الفرق بين السَّلفي والصَّحفي
الفرق بين السَّلفي والصَّحفي
بسم الله الرحمن الرحيم
(أ) أَطْلعني بعض الاخوة في الايمان والسُّنَّة (وفي وطن التَّجديد على منهاج النبوَّة في الدِّين والدعوة) على مقال لأحد الدُّعاة على بصيرة عن الأحداث في عدد من البلاد العربيّة نَشَرَه خير المواقع العامّة على الإنترنت، وأسِفْتُ شديد الأسف لنزول هذا الدَّاعي إلى الله وهذا الموقع من علياء (الاسلام العتيق) و(الدعوة على ما كان عليه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم) إلى حضيض: (الإسلام اليوم) و(التحليلات الصحفية)، ومن قمَّة (السِّياسة الشرعيّة) إلى وهدة (السِّياسة الرَّخيصة)، وعسى ألا يكون وراء هذا الانحدار رغبة ظاهرة أو مستترة في إرضاء الأكثريَّة التي تميل عن الجِدِّ إلى الهزل، وعن اليقين إلى الظَّنِّ، وعن الفقه إلى الفكر، بل لعلَّه نزغ من الشيطان يتلوه التَّذكر والإبصار والرَّدُّ إلى الله ورسوله : {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} [الأعراف: 201-202]، والفئة الأخيرة هم الأحرى باجتذاب الكثرة الضالة عن هدي الله ورسوله ومنهاج الفقه في الدين: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: 23].
(ب) والفرق بين السَّلفي و الصّحفي:
1) أن السَّلفي يأخذ دينه (ومنه الدعوة إليه) من وحي ربّه ومن سنَّة رسوله وفقه الأوّلين؛ مَرْجِعُه: الكتاب و السنة والفقه في الدِّين من أهله، لا يلتفت إلى النتائج (فأمرها وعلمها عند الله وحده)، ولا تهمُّه الكثرة والقلة: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116]، أكبر همّه ومبلغ علمه: أحكام شرع الله، أولًا في الاعتقاد، ثم في العبادة، ثم في المعاملة، وهي بترتيبها أوَّل وأعظم ما يتقرَّب إلى الله بالدعوة إليه من دين الإسلام، منهاجه وطريقه ما كان عليه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم؛ منهاج الفرقة الناجية: «ما أنا عليه وأصحابي»؛ فيما صحَّ عن عبد الله ورسوله الذي أمرنا الله بالتأسّي به. ولا ينشغل السّلفي عمَّا رضيه الله له، وميَّزه به بمشاركة الصَّحفيِّين والحركيِّين والحزبيِّين فيما اختاروه لأنفسهم من خيْرٍ أدْنى، أو من شرٍّ.
2) أمَّا الصّحفي (ومثله الحركيُّ والحزبيُّ) فيتَّبع كلَّ ناعق من فئته، والثلاثة لا يصدرون عن وحي ولا عن فقه، بل عن (واقع) فكري، أو خيال فكري، لِفَقْدهم ميزان اليقين الشرعي لما يقولون أو يفعلون أو يعتقدون؛ فلا يميزون الخبيث من الطيب، عافانا الله مما ابتلاهم به، وكفى الإسلام والمسلمين شرَّهم.
3) وكما أن أكبر هَمِّ السّلفي ومبلغ علمه ومجال عمله: يقين الوحي والفقه فإن أكبر هَمِّ الصحفي ومبلغ علمه ومجال عمله: ملء الصَّحائف وتسويدها (بهَذْرٍ أساسه النَّقل الكثير بلا كثير تعقُّل أو تثبُّت) والحق والعدل والعقل: أن يشكر السَّلفي نعمة الله ويتَّقيه، ويثبت على ما اصطفاه الله له وميّزه به، ورفعه إليه من سمّو العلم والعمل، وألا يرضى لنفسه أن يهبط إلى مستوى الصحفيِّ الجاهل بشرع الله، وأن يتقي الصَّحفي سوء العذاب فلا يقول على الله وشرعه بغير علم، أو بلفظ آخر: ليمتنع الدَّاعي إلى الله والخطيب من تقليد الصّحفي والاعتداء على مهنته؛ فالصّحفي مؤهل لها أكثر منهما، وهو أخبر بها، وأقدر على النظر فيها من مختلف وجوهها ومصادرها، ولْيمتنع أو يُمْنع الصَّحفي من الاعتداء على دين الله والعلم والعلماء بشرعه.
4) أما الاستمرار على ما وقع أكثر طلاب العلم والدعاة والخطباء فيه من استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير في العقود الأخيرة؛ من الانشغال ـ جزئيًّا أو كليًّا ـ عن السِّياسة الشرعيَّة اليقينيَّة بما في أيدي الحزبيِّين والإعلاميِّين من السِّياسة الظَّنِّيَّة الرَّخيصة فقد ضيَّع الدعوة وأهمَّ وسائلها: خطبة الجمعة (العبادة المفروضة) في المساجد الثلاثة التي تشدَّ لها الرِّحال فضلًا عن غيرها، والاستمرار على ما وقع فيه أكثر الصَّحفيِّين من التَّعدِّي على شرع الله وعلمائه عرَّض الصحفيِّين لغضب الله وعرَّض الدِّين للضَّياع.
