السّلفي من يلتزم بالدّليل كما فهمه السّلف
السّلفي من يلتزم بالدّليل كما فهمه السّلف
بسم الله الرحمن الرحيم
1) كَثُر المنتمون إلى السّلفية في هذا القرن ـ بفضل الله ـ أكثر من أيّ قرن مضى منذ نهاية القرون الخيّرة، فلم يكن لهم وجود يذكر بين أكثرية المبتدعة والمخرّفين المقلّدين في جزيرة العرب أو الشام أو العراق أو مصر أو المغرب أو العجم والاستثناء الوحيد: (الولاية السّعودية من جزيرة العرب منذ عام 1158).
ولكنّ الإنتماء شيء والحقيقة شيء آخر ، وربّما كان السّبب في كثرة المنتمين الى السّلفيّة اليوم: إنتماء من ليس منهم إليهم لذهولهم عن حقيقة السّلفيّة وهي: ضرورة الإلتزام بالدّليل من الكتاب والسّنّة، وضرورة الإلتزام بفقه السّلف في الدّليل من الوحي، فلا يُغْني أحدهما عن الآخر، كما لا يُغْني صلاح النّيّة عن صلاح العمل ولا صلاح العمل عن صلاح النّيّة.
2) ولو لم يُقَيَّد الإلتزام بالدّليل بالإلتزام بفقه السّلف فيه لضاع الدّين وافترق المسلمون بعدد أفرادهم وأفهامهم، وقال الله تعالى: {ومن يشاقق الرّسول من يعد ما تبيّن له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولى ونصله جهنّم وساءت مصيراً}، ومَن المؤمنون الذين أَلْزَمَنا الله باتّباع سبيلهم إن لم يكونوا فقهاء الصّحابة والتّابعون لهم بإحسان في القرون الخيّرة الذين ميّزهم الله بقوله: {والسّابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم}، وميّزهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «فعليكم بما عرفتم من سنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين، وعليكم بالطّاعة وإنْ عَبْداً حبشيّاً، فإنّما المؤمن كالجَمَلِ الأَنِف حيثما انقيد انقاد» [رواه أحمد في مسنده]، وقال مخرّجه شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح بطرقه وشواهده ، وبقوله صلى الله عليه وسلم: «خير النّاس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينَه ويمينُه شهادتَه» [متفق عليه 4/125].
3) ولربّما آذيت بعض إخواني السّلفيّين بوصفي نفسي بأنّي (سلفيّ غير ألباني)، لما بدا لي من تحوّلهم إلى مقلّدين للعلاّمة السّلفي المجدّد الألباني رحمه الله، ولو كان تقليد السّلفي هو القاعدة لكان الأئمة الأربعة في القرون الخيّرة ـ مثلاً ـ أولى بالتّقليد من الألباني رحمهم الله.
4) وقد ابْتَهَجْتُ حين سمعت العلاّمة علي بن حسن الحلبي وفقه الله ـ من أكبر تلاميذ الألباني ـ يعلن عن رجوعه عن تقليد الألباني في أحد آرائه، ولو نادراً، لعلّ الله أن يجعله قدوة صالحة لغيره من السّلفيّين فمَنْ دونهم، فيبعدهم به عن التّقليد الخلفي الذي ظنّوه سلفيّة.
5) وأسوأ من تقليد السّلفي شَيْخَهُ السّلفي المحدِّث: تقليد أكثر السّلفيّين الحركيّين المُحْدَثِين مَنْ لَمْ يُذْكَرْ بسلفيّة ولا علم ولا دعوة إلى الله على منهاج النّبوّة (سيّد قطب ومحمد قطب بخاصّة) فيتبرّؤون من التّصوّف ومشتقّاته وأشنعها البدع الشّركيّة فما دونها ويأخذون منهما بدعة الخروج على ولاة الأمر من المسلمين، ومعصيتهم، بل معصية الله تعالى الذي أمرهم بطاعة ولاة الأمر منهم في آية محكمة: {يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم}، بل ومعصية الرّسول صلى الله عليه وسلم في مبايعة أصحابه على ألاّ ينازعوا الأمر أهله، ونهيه أمته عن الخروج على ولاة أمورهم في عدد من الأحاديث الصّحيحة الصّريحة في الصّحيحين وغيرهما، بل أسرفوا في الإلتزام ببدعة الخوارج فشغلتْهم عن الدّعوة إلى إفراد الله بالعبادة والنهي عن الشرك بالله في عبادته، أوّل ما دعا إليه الرّسل في كلّ مكان وزمان وحال، وعن أعظم ما أمر الله به أو نهى عنه في الإعتقاد والعبادة والمعاملات.
