العاطفة الدّينيّة بلا علم تقود إلى الضّلال

العاطفة الدّينيّة بلا علم تقود إلى الضّلال

بسم الله الرحمن الرحيم

بفَضل الله عليّ وقَدَره ثم اختياري هجَرْت الإعلام الجاهل الضّالّ المضلّ فلم أشتر جريدة ولا مجلّة عشرات السّنين لأنّها من أسوأ وسائل ما يسمّى (قتل الفراغ) وليس عندي – بفضل الله – فراغ.

ولو وُجد الفراغ في حياة المسلم فإنّ الله تعلى يقول: {فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب}، والفراغ نعمة لا يشكرها من يقتلها.

وسخّر الله لي عددا من الإخوة الكرام المهتمّين بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر يقدّمون لي ما يهمّني في الصّحافة: إنكار منكراتها؛ خيرهم أخي عبد الله رغم كثرة مسئوليّاته العمليّة والشّيخ د.محمد الفريح الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء – جامعة الإمام محمد بن سعود بالرغم من كثرة مسئوليّاته الأكاديميّة جزاهم الله خير الجزاء وأجزل لهم الثواب:

أ- وبين يديّ من منكرات الصّحافة إعلان نشرته أكثر من جريدة (وفي سوق الحمير يركب كلّ من يزيد) تضمّن حيرة صاحب الإعلان في قول الله تعالى عن نفسه الكريمة: {يختصّ برحمته من يشاء} وأنّه سأل العلماء فلم يجد عندهم من يشفي غليله، فاجتهد ووجد أنّ مراد الله لا يشمل المؤمنين المتّقين المستغفرين المحسنين الصّابرين بل يخصّ (المصلّين على النبي صلى الله عليه وسلم بلا انقطاع) مستدلاًّ بقول الله تعالى: {وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته}، ظنّاً آثماً منه أنّ {وصلوات الرسول} تعني: صلاة المؤمنين على الرّسول، ولم يخطر بباله أنها: صلوات الرسول على المؤمنين: يعني دعاؤه لهم، وثنّى بحديث: كم أجعل لك من صلاتي المختَلَف في صحته، ولم يُبَيِّن ما فهمه منه، وليته لم يُبَيِّن فهمه الخاطئ للآية فلم يُحْوِجْني إلى تكرار تحذيري من القول على الله بغير علم وهو من كبائر الإثم وحريّ أن لا يغفره الله فهو مثل الشرك لا تدفع إليه الغرائز. وقبل بضع سنين رددت على طبيب من طائفته افترى على الله أنّ من شرع الله محبّة الكافر بل ما يزيد على المحبّة لسوء فهمه قول الله تعالى: {أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم} فتساءلتُ ولا أزال: إذا كانت وزارة الصّحّة تمنعني من ممارسة الطّبّ دون مؤهل فلماذا لا تَمْنَع رئاسة البحوث ووزارة العدل ووزارة الشئون الإسلاميّة وهيئات الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وتَسْجُنُ وتَجْلِدُ قراصنة الأطبّاء والتّجار والكتّاب القائلين على الله بغير علم؟

ب – وإلى القارئ الكريم تذكير بما جرّته العاطفة الدّينيّة بغير علم والقول على الله وشرعه بغير علم على العباد من شِرْك وضلال:

