جماعة التبليغ الصوفية
جماعة التبليغ الصوفية
بسم الله الرحمن الرحيم
كتبت لأخي الكبير أبي محمد يوسف الملاحي ما يلي: اطلعت على رسالتكم (إصلاح وإنصاف، لا هدم ولا إعساف)، وبعد يومين استَمَعْتُ إلى تسجيل لخطبة أخي الحبيب الشيخ /أبو بكر الجزائري ألقاها في مركز جماعة التّبليغ بقطر.. وعجبت كيف استطاع الشيطان أعاذنا الله و إيّاكم من نفخه و نفثه أن يسخّر أهل التّوحيد في هذا العصر للدّعاية لصوفية القارّة الهنديّة. لو حدث هذا قبل بضع سنوات لما عجبت كثيراً و لربّما كنْتُ فرداً في زمرة الدّعاية بحجّة أنّنا لم نر إلاّ خيراً.. ولكن بعد أن أتاح الله لنا في ذلك اليوم من شهر رجب 1404 وفي منزلك بالرّياض مَنْ فَتَح الله به أبصارنا و بصائرنا على الباطن المظلم الذي اجتهد مشايخ جماعة التّبليغ في إخفائه عنّا.. بعد أن اعْتَرَفَ لنا بعض قدماء جماعة التبليغ من السّعوديّين أنّهم ـ بعد سنين من الثبات على الدّعوة و الالتزام بمنهجها ـ استُدْرجوا وأوقعوا في البيعة الصّوفيّة الطّرقيّة بسلسلتها الرّباعيّة المعروفة في الهند : الجشتية والقادريّة والنّقشبنديّة والسّهرورديّة مفتتحة بقول الله تعالى : {إنّ الذين يبايعونك إنّما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه}، والمتّصل سندها من إنعام الحسن (الأمير العام الحالي لجماعة التبليغ) إلى محمد إلياس (مؤسّس جماعة التّبليغ).. وبعد أن اطلَعَنا على منهج جماعة التبليغ (تبليغي نصاب) ـ أي منهج التبليغ ـ وفي تعاليمه تزيين للشرك ودعوة إليه : (يا رسول الله أسألك الشفاعة) ص146 من فضائل الحج..والخرافة : (وهناك بعض النّاس لهم من المنزلة العالية ما يجعل الكعبة المشرّفة تتجه إليهم لزيارتهم) ص111 نفس المصدر (كتب خانه فيضى لاهور) ترجمة الجامعة الإسلامية بالمدينة .. والبدعة الموصلة إلى الشرك: الحثّ على زيارة المدينة بنيّة زيارة القبر ..ص120 نفس المصدر .. والصّلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالابتداع التالي : (اللهم صلّ على سيدنا محمد بحر أنوارك ومعدن أسرارك ولسان حجّتك وعروس مملكتك وإمام حضرتك وطراز ملكك وخزائن رحمتك وطريق شريعتك، المتلذّذ بتوحيدك، إنسان عين الوجود و السّبب في كلّ موجود، عين أعيان خلقك المتقدّم من نور ضيائك ..الخ) ص65 فضائل درود عكسى ..
بعد هذا كلّه (ومثله و أعظم منه كثير)، كيف يجوز لمن ميّزهم الله بالعقيدة الصّافيّة والدّعوة الشّرعيّة أن يستمرّوا في جعل أنفسهم أبواقاً لنشر التّصوّف الهندي في جزيرة العرب و هي البقعة الوحيدة الباقية في العالم المسلم منذ قرنين ونصف لم يُدَنِّس شرع الله فيها ضريح مشيّد ولا زاوية صوفيّة و لا محكمة وضعيّة ولا بدعة لفظيّة و لا عملية. قد أعذر أخي في الله / الشيخ أبابكر بجهله ظاهر جماعة التبليغ فضلاً عن باطنها لأنه كما أكّد في خطبته ـ (ما كان يوما مع الجماعة ولا بات ولا سافر معها ولا.. ولا .. و لكنه نظر فرأى أنها تدعو إلى الله و هو يحبّ الدّعاة إلى الله..)، وانخدع بدعاية و مبالغات اثنين أو ثلاثة ممّن يُتَابعون دروسه من الجماعة لمناصرته لها و يتجنّبون دروس من لا يناصرهم و لا يحثّ النّاس على الخروج معهم، فضلاً عمن يحذّر منهم.
