إحياء الآثار الدينية والوثنية

إحياء الآثار الدينية والوثنية

بسم الله الرحمن الرحيم

في أقل من شهر حثَّ عددٌ من الصحفيين والكتاب والموظفين أمة الإسلام على إحياء الآثار الدينية إبرازًا (لمعالم الحضارة الإسلامية)، و(لذاكرتنا التاريخية)، و(احترامنا لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم)، و(تصحيح النظرة التي تحكمنا تجاه الآثار الدينية والوثنية)، وسبقت ذلك محاولات أقل جرأة على الحق.

ومع إحساني الظن بنية الكتبة جميعًا وإدراكي سوء قولهم وعملهم؛ لم أجد بدًّا من التساؤل: هل اتفاقهم على هذا الاتجاه وحرصهم على نشره ـ ولم يعرف عن أحد منهم اهتمامه بنصر سنة ولا قمع بدعة ولا نهي عن معصية كبيرة أو صغيرة ـ هل كان ذلك إرجافًا منظمًا لفرض رأيهم أم مجرد توارد خواطر شيطانية أملتها العاطفة التائهة.

وأيًّا كان الجواب على هذا التساؤل (وهم أعلم بما في نفوسهم منِّي وحسابهم على الله)؛ فإنهم مخالفون لشرع الله وسنة رسوله وسنة خلفائه الراشدين وآل بيته وصحابته وأئمة الفقه في الدين في القرون المفضلة ومن سار على نهجهم من فقهاء الأمة الداعين إلى دين الله على منهاج النبوة. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].

1) فلم يردوا الأمر لله ولا لرسوله؛ إذ لم يقدموا نصًّا واحدًا من الكتاب والسنة ولا من أقوال فقهاء الأمة في القرون المفضلة يجيز إحياء الآثار الدينية أو الوثنية.

بل خالفوا الأمر الصريح بالنهي عن مشابهة الكافرين الذي بدأ ضلالهم واستمر بسبب إحياء آثار الصالحين والغلو فيهم بدعوى محبتهم والتقرب بهم:

– روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى عن قوم نوح: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23]، قال: (هي أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت).

– وروى ابن جرير أنَّهم: (كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم) إلخ من (تفسير ابن كثير).

– وفي الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن النصارى: «أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا ثم صوروا تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة».

– وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، قالت عائشة رضي الله عنها: (يحذر مثل الذين صنعوا).

– وفي عدة روايات في الصحيحين وفي مسند الإمام أحمد أن هذه كانت آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.

ثم يأتي أحد هؤلاء الكتبة عفا الله عنهم وهداهم ويتمنى لبلاد التوحيد والسنة ما طهرها الله منه: أن يبني مسجد على قبر كل صحابي.

2) ولم يردوا الأمر إلى من أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم باتباع سنتهم، فقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قطع شجرة بيعة الرضوان لما رأى من رغبة الناس في اعتيادها في خير عصور الإسلام، وورد عنه أيضًا منعه الناس من قصد الصلاة في موضع صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلا لمن أدركته الصلاة فيه.

وورد عنه أيضًا أنه قال: (إنما أهلك من كان قبلكم تتبعهم آثار أنبيائهم)، هذا في عصر الصحابة والتابعين في خير القرون.

ولم يعرف عن أحد من فقهاء الأمة (إحياء أثر) في مكة المباركة غير ما شرعه الله: المسجد الحرام {لِلنَّاسِ سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ وَالبَادِ} [الحج: 25]، وغيره من مشاعر الحج (للحاج وحده بما شرعه الله له).

ولم يعرف عن أحد من فقهاء الأمة في القرون المفضلة (إحياء أثر) في المدينة النبوية غير ما شرعه الله: المسجد النبوي، ومسجد قباء، وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه، وقبور المسلمين في البقيع وأحد للدعاء لهم وتذكر الآخرة.

ولم يعتد أحد من الصحابة ولا من تبعهم زيارة غار حراء في مكة المباركة ولا غار ثور ولا مكان المولد المزعوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن لهم ذلك.

3) ولم يردوا الأمر إلى أولياء الأمر منهم ـ كما هو أمر الله ـ ومعلوم أن الله قد من على دولتنا المباركة فميزها بالتأسيس من أول يوم على الدعوة إلى منهاج النبوة في الدين والدعوة على جميع دول المسلمين منذ القرون المفضلة فأزالت جميع ما يسميه المبتدعة اليوم بالآثار الإسلامية من المقامات والمشاهد والمزارات، وبالآثار الوثنية وأهمها ذي الخصلة في تباله وجبل دوس، وميزها الله بالجهاد الحقيقي لتكون كلمة الله هي العليا (لا الجهاد الوهمي ولا الإجرامي الحديث)، وميزها بنشر كتب التوحيد والسنة والتحذير من الشرك والبدعة لأول مرة في تاريخ المسلمين مثل: فتح المجيد وشرح الطحاوية وفتاوى ابن تيمية وجامع الأصول وتفسير الطبري وتفسير ابن كثير، وميزها الله بإرسال دعاة التوحيد والسنة إلى مشارق الأرض ومغاربها، وإنشاء معاهد وكليات الدعوة إلى منهاج النبوة في الداخل والخارج.

وهذه أعظم ميزة منحها الله لعبد من عباده، وهي أعظم ما أرسل الله به رسله وأنزل له كتبه، وأعظم شرائع وشعائر دينه.

4) ولم يردوا الأمر إلى أكبر علماء هذه الدولة المباركة بداية من الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وتلامذته في المرحلة الأولى، ثم فتاوى الشيخ/ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد ابن عثيمين رحمهم الله، ودروس وخطب وفتاوى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، والشيخ صالح بن محمد اللحيدان، والشيخ د.صالح الفوزان، وجميع العلماء الدعاة إلى الله على منهاج النبوة، وبخاصة ردود الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع، والشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ على دعاة البدعة والفتنة.

5) وقد مضت سنة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه وأتباعه على هذا الصراط المستقيم من سد ذرائع الشرك وأبوابه حتى بدأ نشر البدع الشركية فما دونها بإحياء ما سماه الشيطان: الآثار الإسلامية أثناء عهد الفاطميين واستمر في عهد العثمانيين وما بينهما، وجاء الله بمن يجدد لهذه الأمة دينها بالعودة به إلى أصله من أفراد: أبرزهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وابن الجوزي رحمهم الله، ثم جاء الله بدولة التوحيد والسنة التي بدأت بعقد رباني بين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود رحمهما الله وجزاهما عن هذه الجزيرة المباركة وعن الإسلام والمسلمين خير ما يجزي به الدعاة إليه على بصيرة ـ وأعظمهم رسله ـ من نصر لدينه ومحافظة على شعائره وبيوته وتطهيرها مما يحدثه الجهل والهوى ووسوسة شياطين الإنس والجن. قال الله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الهُدَى} [النجم: 23].

6) أرجو الله ثم أرجو علماء هذه الأمة الدعاة إلى الله على سبيل نبيه والمؤمنين به بيان وجه الحق في هذا الأمر العظيم حتى لا يظن سكوتهم عن الباطل علامة لرضاهم عنه، وأرجو الإخوة الكتبة أن يتقوا الله فلا يقولوا على الله وشرعه بلا علم ولا هدى ولا صراط مستقيم.

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.