من سعد الحصين إلى محمد بن ناصر العبودي [1]
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصين إلى فضيلة أخي في الدّين ووطن الدعوة إليه على بصيرة، وفقه الله لطاعته ونصر به دينه: الشيخ/ محمد بن ناصر العبودي، حمّده الله العاقبة.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمّا بعد: فقد تلقيت هديتكم الكريمة الغالية من مؤلفاتكم الفريدة التي جمعت بين متعة الاطلاع على أحوال المسلمين بخاصّة.
وهذه ميزة من الميزات التي خصّك الله بها لا أعرف من ينافسك فيها، إلى جانب سعة الاطلاع على المعارف الدّينية والدّنيوية وسعة الأفق ودماثة الخلق وطيب الحديث والمؤانسة، زادك الله من فضله في الدّنيا والآخرة.
وكم تمنّيت لو حصلت على نسخة ممّا كتبته عن الصّين الشّعبيّة لأني لم أر من بلاد الصّين غير هونك كونك (أرى أن حرف الكاف أقرب مخارج الحروف إلى حرف (G) التي يكتبها المصريّون ومن حذا حذوهم (ج) وتكتبها (ق)، وتايبيه. وما يشدّني إلى الصّين هو ما يشدّني إليك أنت وهو التّميّز، وإن بدأَتْ تمشي الهوينا إلى النهج الغربي. والحمد لله على أن هدى الرابطة إليك فحصل المسلمون منك على ما لا يحصلون عليه من غيرك، وما لن يحصلوا عليه من غيرك إلا أن يشاء الله.
وحتّى لا أقع في التّزكية المطلقة أو ادّعاء الكمال لبشر؛ أقول لكم إني افتقدت في هذه المؤلّفات الجليلة أهمّ ما يجب أن يهتمّ به الدّاعي إلى الله وبخاصّة مَنْ مَنَّ الله عليه بالانتماء إلى دولة الدّعوة إلى التّوحيد والسّنّة، والالتزام بالعقيدة الصحيحة ومتابعة القدوة الحسنة من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، والتّضلّع من علوم الدّين فوق ما توفّره معاهد العلم الشرعي الحاضرة؛ فمع اهتمامكم بكثير من التفاصيل الدّقيقة المتكره من اسم ونوع وطعام الطائرة إلى كتابة أو عدم كتابة التاريخ على الوثن (الضريح)، لا توجد غير اشارات قليلة وضعيفة عن مخالفة أكثر المسلمين عامّة لآخر وأهمّ وصايا الرّسول صلى الله عليه وسلّم لأمّته: «لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبياءهم مساجد» ولأصل رسالات الله لخلقه وأولها رسالة نوح عليه السلام: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}، وكان أساس المخالفة واحداً في كلّ عصر: بناء المساجد على القبور، وتقديس المقامات والأضرحة.
وهنا في بلاد الشام عامّة: يتنافس المنتسبون إلى الاسلام والسّنّة على تقديس الأوثان هذه مع اليهود في مسجد الخليل، ومع النصارى في مقامات الخضر، ومع الدّروز في مقام شعيب، ومع الشيعة والعلويين في مقام زينب. وانفصال القبر أحياناً عن المسجد لا يصحّ مسوّغاً لقبوله أو الاعتذار عنه سدّاً للذّريعة من جانب ولأنّ المهمّ هو النّية والقصد من بناء المسجد قرب الوثن (الضريح) فهو مثل مسجد الضرار (بل هو شرٌّ منه) لم يبن على التقوى من أول يوم، وقد حرّم الله على نبيّه التعبّد فيه وحرّم رسول الله صلى الله عليه وسلّم على أمّته ذلك بهدمه وتحريقه.
ولا أرى جواز محبّة المسلم للوثنيين (كالبوذيين في فيتنام) لمجرّد انتصارهم في حرب العصابات الوطنية على الغزاة الأجانب (كالعادة في أغلب الأحوال وبخاصّة في مناطق الغابات والجبال) ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمدح المقاتلين معه حميّة وشجاعة وإنما مدح المقاتلين لتكون كلمة الله هي العليا. والبوذيون في فييتنام، أو على الأصحّ الشيوعيّون في شمالها وجنوبها، قاتلوا لتكون كلمة ماوتسي تزيك هي العليا، وكتابه الأحمر كان دليلهم وهاديهم.
وللأسف وجدتُ الرّابطة في أغلب أحوالها لا تنفق أموال دولة التوحيد والسّنّة في نشر التوحيد والسّنّة الأمر الذي ميّز الله به هذه الدولة في زمن الأئمّة الثلاثة الأُوَل ثم في زمن الملك عبد العزيز رحمه الله وأولاده، على هدي منهاج النبوّة الذي اقتفاه محمد بن عبد الوهاب في تجديده الدّين وعلماء الجزيرة المباركة مما لا أعلم له مثيلاً في الألف سنة الماضية، أعني قيام الدّولة وتوحيد الأمّة على عبادة الله وحده وإحياء السّنّة والقضاء على معالم الشرك والبدعة. وأنت أعرف بالتاريخ فصحّحني إن أخطأت.
جزاكم الله خير الجزاء واستعملكم بقية حياتكم فيما يرضيه والسلام.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه. تعاونا على البر والتقوى وتحذيرا من الإثم والعدوان.
الرسالة رقم342 في 1418/11/22هـ.