ولكن .. هل يعذر بالجهل من كانت أسباب العلم بين يديه؟ لقد قدّمْتُ لأخي الشيخ أبي بكر ـ مثل ما فعل غيري ـ سجلاًّ كاملاً مُدَعّماً بالوثائق المأخوذة من منهجهم .. وعلى بعد أمتار من بيته يوجد بيت الشيخ /سعيد أحمد خان أمير الجماعة في البلاد العربيّة و هو يعترف بالبيعة على الطّرق الأربع التي هاجمها الشيخ أبو بكر برسالته: (إلى التّصوف يا عباد الله) .. وإذا كانت كلّ جماعة تعرض نفسها للدّعوة إلى الله أهلاً للحبّ و المناصرة فلماذا كلّف نفسه تأليف هذه الرّسالة؟ الجواب : أن دعوى و دعوة التّصوّف باطلة و ليست على بصيرة .. وكذلك دعوة جماعة التبليغ .. وقد نقل لنا من نثق به عن الشيخ أنه يعتبرها دعوة الجهّال لأمثالهم.
ثم يأتي الشيخ هدانا الله وإيّاه إلى مركزهم بقطر فيؤخذ بالتّفاهم حوله وفرحهم به، لا حبّاً في الله (فيما ظهر لنا من أحوالهم) ولا إكراماً للمسلم كما يظنّ .. ولكن حبّاً في الجماعة وتأييده لها .. وإلاّ فليجرّب الشيخ مخالفتهم و بيان أخطائهم ليرى كيف يتحوّل حبّهم وإكرامهم للمسلمين حقداً وكيداً وغيبة وغلظة.
يقول الشيخ / أبو بكر هدانا الله و إيّاه : (يقول الغافلون و الجاهلون : لماذا تسمّون خروجكم جهاداً) ؟
1- القضيّة الأساسيّة يا شيخ: لماذا يستدلّون بآيات القتال في سبيل الله على خروجهم؟
2- من بين من وَصَفَهم الشيخ بالغفلة و الجهل من هم أرسخ منه علماً وأعرف بالجماعة مثل: الشيخ عبد الرّزاق عفيفي نائب رئيس اللجنة الدّائمة للبحوث العلميّة والافتاء وعضو هيئة كبار العلماء.. وقد سمعته يرميهم بالتّقيّة، ونقل عنه عدد من الثقاة العلماء قوله بأنه ليس لجماعة التبليغ عنده جزاء إلاّ القّتْل ..
والشيخ علي هندي المدرّس بالمسجد الحرام .. وهو يرمي مشايخهم بالكفر .. والشيخ /صالح الفوزان المدرّس بجامعة الامام و عضو هيئة كبار العلماء .. والشيخ /عبد الله الغديان عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدّائمة للبحوث العلميّة والافتاء ..
والشيخ العلامة المجاهد /حمود بن عبد الله التّويجري ..
والشيخ /علي بن ناصر الفقيهي الأمين العام للجامعة الاسلامية ..
والشيخ /عبد الله الغنيمان رئيس قسم الدّراسات العليا بالجامعة الاسلامية بالمدينة والشيخ صالح العبود رئيس قسم العقيدة بها ..
والشيخ صالح السّحيمي الأستاذ بالجامعة الاسلاميّة والمدرّس بالمسجد النبوي
والشيخ /ربيع بن هادي رئيس قسم العقيدة في الدّراسات العليا بالجامعة الاسلامية بالمدينة ..
والشيخ /عبد الله سينور ..
والشيخ /عبد الصمد الكاتب ..
والشيخ /عاصم القريوتي الأساتذة بالجامعة الإسلامية بالمدينة ..
والشيخ المحدّث /حمّاد الأنصاري رئيس قسم السّنّة بالدّراسات العليا بها ..
والشيخ المحدّث /محمد ناصر الدّين الألباني .