1) بدأت الوثنيّة في قوم نوح بمحبّة الصّالحين والحرص على حِفْظِ آثارهم بنيّة الإقتداء بهم، فقد روى البخاري في صحيحه وابن جرير في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهم جميعاً في تفسيره قول الله تعالى عن مشركي قوم نوح: {وقالوا لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودّاً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسرا}، قال ابن عباس: (أولئك أسماء رجال صالحين لما ماتوا أوحى الشّيطان إلى مَنْ بعدهم أن ابنوا في مجالسهم أنصاباً)، واستمرّ وحي الشّيطان فاتّخذ اليهود والنّصارى قبور أنبيائهم [وصالحيهم]  مساجد كما في صحيحي البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها، فلعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعنة الله، وكان يردّدها في مرض موته، قالت: عائشة: يحذّر مثل الذي صنعوا. وبنى النّصارى كنائسهم على قبور صالحيهم كما في الصّحيحين وزادوا بالصّور على النّوافذ بالزّجاج الملوّن. ولم يَحْذَر المنتمون للإسلام والسّنّة – فضلاً عن غيرهم ما حذّرهم نبيّهم منه؛ فبنى صلاح الدّين الأيّوبي تجاوز الله عنه على قبر باسم الشّافعي رحمه الله عام569 [اقتداءً ببناء الفاطميّين على رأس الحسين –بزعمهم-] قبل (900) سنة، أنظر تاريخ الخلفاء للسّيوطي. وقد رأيت عمائم الأزهريّين وهم يطوفون على الوثن (مثل الوثن المفترى على الحسين)، ثم قرأت مقالة المنفلوطي رحمه الله  (النّظرات) يبكي على مشايخ الأزهر الذين يتشاجرون على  كناسة ضريح الشّافعي  ونحوه من الضّلال. وسبق اليهودُ إلى اتّخاذ قبورٍ باسم الخليل إبراهيم وزوجته سارة، وإسحاق وزوجته رفقة – بزعمهم – مسجداً ولم يبنوا عليها.

ثم سبق النّصارى إلى بناء كنيسة فوقها ولم يبنوا في داخلها أوثاناً، ثم جاء المنتمون إلى الإسلام والسّنّة بعد أن طردوا الصّليبيّين فبنوا سبعة أوثان لهم باسم إسحاق وزوجته في قبلة المسجد على جانبي المحراب يصلّي إليها الجميع، وباسم إبراهيم وزوجته ويعقوب وزوجته في الفناء الأوسط من المسجد وباسم يوسف (صلوات الله وسلامه وبركته عليهم جميعاً) عند مصلّى النّساء. ولا يزال المنتمون إلى اليهودية والإسلام يتنافسون على الشرك الأكبر بدعائها ويتقاتلون عليها أحياناً، والمسلمون يدعون لإخوانهم بالنّصر ليستقلّوا بها، ولا يدعون لهم بالهداية لنبذها والتّوبة من إفكها، غير مرّة استجاب د.السّديس لإلحاحي فدعا الله أن يردّهم إلى دينه، جزاه الله خير الجزاء.

2) وقد أضلّت العاطفة الدّينيّة اليهود فبلغت بهم محبّتهم للعزير إلى أن قالوا : {عزير ابن الله}، وأضلّت العاطفة الدّينيّة ومحبّة عيسى صلى الله عليه وسلم النّصارى إلى أن قالوا: {إنّ الله هو المسيح ابن مريم}.

وبلغت العاطفة الدّينية ومحبّة محمد صلى الله عليه وسلم بمبتدعة المسلمين – وهم الأغلبية السّاحقة وليتها المسحوقة – إلى أنّ كثيراً منهم كتبوا على محاريب مساجدهم: يا الله يا محمد، في مخالفة صريحة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم ولقول الله تعالى: (وأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) وقال وليّهم الرّواس الحموي عن النّبي محمد صلى الله عليه وسلم:

 وهــــو نـــــــــــــــورٌ أزليّ طرزه***صار في وجه وجود الكون شـامه

طُــــوِيَ العــــــــــــــالم في جُبّتـه***وعلى العرش عَلَت منه العمـــــامه

في مخالفة صريحة للنبي صلى الله عليه وسلم عن إطرائه وعن تغيير المنزلة التي أنزله الله فيها: (عبدالله ورسوله) أكثر من المخالفة بوصفه

(سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا) وقال البوصيري في بردته البدعيّة الفاسقة:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به***سواك عند حدوث الحادث العمم

و:

وإنّ من جودك الدّنيا وضرّتــــــــها***ومن علومك علم اللّوح والقلـــــــــم

و:

