلبّس بما ميّزها الله بالبعد عنه: مناهج الوثنيّين والعلمانيّين من ألفاظ وشعارات وممارسات ما أنزل الله بها من سلطان، بل هي عين ما تلحّ أمريكا والأمم المتّحدة على تنفيذه: الدّستور، الانتخاب، حكم الأغلبيّة، حقوق الإنسان…ألفاظ ومعاني وممارسات لم تكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته ولا متّبعي سنّته في القرون المفضّلة بل ولا القرون الأخرى، قبل القرن الأخير وانتشار وباء التّقليد الغربي والشرقي.
وانظر يا أخي إلى آثار رحمة الله في صحراء جزيرة العرب كيف صارت (بفضل الله عليها ثمّ بتمسّكها بما عاهدت عليه الله من حفظ شرعه وإقامة حدوده إلى درجة لا ينافسها عليه أحد اليوم) صارت قبلة لطالب الدّين والدّنيا، بينما يتبدّد شعوب دول أخرى أغناها الله – مثل العراق – بنهرين من أعظم أنهار المنطقة ونهر ثالث من النّفط، وتتشتّت في الأرض بحثاً عن الحرّية والأمن والطّعام في بلاد الاسلام والكفر.
أمّا فلسطين فلن تعيدها أحلام الطغاة وأوهام السّفهاء، كيف تعود وأوّل مشروع تجاري في أريحا مؤسّسة للقمار والخمر، وأوّل مشروع ديني ترميم وتطوير أوثان المزارات والمشاهد، لم تُقْدِم عليها إسرائيل طيلة احتلالها فلسطين عشرات الأعوام، وأقدم عليها من ينتسب أكثرهم للإسلام، ولم يُنْكَبْ أهلها لمجرد وجود إسرائيل وأوروبا وأمريكا، بل كما قال الله لمن هم خير منهم: {هو من عند أنفسكم}، هدى الله الجميع للتي هي أقوم.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سعد الحصيّن- 1424/1/26هـ.