وكذلك الشيخ /عبد الكريم مراد الأستاذ بالجامعة الاسلامية بالمدينة وموفدها لحضور أحد اجتماعات جماعة التّبليغ في بنكلاديش ومعه الشيخ محمد أمان الذي نُشِرَ تقريره وأخفي تقرير الشيخ / عبد الكريم المعارض (دليلاً على الانصاف و عدم الاعتساف)… وعدد كبير من العلماء الأفاضل الدّعاة الغيورين على العقيدة الصّافية والدّعوة الصّحيحة أن يدنّسها الجهل والتّصوّف .. ذنب هؤلاء العلماء الأفاضل عند الشيخ / أبي بكر أنهم لم يتابعوا العوام (مثله) في عبثهم بنصوص الكتاب والسّنّة استدلالاً على صحّة منهجهم .. يقول الشيخ /أبو بكر (هدانا الله وإياه لأقرب من هذا رشداً) عن تحديد ثلاثة أيّام في الشهر وأربعين يوماً في السّنة وأربعة أشهر في العمر للخروج مع جماعة التبليغ : أن (أصوله و ينابيعه في شريعة الاسلام .. أَمَا قال تعالى : {فقال تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام} ؟ وهي مدّة القصر في السّفر .. وحفظنا عن أبي القاسم صلى الله عليه و سلم أنّه قال : «من صلى في جماعة أربعين يوماً لا تفوته صلاة كتب الله له براءة من النفاق و براءة من العذاب» اختار الشارع هذا العدد لأنه خلال هذه الفترة تتغيّر الطباع و تتبدّل العادات .. لأنّها فترة سبق أن أعطاها الله لموسى إذ قال تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلة}، والأربعة أشهر؟ لِمَ مِنْ نظام الدّعوة أربعة أشهر؟ عرفنا أنّ الإيلاء و هو أن يحلف ألاّ يطأ امرأته .. يحلف ..له ألاّ يحنث ولا يكفّر الشهر الأوّل أو الثاني و الثالث و الرّابع ..إذا كملت الأربع أشهر إمّا أن يكفّر عن يمينه ويطأ امرأته وإمّا أن تقول: طلقني ..ووجب طلاقها : {للذين يؤْلون من نسائهم تربّص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم * وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم}، هذا نصّ استدلال الشيخ أبي بكر من الكتاب و السّنّة على صحّة وشرعيّة منهج جماعة التبليغ .. وقد حمدت الله على أن من أصول الجماعة عدم مقاطعة الخطيب وإلا لفتح عليه أحدهم بالدّليل الآخر الذي يَرِد على ألسنة بعضهم لمدّة الأربعة أشهر من قول الله تعالى : {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر} ولا أظنّه أسوأ كثيراً من استدلاله من الكتاب على شرعيّة الخروج لثلاثة أيّام .. وإذا كان هذا هو العلم فما هو الجهل؟ ومثله الاستدلال على مشروعية الخروج أربعة أشهر بحكم الإيلاء. ثم يأخذ الشيخ في شرح مقصد (الحكيم الذي وضع هذا النّظام) من تحديد هذه الفترات .. وإذا كان ذلك (الحكيم) قد اقتبس تنظيمه من النّصوص التي ذكرها الشيخ وأورد مثلها غيره فما أقرب هذا الصّنيع من تأويلات الباطنيّة للنّصوص الشرعيّة .. ولنُعِد النّظر في مدافعتنا سابقاً لتهمة الباطنيّة عن منهج ومشايخ التّبليغ .. ولْنُعِد النظر في دفعنا لتهمة التّقيّة عنهم.. ولنبحث في الأمر بجدّية أكبر: لماذا يُعْطَى العرب (رياض الصّالحين) ويُعْطى العجم (تبليغي نصاب) ..؟ لماذا توجد القبور في بعض مساجدهم و يدّعون كما تشير رسالة الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله (المبنيّة على ادّعائهم حيث لم يُعْرفوا من قبل في هذه الجزيرة) أنّ مهمتهم التحذير من البدع و الخرافات، من عبادة القبور و دعاء الأموات ؟ وقد ذكر الشيخ أبو الحسن الندوي في كتابه (الإمام السّرهندي ..حياته و أعماله) ص118 : أن الشيخ /عبد القدّوس الكنكوهي رئيس الطريقة الجشتية الصّابريّة كانت تسيطر عليه فكرة وحدة الوجود والسّكر والاضطراب والفناء والاستغراق وأنه كان من أصحاب السّماع و المواجيد ومن الدّعاة المتحمّسين لها .. ونعرف من مصدر آخر (سوانح محمد يوسف) ص135 ترجمة الشيخ محمد أسلم (أحد دعاة رئاسة البحوث والإفتاء في أمريكا) أن الشيخ محمد إلياس مؤسّس جماعة التبليغ (بعد موت شيخه رشيد أحمد الكنكوهي الذي بايعه على الطّريقة الجشتية) كان يمارس المراقبة الجشتية بكثرة عند قبر عبد القدّوس الكنكوهي ..
