الفئة الباغية في فتنة سوريا
الفئة الباغية في فتنة سوريا
بسم الله الرحمان الرحيم
لو سألت أكثر الناس، بل طلاب العلم الشرعي (فضلا عن طلاب الفكر الحركي ومتبعي كل ناعق في الانترنيت) عن الفئة الباغية في فتنة سوريا الحاضرة لجاءك الجواب غالبا
ـ موزونا بميزان الإنتماء الطائفي الأعوج والتهريج الإعلامي، بعيدا عن ميزان الحق والعدل من الكتاب والسنة بفهم الصحابة وتابعيهم بإحسان في القرون الخيرة . ولئن خالفْتَ الرأي العام مستدلا بالآية والحديث وفقه السلف فسيقال لك ماقاله لي خيرهم: (لا غبار على استدلالك بالكتاب والسنة، ولكنّ هؤلاء ضالون كفّرهم شيخ الإسلام ابن تيمية). وعبثا تحاول بيان ماهو أوضح من الشمس في رابعة النهار بأن ابن تيمية أسكنه الله الفردوس من الجنة يحكم على من عاصره أو سبقه من الفِرَق الضالة لا يحكم على من يولد بعد موته بمئات السنين، ويحْذَر أشدالحَذَر من تكفير معين في عصره أو قبله فكيف بمن بعده، قال رحمه الله في مجموع الفتاوى جَمْع ابن قاسم رحمه الله (3/ 230): (وما نقل عن السلف من إطلاق القول بتكفير من يقول [كلمة الكفر] فهو حق، ولكن يجب الفرق بين الإطلاق والتعيين) بل قال رحمه الله: (فإنه وإن كان القول تكذيبا لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لكن [القائل] قد يكون حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون [الجاحد] لم يسمع نصوص [الوحي]، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئا) الفتاوى ج3 / ص231. ولكني لم أر ولم أسمع أثناء إقامتي في بلاد الشام أكثر من عشرين سنة ومقابلتي لأكثر دعاة السنة الصحيحة والمدّعاة مَنْ نَقَل عنهم تكذيبا أو جحدا، أو قول كُفْر أو فعْل كفْر، ودعاء غير الله من أوثان المقامات والأوثان والمشاهد والأضرحة الخاصة بهم أو بالمنتمين للسنة أو المشتركة بينهما (مثل وثن السيدة زينب). ولقب الطائفة الذي يُنْبَزُون به يَعُدّونه سباًّ لهم وافتراءً عليهم، ونحن (الذين ميزنا الله بالتزام ماكان عليه النبي صلى الله علوه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم ، وميزنا الله بمحاربة الشرك ومادونه من البدع وهدم الأوثان والزوايا الصوفية) نَبَزَنا المنتمون للسنة ـ زورا ـ الأوائل بلقب الوهابية، ونبزنا المُحْدَثون منهم بالجامية. فالنبز بالألقاب لمن يتبرأ منها لا يجيز الحكم بالكفر على أفرادهم. وأشهد أني رأيت من عدد أوثان المنتمين للسنة في سوريا ومِن سب الرب وسب الدين ودعاء أوثان ابن عربي والحسين ومئات غيرهما مالم أره من فئة ضالة يهودية أو نصرانية أو منتمية للإسلام. وعَوْداً على أساس المقال؛ هل الفئة الباغية: الخوارج الذين عصوا الله ورسوله بمعصيتهم من ولاّه الله أمرهم، ومقاتلته، وإخلالهم بالأمن وإحداثهم الفوضى والهرْج وإفسادهم في الأرض؟ أم ولاة الأمر الذين حاولو صدهم ولو بقتالهم؟ أما الشرع، ففي صحيح مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ ” من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم، فاقتلوه“، وأما ـ العقل وهو المُحَكّم غالبا ـ فلا شك أن سوريا فقدَتْ في عامي الثورة العاصية من الأمن والمال والاستقرار بل من مجرد الحياة ماقد يكون جزاء من الله على معصية شرعه باسم شرعهـ زوراـ، والمجلس الإقليمي وهو أول وأكبر قادتها يرأسه العلمانيون صراحة لا مجازا، ولم أقرأ ولم أسمع ولم أر من المنتمين للسنة منذ ابن تيمية في عهود المنتمين إلى السنة من أنكر أوثان سوريا ـ وأغلبها لهم ـ وبدعها التي تنافس ضلال أكثر المنتمين للسنة في بلاد العرب والعجم، بل لم أسمع شيئا من ذلك في سَنَتي الثورة العاصية ولو اجتذابا لأموال (الوهابيين والجاميين بزعمهم)، فالفئة الباغية بلا شك هم الخوارج قلوا أو كثروا، طالت المدة أو قصرت، نجحت الثورة أو أخفقت. وشرْع الله ثابت لا يغيره المكان ولا الزمان ولا العدد ولا النتائج. وكل هذه الثورات العاصية جلبت الخوف والنقص في المال والأنفس والثمرات، وليبيا (وحدها) نفعها الله بمن يُنْبَزُون بالوهابية والجامية فهدموا أكثر أوثانها بأيديهم أثناء فقد السلطة وليس بأيدي قادة الثورة العاصية. أما البقية فلم نسمع صوتا واحدا ينكر الشرك بالله في عبادته فضلا عما دونه من البدع والمعاصي، وفضلا عن هدم أوثان المقامات والمزارات والأضرحة التي يقرها أو لا ينكرها أكثر المسلمين منذ الفاطميين قبل نحو ألف سنة. فليتق الله من يدعوا للثورة بالنصر ويتجنب الدعاء للثوار بالهداية، ومن يفتري على شرع الله فيتكئ على نصوص الوحي وأقوال الفقهاء محللا الثورة العاصية جهلا أو خطأً أو عمدا، ولْيَدْع الله بالهداية للعصاة قبل الدعاء لهم بالنصر، والهداية هي طريق النصر الرباني، أما مداولة الأيام بين الناس فهي للكافر والمسلم، والله الموفق