من سعد الحصين إلى الرئيس العام لشؤون الحرمين [2][خطبة الجمعة في الحرمين]
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصين إلى معالي/ الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي وفقه الله لطاعته وبلّغه رضاه ونصر به دينه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فقد كتبت لكم من قبل عن خطب الجمعة في الحرمين وتكلمت مع أكثر من خطيب لحرصي على أن يكون أعظم مسجدين في شرع الله قدوة وأن تستغل فرصة الحج والعمرة ليسمع أكثر المسلمين ربما للمرة الأولى والأخيرة كلمة الحق في أعظم أمور دينهم: توحيد العبودية وما يضادها من عبادة القبور وأنواع ومظاهر الشرك الأكبر والأصغر، والسنّة في العبادات وما يضادها من البدع، وحقيقة الشريعة وما يخالفها من الخرافات والعادات.
وحجتي في ذلك أن خطبة الجمعة جزء من الصّلاة وهي عبادة توقيفيّة، وفي صحيح مسلم عن أم هشام رضي الله عنهما قالت: (حفظت سورة {ق} من في رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يخطب بها كلّ جمعة)، وفهمت من كلام ابن القيم رحمه الله أن خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن تخرج عن مضمون سورة {ق}، ويتبين من ذلك أن خطبة الجمعة خاصّة بالثوابت الشرعية ولا مكان للطوارئ والمناسبات فيها مهما عظم خطر الحادث على الإسلام والمسلمين ومهما كان مصدره من اليهود أو النّصارى أو المشركين.
يستثنى من ذلك الدّعاء العام للمسلمين بسبب القحط ويمكن أن يقاس عليه غيره.
والحكمة الظاهرة لي من ذلك أن خطبة الجمعة يجب أن تعني كلّ مصلٍّ صغيراً أو كبيراً ذكراً أو أنثى قويّاً أو ضعيفاً، ولكن قضايا الاعتقاد الكبرى التي يجهلها ويخالفها أكثر المسلمين (السّنّة) اليوم، وقضايا الاتباع التي يغطّيها الابتداع في كثير بل في كلّ بلاد المسلمين خارج الجزيرة لا تحظى من أكثر خطباء الحرمين إلا على إشارة سريعة لا تثير إحساس المسلمين بمشاكلهم.
– يقول بعض الخطباء أن التزام الرسول صلى الله عليه وسلم بسورة {ق} لخطبة الجمعة لا يُلزم من بعده لأن الدّين في عهده كان يتدرج في النمو إلى الكمال أما بعد أن كمل فقد تغيّر الأمر وتغيّرت الحاجة، وأرى أن كمال الدّين يقتضي الثبات عليه لا تغييره مهما تغيّرت الظروف أو الأحوال.
– ويقول بعضهم: أن هناك قضايا شرعية مهمّة لم تتعرّض لها سورة {ق} مثل الحسد وصلة الأرحام وبرّ الوالدين، وأرى أن لكلّ أمر شرعي مكانه في الشريعة اختاره الله له ومهمته وضع كلّ أمر في موضعه حسب اختيار الله له في كتابه أو في سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم لا حسب اختيار عقولنا القاصرة ومع ذلك فكلّ الذي نطلبه أن تقتصر خطبة الجمعة على علم اليقين من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفقه أئمة القرون الثلاثة لهما.
ولا ننكر إلاّ الانسياق وراء العواطف في ترديد اختيار الجرايد والاذاعات وهي ظنّيّة تحتمل الصدق والكذب في أحسن أحوالها.
هل يرضي الله أن يهمل خطباء الجمعة في جميع مساجد المسلمين فضلاً عن الحرمين تصحيح عقائد المسلمين وعباداتهم في فلسطين وأفغانستان وجنوب روسيا والبوسنة والهرسك في القرون الماضية، وتقتصر غيرتنا وحميّتنا على الانتصار للطائفة والأرض. ثم: كم هم القادرون على تغيير ذلك نسبة إلى القادرين على تغيير الشرك والبدعة في أنفسهم أو في من حولهم.
وفقكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه.
الرسالة رقم134 في 1413/10/20هـ