يدّعي الشيخ أبو بكر هدانا الله وإيّاه (أنّهم دعاة إلى التّوحيد بالصّمت وما دام يكفي فالنّطق إذاً كلفة لا معنى لها) .. ويحثهم ـ طَبقاً لمنهجهم ـ على عدم إحراج العلماء بطلب الخروج معهم حتى لا يغضبوهم .. ويحثّهم على إخراج من لا يعرف معنى لا إلاه إلاّ الله .. ولو خرج الشيخ معهم مرّة واحدة أو استمع وهو شهيد لمن خرج معهم طويلاً وخبرهم وأنقذه الله من التّعصّب لهم .. لعرف أنّ مشايخهم ومناهجهم قبل أفرادهم لا يعرفون من معنى لا إلاه إلاّ الله ما عرفه أبو جهل .. فهي عندهم تنحصر في ثلاث : (المقصد) .. وهو اليقين بأنّ الله هو الخالق الرّازق المدبر .. (والفضيلة) .. وهي : «من كان آخر كلامه من الدّنيا لا إلاه إلا الله دخل الجنّة» و(طريقة الحصول) ..وهي : ترديد الكلمة الطّيّبة .. هذا هو معناها عندهم . ثم يعود الشيخ أبو بكر هدانا الله وإيّاه للاستدلال على مشروعية الخروج بمشروعية الحج والعمرة ..(وأن سرّ مشروعيتها الانقطاع عن الدّنيا و أسبابها للتّفرّغ إلى الله والعودة بعد تذوّق الجوع والتعب والبرد والمشقّة والألم في ذات الله .. أمّا الطّواف قلا حاجة لله فيه إذ أنّ سبعون ألف ملك يطوفون بالبيت المعمور كل يوم).
ومرّة ثانية تذكّر الشيخ بأنّ القضية الأساسية هي اعتساف الاستدلال بنصوص الكتاب و السّنّة على سنّية أمر محدّث والالتزام به كما لو كان من الفرائض، ولقد عرفت عدداً من العرب يلتزمون بأيّام الخروج كما قرّرها المشايخ في الهند بحيث لا يستبيحون نقصها أو الاتصال بأهلهم وبيوتهم قبل نهاية مدّة الخروج حتى لو تأخّر السّفر أو عاد المسافر قبل نهاية مدّة خروجه.
ويردّ الشيخ أبو بكر هدانا الله و إياه على من يتّهمهم بالابتداع، بسؤاله إيّاهم: لو قلت لكم: هذه بدعة .. تتركونها أو تصّرون عليها؟ ولما لم يجب سؤاله أحد منهم تطوّع بالإجابة، وحسناً فعل لأنّه سؤال محرج فعلاً لمن لا يثق إلاّ بمشايخه في دلهي: (تتركونها إن وثقتم من صحّة ما قلت لكم..)