(ج) استدلَّ الدَّاعي السَّلفي في الموقع السّلفي في بداية مقاله بقول ابن تيمية رحمه الله يَرِد على القلوب من الواردات ما يمنعها من معرفة الحق وتصوُّره فضلًا عن إرادته وطلبه). وهذا القول الموفَّق لابن تيمية رحمه الله مناسب لنهي المتظاهرين والخارجين عن التّظاهر والخروج ـ كما أراد الدَّاعي السَّلفي في مقاله ـ ومناسب كذلك لنهي الدَّاعي السَّلفي عن إقحام نفسه في الفتنة ما استطاع، وهذا من فقه ابن تيمية للأحاديث عن الفتن وأن القاعد فيها خير من القائم، وأن يَسَعَ المعافى بيته، وأن خير ما له غنيمات يتتبَّع بها شَعَف الجبال، وما لم تبلغ الحال هذا الحدَّ من السّوء ـ بفضل الله ومنّته ـ فليَسَع الدّاعي إلى الله على بصيرة ما وسِعَ سلفه من قبله: إعمال الفقه في النصوص الثابتة، لا الفكر الظني من أفسق مصادره: الإعلام. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6].
1) كيف يستطيع الدّاعي السلفي أن يجمع بين الاشتغال بما اصطفاه الله له وميّزه به من الدعوة إلى الله على بصيرة من الكتاب والسّنة وفهم السّلف لنصوصهما وبين الاحاطة في مقال واحد بأحداث (تونس ومصر، بل وفلسطين ولبنان وقطر وقناة الجزيرة) و(تخطيط الصّهيونية العالمية، وتخطيط دول الغرب)، وما نُقِل عن (إحدى الصحف البريطانيّة الكبرى)، وعن (القرضاوي)، و(غسل الأدْمغة)، و(الدّيمقراطية)، وعن (القنوات التي يريدها الصهاينة والماسونيّة بإشراف من القوى الكبرى)، وعن (تحالف أمريكا مع الرّافضة لتقسيم الدّول العربيّة وخصوصًا دول الخليج) وعما تخفيه (أدراج المكاتب الأمريكيّة)، والتأكيد: (بلا شك ولا ريب). ولم تَنْتَه نشرة الأخبار بَعْدُ، بقي أخبار عن (سوريا وإسرائيل) وعن (حزب اللات)، وعن (استضافة قطر للحدث الكروي) وعن (جنوب لبنان) وعن (العراق) وعن (أفغانستان) وعن (الوساطة السّعودية بين اللبنانيين وبين الفلسطينيين)، وعن (وفد من إيران ينبّه الأمريكان إلى موطن الخطر)، وعن (باكستان)، وعن (الجزائر)، وعن (السّودان)، وعن (اليمن)، وعن (الإتحاد السوفييتي)، وعن (غزو أمريكا للعراق وصدام حسين فيه وما فيه)، وعن المقارنة (بين زين العابدين وحسني مبارك وبين حكام قطر) إلخ.
أعان الله شيخَنا السّلفيَّ لقد أحسَسْتُ بدوخة لمجرد محاولتي عرض أبرز ما تناولَتْه تحليلاته السّاذجة فكيف به يتكلف البحث فيها وعنها؟ وحمدت الله أنّه لم يكلِّفْني ولم يكلِّفْه ما لم يؤهلنا الله له، ولم يأمرنا به، وما لن نُسْأل عنه في القبر، وأنه ميّزني وميّزه بالتزام منهاج النبّوة في الدّين والدّعوة، والولاء لدولة التوحيد والسّنّة، وكراهة التّحزّب والتّعصب والعنف، وكراهة الخروج على جماعة المسلمين وولاتهم، ولو ظلموا أو فجروا، كما أمرنا الله في كتابه وسنّة رسوله، ومن شكرنا لهذه النعمة ألا نبغي بها بديلًا، وألا يسخفّنّنا الحركيّون والحزبيّون، فنحاول منافستهم على بضاعتهم، فنتحول عن اليقين إلى الظنّ، أو ننشغل بالظن عن اليقين، ولو ساعة واحدة.
وأكثر المواقع السّلفية على شبكة المعلومات الفضائية كدّر صفوها ما سوّلتْ به الأنفس الأمّارة بالسّوء، ووسْوَسَتْ به شياطين الجنّ والإنس للقائمين عليها، فتحوّلت ـ جزئيًّا أو كليًّا ـ إلى الصّدّ عن سبيل الله بمحاولة سلفيٍّ تشويه سمعة سلفيٍّ آخر يخالفه في مسألة من مسائل الدّين، فشغلَت الموقع والقائمين عليه والمطلعين عليه عمّا أسّس له من نصر منهاج النبوّة ودعاته، وموقع (الإسلام العتيق) أهلٌ لفضل الله عليه بحفظه (مع قليل من أمثاله) من حرب أهلية بين خير الدعاة، ومن الاشتغال والإشغال بالظنِّ عن اليقين. والله الموفق.
كتبه: سعد الحصين في (1432/3/7هـ).