الملك حسين رحمه الله ولعنة الهاشميّين[3]

الملك حسين رحمه الله ولعنة الهاشميّين[3]

بسم الله الرحمن الرحيم

فيما سبق من هذا المقال أنْكَرْت الحُكْم على الغيب باللَّعنة أو النِّعمة، والصّالحون من آل البيت أولى برحمة الله وبركته وفضله.

ولكن الملك حسين رحمه الله يوم اتّهم (لعنة الهاشميّين) وحمّلها وزر ما حدث في ثورة العراق عام1958 من وحشيّة كان يعبّر عمّا سمّاه: (مشاعر الأسى والحقد المتفجّر) في طباعة متقدّمة لكتابه: (مهنتي كملك)، إسمعه رحمه الله يقول: (لقد بدأ الدّم في العراق بمقتل الحسين رضي الله عنه) ثم يقول عن وحشيّة الثّوار العراقيّين: (عندما أعود للشّريط الذي خلّفته الشريفة ساجدة التي تعرّضت لأبشع عدوان بعد اغتيال أفراد أسرتها… لقد استمعت إلى كلماتها المختلطة بالنشيج والبكاء وهي تتوسّل إلى الضّابط القذر الذي أفرغ الرّصاص على رأس الشريف [الطفل علي عبد الإله] بعد أن وضع حذاءه على بطنه ثم أفرغ أربع رصاصات في رأس الأميرة البالغة من العمر62 سنة المؤمنة الورعة الحافظة لكتاب الله… كثرة النّاس قد لا يُحِسُّون بلحظة الانفجار المأساوي التي تغلي مراجله في داخل الانسان. وأُقْسِم صادقاً بارّاً أن لا تغفل لي عين أو ينام لي جفن حتى أرى في كلّ بيت عراقيّ دماً ينزف ودموعاً لا تجف).

والأحرى بالملك حسين أن يعفو ويصفح عن جرائم ثوار العراق كما عفا وصفح عن جرائم الفلسطينيّين الذين حاولوا اغتياله أو الاساءة إليه.

ولكنّ العرب الذين تحْكُمُهُم (عقدة المؤامرة) استدلّوا بهذا على أنّه وفى بوعده فضحك على صدّام حسين وورّطه في احتلال الكويت وتهديد السّعوديّة، ودلاّه بغرور حتى (رأى في كلّ بيت عراقيّ دماً ينزف ودموعاً لا تجف).

ولو صدقَتْ عقدة المؤامرات العربيّة هذه المرّة فقد عايشها الملك حسين رحمه الله بكلّ قوّة فأعلن أن لقبه صار: (الشريف حسين) استعداداً لتولّي إمارة مكّة والمدينة وما حولها، ولكنّي لا أظنّه ينزل إلى مستوى تصديق وعد صدّام الدّين والدّنيا بالاستيلاء على السّعوديّة واقتسام أرضها مع الملك حسين وعلي عبد الله صالح.

والدّولة السّعوديّة التي جدّد الله بها دينه (بالعودة إلى ما كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم) ثلاث مرّات منذ منتصف القرن الثاني عشر الهجري حتى اليوم، نالت نصيبها من أقدار الله تعالى وبلائه؛ فقد حاربتها دولة الخرافة العثمانيّة سبع سنين في أوائل القرن الثالث عشر وهَدَمَتْ عاصمتها وقَتَلَتْ ونَفَتْ المئات من علمائها وأمرائها، ولما أحياها الله وجدّد بها دينه مرّة ثانية في عهد الإمام تركي وابنه الإمام فيصل رحمهما الله عادت الدّولة الخرافيّة العثمانيّة تغزوها باسم أحد المنفيّين من آل سعود، فلم يقبله أهل نجد حاكماً في ظلّ دولة البدعة والخرافة والوثنيّة وانتهى به الأمر منبوذاً من المنطقة كلّها، وعادت دولة التّوحيد والتّجديد والسّنّة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في عهد الإمام فيصل بن تركي رحمه الله، ثم نزغ الشيطان بين الطامعين في الولاية من آل سعود وبين من ولاّهم الله الأمر من نسل الإمام فيصل، وتوقّف مُلْك آل سعود نحو10 سنوات، حتى بعث الله الملك عبد العزيز آل سعود مجدّداً لدينه منذ عام19 للقرن الرابع عشر الهجري ولم ينته النّصف الأول منه حتى ولاّه الله أمر جزيرة العرب من حدود العراق إلى حدود اليمن وعُمَان ومن الخليج إلى البحر الأحمر، فهدم الله بجيشه المؤيَّد (بالرّعب وبالنّصر) جميع أوثان المقامات والمزارات والمشاهد والأضرحة وأزال به جميع البدع وأمّن به السّبل وفتح الله لدولة التّوحيد والسّنّة خزائن الأرض.

ولم يَعْزُ أحدٌ من أمراء الدّعوة ولا علمائها ما أصابهم إلى لعنة الله تعالى بل تذكروا قول الله تعالى: {وليمحّص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين*أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين}. وتذهب الدّولة والدعوة السّعوديّة مرّة بعد مرّة ثم تعود بفضل الله على ما عاهدت الله عليه من نصر دينه وإعلاء كلمته.

أمّا أشراف مكّة رحمهم الله فأذكر واحداً منهم: عون الرّفيق رحمه الله (وهو جدّ ملوك الأردن) عيَّنَتْه دولة السلطنة التّركيّة عام1299هـ؛ وأقنعه الشيخ أحمد بن ابراهيم بن عيسى رحمه الله بهدم أوثان المزارات في ولايته فهدم بعضها إلا الوثن المسمّى خديجة رضي الله عنها لتعلّق أهل مكّة به ولم يهدم الوثن باسم حوّاء عليها السّلام في جدّة لتعلّق غير المسلمين مع المسلمين به، وميّز الله حكمه بامتداده نحو ربع قرن.

والملك حسين رحمه الله تميّز بهدم أول تمثال أقيم له بحجّة أنّ (سيدنا النبي أمر سيدنا علي بهدم التّماثيل وطمس الصُّوَر)، وذُكِر لي أنه أوصى أن لا يُبْنى على قبره، تجاوز الله عن الماضين وجعل الباقين هداة مهتدين.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن عفا الله عنه في 1435/7/9هـ