وهل يسهل على المبتدع ترك بدعته ؟ وهل يثق المريد إلاّ بشيخه؟ الشيخ يبرّئهم من البدع و لعل ذلك بسبب جهله بحالهم و قبوله تزكيتهم لأنفسهم ومبالغتهم في ذكر أعداد خياليّة لمن أسلم أو تاب على أيديهم .. وعدم قبوله لآراء علماء الأمّة فيهم ومن عايشهم وعاشرهم عدد سنين ثم تركهم براءة إلى الله من باطلهم بل يحكم على جميع مخالفيهم بأنّهم غافلون أو جاهلون، ومنهم عبّاس شرقاوي الذي نفعنا الله بمعلوماته عنهم. ولكن .. ما رأي الشيخ في اعتقادهم أنّ الجولة لا تنجح إلاّ بوجود أحدهم في ركن من المسجد مطأطئ الرّأس في الذّكر، واعتباره (الدّينمو) المحرّك للجولة؟ وقد أشار أبو الحسن الندوي في كتابه : (ربّانية لا رهبانيّة) ص36، أن هذا من طرق التّصوّف (لإضاءة ظلام قلوب الآخرين وإحياء شريعة الله في العالم). وما رأيه في المحافظة على قراءة سورة يس من كلّ فرد يضمّه مركز الجماعة مساء يوم الخميس؟ وما رأيه في المراقبة عند القبور مرّة كلّ أسبوع وترديد: الله حاضري .. الله ناضري؟ وما رأيه في الصلاة في المساجد المبنية على القبور والمبيت فيها و الأكل فيها بنيّة الدّعوة إلى الله .. وعدم تنبيه القبوريّة ومقلّديهم من العوام بالحكمة و الموعظة الحسنة إلى موبقة الشرك بالله؟ وإذا التمسنا للشيخ أبي بكر العذر بجهله، فأين للشيخ يوسف مثل هذا العذر وهو الذي وافقهم (منذ وصول أول جماعة تبليغيّة إلى قلب الجزيرة العربيّة) بضع سنوات، ثم تركهم و ذكر لي أن من أسباب تركه إيّاهم ما رأى منهم من مخالفات للشريعة، ثم عاد ليصلحهم. كيف جاز له أن يبرئهم من كلّ عيب في رسالته: (إصلاح وإنصاف) ص4، وأن أعمالهم ظاهرة مكشوفة يصدق عليها قول الشاعر ص22:
فسرّي كإعلاني تلك خليقتي *** وظلمة ليلي كضوء نهاري
مع أنك ذكرت في نفس الرسالة ص(11) وجود أربعة قبور في (لا خلف) مسجدهم الرّئيسي بدلهي .. وذكرت لي أن في مسجدهم الرّئيسي بالسّودان قبراً يسمى (شِيْرْوَلي) .. وذكرت لي أن الشيخ محمد عمر (وهو الرّجل الثاني في مركز دلهي) اعترف للشيخ رجب الزّهراني بالبيعة على الطّرق الأربع .. وكتّبْتّ لهم رسالة مؤرّخة في 1407/2/29هـ رجوتَ أنها بِلين أسلوبها و ووصفك لهم فيها بأنّهم (المشايخ الكرام والعلماء الأعلام المتّبعين للسّنّة والعاملين لإحيائها) ستنال من الإستجابة ما لم تنله رسالتي الصّريحة لهم من قبل .. ونبّهْتهم إلى ما يلي:
1- (أنّهم يقومون ببعض الأذكار الصّوفيّة المخالفة للهدي النّبوي) .. وأنهم (يقولون للنّاس : إن فلاحنا ونجاحنا في الدّنيا و الآخرة باتباع أوامر الله على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم هم سرّاً يقومون بأعمال ليس عليها أمر الله ولا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم) ..أين هذا من وصفهم أخيراً بأن (أعمالهم ظاهرة مكشوفة ..فسرّي كإعلاني) .. والغريب أنك أوردت البيت نفسه في تحذيرك لهم من ظاهرٍ يدعون إليه وباطنٍ يخفونه عن النّاس حال أهل النّفاق والباطنيّة والمتصوّفة) ص3و4.
2- (أخْذُ البيعة على الطرق الأربع الجشتية والقادرية والسّهرورديّة و النّقْشبنديّة وهي من المحدثات «وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النّار» وإنكار اعتذارهم عن بيعتهم لبعض الدّعاة بخشيتهم منهم أو خوفهم من بُعدهم .. وتذكيرهم بأن من التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ..والعكس) ص5.