لو ناسبَتْ قدْرَه آيـاتُه عِظَــــــــمــــاً***أحي اسمه حين يدعى دارس الرّمم

وفي البيت الشّيطاني الأوّل نسي الله فلم يجد من يلوذ به سوى عبده ورسوله، وفي البيت الثّاني جعل من علوم المخلوق ما اختصّ به الخالق: علم اللّوح المحفوظ والقلم الذي أمره الله أن يكتب مقادير الخلائق، وفي البيت الثالث قال على الله ما لم يقله عن نبيّه صلى الله عليه وسلم؛  فأشركه مع الله  أو أفرده من دون الله بالنّعم والعلم؟ والله تعالى يقول لنبيّه: (ليس لك من الأمر شيء) ويأمره أن يقول: (إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنّما إلهكم إله واحد). ولكن الصّوفية المأفونة تقضي على العقل والدّين، ومع ذلك لم يقف في وجه إفكها ووثنيّتها وزواياها من دول المسلمين غير دولة التوحيد والتجديد السّعوديّة أدام الله عزّها وثبّتها على شرعه وحفظها قدوة صالحة إلى يوم الدّين. ولكن أكثر الإدارات المختصّة تَسْكت على تعدّي الصّحافة (جهلة الكتّاب فيها) على شرع الله وتأويل كتابه وسنّة رسوله وفقه الأئمة الأعلام في دينه (من أبي بكر إلى ابن تيمية إلى صالح الفوزان) بما لا يرضي الله وبما لا تبرأ به ذمّة الأمّة الموحِّدة.

ج – وإلى المعتدي الآثم بالحكم على مراد الله من كلامه بالجهل:

1) من هم العلماء الذين سألهم عن معنى الآية؟ أكاد أجزم أنّهم قراصنة المتصوّفة الجهلة بشرع الله الذين يخْفُون جهلهم بالعمائم التي يسمّيها طلاّب العلم في الشّام (الطّناجر) ويسمّيها الذّابّ عن السّنّة المحارب للبدعة: الطّرطوشي المالكي رحمه الله (ت530): (عمائم قوم لوط)، وقد تقرّبت إلى الله بنشر مختصر (البدع والحوادث) له عام 1414، ثم تقرّبت إلى الله بتهذيب (مصرع التّصوّف) للبقاعي تحقيق د.عبد الرحمان الوكيل رحمهما الله، وبتهذيب (جلاء البصائر) للشّيخ سمير المالكي جزاه الله خير الجزاء الذي ذكر فيه افتراء ابن عمه محمد بن علوي المالكي الكذب {على الله وعلى رسوله وعلى ملائكته بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير} ص10، والمتصوّفة أهل لذلك.

2) لو رَجَعَ لأهل العلم استجابة لأمر الله لعرف الحقّ إن بحث عنه، فهذه آية محكمة لم يختلف المفسّرون القدوة في القرون الخيّرة في تفسيرها بأنّ المقصود بالرّحمة هنا: النبوّة والإسلام والقرآن ردّاً على أهل الكتاب والمشركين وحسدهم المؤمنين أن ينزّل عليهم بفضل الله ورحمته الخير من ربهم كما قال الله تعالى: {ما يودّ الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزّل عليكم من خير من ربكم  والله يختصّ برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم}، وقال  الله تعالى: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره لعلّهم يرجعون * ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} فقال الله تعالى لنبيّه: {قل إنّ الهدى هدى الله} ثم ذكر الله من مكرهم أنهم قالوا: {أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجّوكم عند ربّكم} فقال الله لنبيّه: {قل إنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم * يختصّ برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم}. ولعلّ شيخ المتصوّفة الضّالّين (ابن عربي) جَرَّأ مَنْ بعده من جهلتهم على الظّنّ بوجود أسرار في القرآن لم يبَيِّنْهَا النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خلفاؤه ولا صحابته ولا من تبعهم بإحسان في القرون الخيِّرة رضي الله عنهم وأرضاهم، وأنّ لكلّ من هبّ ودبّ أن يقول فيها بما يمليه عليه جهله أو فكره الموصوف زوراً بالإسلامي وهو الجهل المركّب والهوى، أعاذنا الله وأعاذهم، وكفّ شرّهم عن الإسلام والمسلمين، ولعلّ الله أن يهدينا ويهديهم لأقرب من هذا رشداً.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه، تعاونا على البر والتقوى، في 1434/3/28هـ.