6) ولكن أكثر من ينتمي إلى السّلفيّة فمن دونهم ممن ينتمي إلى الإسلام ويكتفون بالتقليد والعاطفة يجتمعون على عدم الإهتمام بالرّجوع إلى الدّليل وقد أمرهم الله في محكم كتابه بالرّجوع إليه عند التّنازع: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}، بل يردّون الأمر إلى التقليد.
7) نبّهتُ أكثر من مرّة إلى خطأ الظّن المشتهر: بأن الله تعالى لا يصف أحداً من خلقه بلفظ (عبادي) إلاّ المؤمنين الصّالحين، أمّا الكافرين فيصفهم بلفظ (العبيد) بدليل قول الله تعالى: {إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان} وقوله تعالى: {وما أنا بظلام للعبيد}، لأن خير ما يُفَسَّر به القرآنُ الآيةُ والحديث، والله تعالى يقول: {وقليل من عبادي الشكور} ويقول الله تعالى: {أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلّوا السّبيل}، فذكر لي أحد المنتمين إلى السّلفية أنّي بدعواي هذه خالفت ابن تيمية رحمه الله، ولم يُبَيِّنْ قوْلَ ابن تيمية الذي خالفته، ولم يكن هذا أكبر همّي، بل دهشت لمنتمٍ للسّلف تقول له: قال الله، فيقول لك: قال ابن تيمية، كما دهش ابن عباس لمن قال لهم: قال رسول الله، فقالوا: قال أبو بكر وعمر، وخشي أن تنزل عليهم حجارة من السماء. وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رَوَى عن الله تعالى: «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم و جنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً»، وفي الحديث الآخر: «إنّي خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين فحرَّمَتْ عليهم ما أحللْت لهم وأمَرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أُنزّل به سلطاناً»، قال المجدّد ابن تيمية رحمه الله: (ولهذا كان ابتداع العبادات الباطلة من الشرك [فما دونه] هو الغالب غلى النّصارى ـومن ضاهاهم من منحرفة المتعبّدة والمتصوّفةـ، وابتداع التحريمات الباطلة هو الغالب على اليهود ومن ضاهاهم من منحرفة المتفقهة) مجموع ابن قاسم رحمه الله للفتاوى ج1 ص86 تحقيق الباز والجزار.
8) ونصحت أحد المنتمين لمنهاج السّلف (وأكبر همّه ومبلغ علمه ما سّمّي: أحكام التجويد منذ عرفته قبل ربع قرن فانشغل بها عن أداء وظيفته بين دعاة دولة التّوحيد والسّنّة : نشر إفراد الله بالعبادة ونفيها عمن سوى الله، وما دون ذلك من الفقه في الدّين)، نصحته بالتزام الدّليل إن وُجِدَ وفقه السّلف فيه، وفهمت من رده أنّ ابن الجزري محدّثٌ قدوة، فطلبْتُ من بعض الإخوة الباحثين تعريفي بابن الجزري رحمه الله لأنه نكرة بين فقهاء الأمة، دعاة التوحيد والسّنة محاربي الشرك والبدعة. وجاءني ما يشفي ويكفي من الشيخ علي الحلبي لحظة سؤالي زاده الله علماً وعملاً ودعوة على منهاج النّبوّة فكتبت لأخي (التجويدي) ما يلي:
ـ روى ابن الجزري رحمه الله في كتابه: (غاية النّهاية في طبقات القراء) عن شيوخه عن شيخ شيوخه الصّايغ أنّه كان يقرأ في صلاة الفجر: {وتفقّد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد} فظلّ يردّدها حتى جاء هدهد فوقع على رأسه. وبهذا لا يكون ابن الجزري ولا شيوخه ولا شيخهم إلا قدوة لمخرِّف.
ـ وفي كتاب ابن الجزري: (التعريف بالمولد الشريف) ص23 قال عن خرافة المولد في مكة المباركة: وهو مكان معروف متواتر … وقد زرته وتبرّكت به سنة 792 … ثم كرّرت زيارته سنة 823، وكان قد تهدّم فرمّمته.
ـ وقال ابن الجزري في كتابه: (مناقب علي بن أبي طالب) أنّه أورد أحاديثه ممّا تواتر وصحّ وحسن بأعلى إسناد من القران والصحبة والخرقة، ولكنّه في الواقع خلط الصحيح والحسن بالضعيف والمنكر والموضوع والخِرْقَةٌ الصّوفبّة.