3- (اشتمال (تبليغي نصاب) ـ منهجهم للجميع عدا العرب ـ على ما يخالف الشرع من طلب الشفاعة من الرّسول صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به أو طلب الاستغفار منه مما ينافي حقيقة التّوحيد) ص5.
4- (اشتمال (تبليغي نصاب) على خرافة أحمد الرّفاعي الذي ينسب إليه أنه يزعم أن الرّسول صلى الله عليه وسلّم ناوله يمينه (من القبر) ليُقبّلها .. ثم طلبتَ من الله ثم منهم تشكيل نخبة من العلماء المختصّين بفهم العقيدة الصّحيحة لتهذيبه وإزالة كلّ ما لا يتّفق مع الشّريعة، أو استبداله بكتاب أنسب منه مثل (رياض الصّالحين) ص5و6 .
لو كان فيهم من يفهم العقيدة الصّحيحة أو ينكر البدع والخرافات والشركيات ما اتّخذوا (تبليغي نصاب) منهجاً للعجم عشرات السّنين. وهم لم يقرّروا (رياض الصّالحين) إلاّ لذرّ الرّماد في عيون العرب (والوهّابيّة) فيما يظهر منهم.
5- (التّحلّق لقراءة سورة يس أو قراءتها بصورة انفرادية (مساء كلّ خميس) ثم الدّعاء بعدها) ص6.
6- (ذِكْرُ بعض مشايخهم في بياناتهم (خطبهم) محبّة الله ومحبّة رسوله والاستشهاد ببيتين لمجنون ليلى.
أمرّ علــــى الدّيار ديار ليلى *** أقبّل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حبّ الدّيار شغفن قلبي *** ولكن حبّ من سكن الدّيارا
لأنه بسبب هذين البيتين يقبّل كثير من جهلة المسلمين جُدران القبور.. حتى آل الأمر إلى عبادة القبور) ص7.
7- (ورود كلام عن عالم الأرواح في بيانات العلماء ـ مشايخ الدّعوة ـ لا دليل عليه من كتاب ولا سنّة .. مع أنّ نظرية وجود الأرواح قبل خَلْق العالم لم يقل بها غير الفلاسفة و القائلين بتناسخ الأرواح .. وأن أكثر المستمعين لهذه الدّروس من العوام الذين قد يعتبرون أن كلّ ما يسمعونه حقّ) ص8.
8- (جاء في بيان بعض المشايخ ذكر حديثٍ معناه (أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلم طلب من الله المغفرة لأمّته (في حجّة الوداع) فجاء الوحي بأنّه قد غُفِرَ لأمته إلاّ الظالمين منهم .. فعاد يدعو و يتضرّع حتى جاءه الوحي بأنه قد غفر للظالمين من أمّته .. وأن عدم التأكّد من صحّة الأحاديث يوقع في مخالفة القرآن والسّنّة ..و قد يترتّب على مثل هذه الأحاديث ـ الباطلة ـ القعود عن الخروج في سبيل الله) ص8.
9 – (الاهتمام بتوحيد العبوديّة وأنه المعنى المباشر للكلمة الطيّبة .. وأنه لا يجوز إهماله عند ذكر الكلمة الطيّبة والاكتفاء بذكر توحيد الرّبوبيّة) ص10.
هذا يا أخي الحبيب و مثله ما يقرب من الانصاف و يبعد عن الاعتساف أمّا رسالتكم فهي تتناسى كلّ هذه الملاحظات وكأنّها لم تُكْتَب قبل بضعة شهور بقلم الشيخ يوسف نفسه. مع أنهم رفضوا الاجابة عليها.
لقد لمست منك خلال سنوات معرفتي بك (التي أرجو الله أن يديمها في الدّنيا على الطاعة وفي الآخرة في نعيمه) عدم ثقتك في صدق ما يظهرونه وسوء ظنك فيما يبطنونه وكان لموقفك الحازم ذلك اليوم من رجب 1404 بعد هداية الله الفضل في تخلّصي شخصيّاً وعدد من الإخوة من التّعصّب لمنهجهم و بدء محاولة إصلاحهم.
أرجو من الله ثم من أخي الحبيب الشيخ /يوسف وأخي الحبيب الشيخ /أبي بكر ومن كل من يعنيهم الأمر من علماء الأمّة و أولياء أمورها النّظر إلى هذا الأمر بما يستحقّه من اهتمام وجدّ وحزم ومعالجته بما يرضي الله و يحفظ على هذه الجزيرة ـ خاصّة ـ وبلاد المسلمين ـ عامّة ـ صفاء العقيدة ونصاعة الشريعة .. قبل أن ينفرط العقد ..وقد كاد.
إن هذه البلاد التي طهّرها الله من رجس الأضرحة والزّوايا و البدع لتمرّ بفتنة لم تمرّ بها منذ أن مكّن الله لدعوة التّوحيد و دولة التّوحيد.. وإنه ليحزنني ما أراه (وما خفي أعظم) مما أظهرته هذه المحنة من استعداد (بين أهل التوحيد في بلد التّوحيد) لقبول الخرافات والبدع والتّصوّف والدّفاع عنها .. وكثرة من يجادلني دفاعاً عن البيعة الصّوفيّة بتسميتها (على منهج الصّوفيّة) : بيعة التّوبة.. ومن يسومني في معنى لا إلاه إلاّ الله لعلّ معنى الرّبوبيّة هو مقصدها أو أهمّ مقاصدها .. وكثرة من يشدّ رحله إلى أحد مشايخ الدّعوة في الدّاخل أو الخارج يمضغ يده بالتّقبيل .. ويظهر له الخضوع والخشوع .. ويطلب منه الدّعاء .. ويستشيره في أدقّ شئون حياته: الزّواج أو الطّلاق .. الدّراسة أو ترك الدّراسة .. الوظيفة أو ترك الوظيفة .. بناء البيت أو تبديله .. الاقامة في بلد أو آخر .. وبعد أن يطمئنّ الشيخ على ثبات الولاء في مملكته الجديدة ينصرف إلى الكبوس والتّمبولة والتّمباك والأذكار والطّقوس الصّوفيّة و التمائم.
أرض التّوحيد، ونفوس أهل التّوحيد بدأت تتهيّأ لتقبل التّصوّف أكثر من أيّ وقت آخر بتصديق المنامات و ادّعاء الكرامات و قصص و أمثال المتصوّفة، حتى لقد صَرَخ أحد الإخوة من بني جلدتنا في وجوهنا بأن شرك الأولياء والصالحين عند الجماعة أخف من شرك الشهوات و المادّيات عندنا .. وعندما اقترحت أن يتوقف الرّاجحي عن طبع (حياة الصّحابة) (من منهج الجماعة عند العرب) لكثرة خرافاته و ضعف أحاديثه بلغ بآخر الغضب والتّعصّب إلى أن يردّ عليّ بقوله : (واقْتَرِح عليه أيضاً أن يتوقّف عن طبع القرآن). وعندما ذكرت اسم الشيخ محمد بن عبد الوهّاب مرّة واحدة في نقاش طويل مع أحدهم أسكتني بقوله : (نحن لا نتعصّب لأحد) .. أمّا لليهود فنعم ..
الحمد لله الذي أعتقنا من عبوديّة التّعصّب للأشخاص وميّزنا بتوحيد العبوديّة لله وحده .. ولكن الفضل يعرف لأهله فلولا أنّ الله قد مَنّ علينا بتركيز الشيخ محمد رحمه الله على العقيدة و بسيف الدّولة التي حَمَتْه حتّى بلّغها و حمل النّاس عليها .. لكان هذا المجتمع مثل غيره من المجتمعات الاسلاميّة تتخلّله العقائد الصّوفيّة وتشتّتُه الطّرق الصّوفيّة والفِرَق والمبادئ الضّالّة .. فلا يكاد بلد مسلم خارج الجزيرة يخلو من وثن (ضريح أو شجرة أو نصب) يعبد من دون الله (أو مع الله) .. ولا يكاد مسجد خارج الجزيرة يخلوا من بدعة قوليّة أو فعليّة أو اعتقاديّة أو وثن، ولا شكّ أنّنا بهذه الدّعوة الصّحيحة والعقيدة الصّحيحة في غنىً عن الدّعوات والمعتقدات والجماعات الوافدة من الأمصار التي أَلِفَتْ البدع وشرك الواسطة بين الخالق والمخلوق.