ـ وفي ص 83-85 : ذكر ابن الجزري انّه لبس الخرقة [الصّوفيّة] متّصلة السّند إلى علي رضي الله عنه من ثلاث طرق [صوفيّة]: أحمدبّة وقادريّة وسهرورديّة. ومع كلّ هذا يتقرّب منتمٍ للسّلفية إلى الله بالإقتداء به واثقاً يدعواه تواتر التجويد.
ـ وفي ترجمة الجزري لعبد الله ابن المبارك رحمهما الله في كتابه: (غاية النّهاية): (وقبره ـ أي ابن المبارك ـ معروف يزار، زرته وتبركت به)، قلت : إنما هو وثن من أوثان المقامات والمشاهد والمزارات باسم الإمام مسلم الذي زاره وتبرّك به فيما يلي):
ـ ونقل ملاّ علي قاري رحمه الله في مشكاة المصابيح عن ابن الجزري قوله: (إنّي زرت قبر [الإمام مسلم رحمه الله]، وقرأت بعض صحيحه عند قبره على سبيل التّيمّن والتّبرّك، ورأيت آثار البركة ورجاء الإجابة في تربته). فهو تجاوز الله عنه مثل أكثر علماء وطلاب العلم الشرعي في القرن الثامن والتّاسع لا يكاد أحدهم يسلم من العقيدة الأشعرية والطّريقة الصّوفية بل والبدعة القبورية باسم التّيمّن والتّبرّك والتّقرّب والإستشفاع. ولقب: الحافظ، والإنشغال بصناعة الحديث لا يضمن العمل به، فقد كان عبد الله الحبشي محدّثاً في الشام ومن تلاميذه عبد القادر وشعيب الأرنؤوط. ومنذ صارحت أخي بنقد منهجه وأولياته وطالَبْتُه بالدّليل لم يجد غير أثر ابن مسعود رضي الله عنه في لفظ {الفقراء}، وهذا اللفظ ينتهي بألف وهمزة، ولم نخالف في مده، بل في الإلزام بعدد الحركات بلا دليل، وبإمالة {مجراها} بلا دليل، وبإشمام {تأمنّا} وبالسّكتة اللطيفة، والإخفاء والإدغام وهما يُسْقِطان حرفاً أنزله الله تعالى ووعد على إظهاره عشر حسنات كما نُقِل عن الإمام أحمد رحمه الله …الخ واستدلّ بقول الله تعالى:{ورتّلناه ترتيلا} وهي تعني التّرسّل والتّمهل كما قال الشيخ ابن باز رحمه الله ردّاًعلى معلم التجويد، وقاله المفسّرون القدوة، وأوّل الآية يؤكد ذلك: {وقالوا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتّلناه ترتيلا}. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله وهو وحده من دَرَس التجويد بين علمائنا منذ محمد ابن عبد الوهاب ليكون على بيّنة من أمره: (لا أعلم دليلاً شرعيّاً على وجوب الإلتزام بأحكام التّجويد)، وقال ابن عثيمين رحمه الله: (لا أرى وجوب الإلتزام بأحكام التجويد التي فصّلت بكتب التّجويد … والقول بالوجوب يحتاج إلى دليل تبرأ به الذمّة أمام الله عز وجل في إلزام عباده بما لا دليل على إلزامهم به، من كتاب الله تعالى أو سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم أو إجماع المسلمين، وذكر شيخنا عبد الرحمان بن سعدي رحمه الله في جواب له: أنّ التّجويد حسب القواعد المفصّلة في كتب التجويد غير واجب … وقال ابن تيمية في الفتاوى ج16 ص50 : ولا يجعل همّته فيما حُجِبَ به أكثر النّاس من العلوم عن حقائق القرآن بالوسوسة في خروج حروفه وترقيقها وتفخيمها وإمالتها والنّطق بالمدّ الطويل والقصير والمتوسّط) انتهى النقل من كتاب العلم لابن عثيمين ص170-171. قلت: والنّدب والإستحباب لابدّ له من دليل.
9) و يُلْحَقٌ بالسّلفيّين بغير حقّ من يخالف المعتزلة والأشاعرة في الصّفات ولو لم يهتم بإفراد الله بالعبادة ونفيها عمّا سواه وهو المعيار الحقّ.
10) ونزغ الشيطان بين السّلفيّين ليفشلوا وتذهب ريحهم أعاذنا الله وإيّاهم من نزغات شياطين الإنس والجنّ.
سعد الحصيّن
1434/6/12هـ.