ولا يُعْفي أحدنا من المسئوليّة أن ندّعي أننا ما رأينا إلاّ خيراً .. قبل أن نكتب و نمدح ونزكّي ونسير في ركاب الابتداع (وقد وضعنا الله في مركز القيادة و ميّزنا بالتّمسّك بالسّنّة) علينا أن نحقّق ونبحث ونتأكّد .. إن عددا من علمائنا ودعاتنا ليسعون جاهدين للتنبيه والتحذير رغم ما يلقونه من عنت المتعصّبين والمخدوعين والمدّاحين الذين لم تكلّف واحد منهم نفسه بزيارة مشايخ الجماعات في الدّاخل والخارج أو النّظر في مناهجهم أو البحث في كتبهم بقصد التّثبّت مما سمع من مدح أو قدح . و لكن الهيئات العلميّة المسئولة لم تتحرّك حتى الآن وأخشى ألاّ تتحرّك قبل أن يبلغ السيل الزّبى .. ونندم حيث لا ينفع النّدم.
لماذا تكلمتُ في رسالتي لأخي الشيخ يوسف عن خطبة أخي الشيخ أبي بكر؟ لأن الموضوع واحد .. ولأنهما نُشِرَتا في وقت واحد ..ولأنه بدالي أن الدافع وراءها شخصيّ (وأعيذكما بالله و أعيذ نفسي من ذلك) .. الشيخ يوسف طلب منه أحد المتعصّبين والمخدوعين بقصص النّتائج المبالغ فيها وألحّ عليه فاستحيى من الرّفض .. ومن النّاحية الأخرى أراد أن يدفع عن نفسه اتّهامات الشيخ عبد الله بن سعدي الغامدي فمدح جماعة التّبليغ تبرئة لنفسه .. والشيخ أبو بكر هاجمه دعاة التّصوّف الأربعة فكتب رسالته : (إلى التّصوّف يا عباد الله) ردّاً عليهم .. و لاذ به دعاة التّصوّف التبليغي لتأييدهم، فكتب يمدحهم .. لقد استطاع التّصوف التّبليغي أن يثير الخلاف والشّقاق بين أهل التّوحيد .. ويشكّك الموحّدين في عقيدتهم .. ويهيّئ الجوّ لِتَقَبُّل أباطيل الصّوفيّة بين طلاّب العلم و العوام وحتى بين بدو الجزيرة العربيّة، واستخدم بعض طلاب العلم في الدّعاية له و الدّفاع عنه وترويج أكاذيبه ومبالغاته في تزكيته لنفسه وأهله دون تثبّت عفا الله عن الجميع.
فهل نستيقظ وندفع الشرّ الوافد عن أنفسنا وأولادنا وأهلنا ومجتمعنا وديننا؟ أو نستمرّ في غيّنا وعنادنا و تعصّبنا وغفلتنا واحتضان مشايخ التّصوّف وردّ الناصح من علمائنا وتسفيه رأيه فيأخذ منّا الشّر أكثر ممّا أخذ حتى الآن، ويهدّد مستقبل العقيدة والسّنّة في بلادنا ومجتمعنا إلى الأبد؟ ولا شكّ عندي أنّكما تعلمان أنكما من أحبّ النّاس إلي ومثلكما بعض من سار في طريقكما أو دفعكما إليه .. ولكنّ الحقّ أحبّ إليّ من الجميع .. ومن الأمانة والمحبّة في الله والنّصح لله ولرسوله ولدينه و لكلّ مسلم أن أدفع عنكما السّوء .. وليس من شيء أسوأ في نظري من أن يساهم أحدنا في تقويص أعظم نِعَمِ الله عليه: نعمة العقيدة الصّحيحة عن طريق تقبّل البدع أو التّساهل والتّسامح تجاهها ثم الممارسة في هذا الجيل أو الأجيال اللاحقة.
حفظكما الله وحفظنا جميعاً من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا ومن شرّ الشيطان وشركه وتلبيسه .. وهدانا لما اختلف فيه من الحقّ بإذنه فإنّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن في 1407/10/14هـ