من سعد الحصين إلى حمد القاضي رئيس تحرير المجلة العربية [2] [أمثلة للقدوة في الدّين والدّنيا]

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعد الحصين إلى أخي في الدّين/ رئيس تحرير المجلة العربية وفقه الله لطاعته.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد: ففي العدد الأخير في المجلة كتب أحد الإخوة عن عالم من أهل الشام كان يدرّس في المملكة وعاش بقية حياته ودفن فيها رحمهما الله ورحمنا جميعاً، كان الكاتب يأسف لأنه لم يكتب عنه أحد بعد وفاته رحمه الله.

وتذكّرت أمراً كنت أحب بحثه واستثارة الهمم له قريباً من هذا: نشر الخير والاعتراف بالفضل لأهله ولكن في حياتهم، أما بعد الممات فخير ما نقدّم لهم ولأنفسنا الدّعاء، لن تنفعهم المراثي ولا التّأبين ولا مؤلفات الذّكرى، «إلا من ثلاث»: أحدها الدّعاء.

المتميّزون في بلادنا التي ميّزها الله بخير نعم الدّين والدّنيا قلائل، الأغلبيّة، ومنهم أكثر طلاب العلم والعلماء والمثقفين: أذهبوا طيّباتهم في حياتهم الدّنيا واستمتعوا بها، نستغفر الله لهم ولنا ولكل مسلم.

مجتمعنا في حاجة إلى تقديم أمثلة للقدوة: داخلة لا خارجة، أحياء غير أموات، وقد تكون (المجلة العربية) وعاءً أفضل لتنفيذ ذلك، ولي أمل في الله ثم فيكم أن تحاولوا القيام به شكراً لله على منّته بالدّين والدّنيا والمجتمع والدّولة.

وإليكم بعض الأمثلة:

1) الشيخ عبد العزيز بن باز؛ الذي شغل نفسه منذ سبعين سنة بالعلم والتعليم والفتوى والنصيحة لله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، ليس في وقته متّسع للهو والتجارة، ولا للقيل والقال، ولا للبحث عن الجاه والشرف، كريم بنفسه ووقته وماله يبذلها للجميع: الفقير والغني، الموافق والمخالف، الذكر والأنثى، الصغير والكبير، يقضي وقته في مصالح المسلم طيلة سنيّ حياته ما يعجز عنه السّاعون للمنصب والشهرة والثّروة.

2) الشيخ/ محمد بن عثيمين؛ لازم حلق العلم والذّكر حتى أهّله الله لخلافة شيخه ابن سعدي رحمه الله منذ عشرات السّنين بين حلقة الدّرس في المسجد والفتوى في المسجد والمنزل وما بينهما، بين المحاضرات في الجامعات، وبين الدّروس في كلّ مكان في المملكة أو يدعى إليه، ومثل الشيخ ابن باز لم ير حاجة لتغيير لباسه أو نمط حياته، حتى بيت الطّين لازمه كل منهما حتى أخرجتهما المصلحة الغالبة.

3) الشيخ/ صالح الفوزان؛ مع موقعه في الدّراسة الأكاديمية لم يغيّر ولم يبدّل في المنهج ولا في الأسلوب، في المخبر ولا في المظهر، لم ينح مع الأغلبيّة من زملائه في المؤسسة الأكاديميّة منحى الفكر الإسلامي المعرّض للضّلال، ولم يَعْشُ بصره من بريقه، ولكنّه عضّ بالنّواجذ على علوم الوحي ومنهج النّبوّة، جلّ وقته مصروف للبحث والكتابة والرّدود إجابة على سؤال أو تنبيهاً إلى ضلال.

الدّعوة إلى الله على بصيرة وظيفته الأولى، يحملها على بقيّة وظائفه وأنماط حياته.

4) الوزير/ عبد العزيز الخويطر ممثّل الاقتصاد في جوّ الإسراف.

كُتِب عنه في أول تقرير عن طلاب البعثات: (أما عبد العزيز الخويطر فلا يحتاج إلى مراقب ولا مشرف؛ مثاليّ في خلته، مثاليّ في جدّه واجتهاده، ومثاليّ في نتائجه، أحيى الله الرقيب الدّاخلي في نفسه فكفاه غيره، عاش فريداً في انضباطه وحرصه على المال العام والمصلحة العامّة، وكان وسطاً عدلاً في أداء ما وُكِل إليه، وإن تعوّد الأغلبيّة على الإفراط والتفريط.

5) السّفير/ غازي القصيبي، حالفه النجاح – بفضل الله عليه وعلى المجتمع – في كلّ أحواله؛ في دراسته وتدريسه في الجامعة والمعهد، وفي وزارة الصّحّة وهو غير مختصّ فيها، وفي وزارة الصّناعة والكهرباء، وليست من صلب اختصاصه الدراسي كذلك، وقدّم لهذا المجتمع المتميّز بنعم الله الدّينيّة والدّنيويّة خدمات عظيمة وحفظ لها من المصالح ما لم يجمعه الله لغيره، وفي فتنة العراق الأخيرة لا أعادها الله على المسلمين استعمل قلمه المميّز سلاحاً يشفي به الله صدور المؤمنين من أهله، ويدحر به كيد عدوّه. وأخيراً تميّز في وظيفته الحالية سفيراً لا يبارى في ثقافته الدّينيّة والدّنيويّة أهلاً لتمثيل هذا البلد المبارك القدوة.

6) الأمين العام/ عمر قاضي، عرفته في دراسته العليا من خير بني وطنه ديناً وخلقاً وعقلاً، اختاره الله لخدمة المدينة النّبويّة فأظهر من الحرص على المصلحة والحزم والبتّ في التنفيذ والاستجابة لدواعي الخير ما ميّزه الله به، ثم اصطفاه الله لرعاية خير بقعة على وجه الأرض تهوي إليها الأفئدة ويسير إليها الناس من كلّ فجّ عميق، وكان أهلاً لهذا الاصطفاء وبخاصّة في هذا الوقت وفي هذا المكان.

هؤلاء السّتة من نبات هذا البلد الطيّب المبارك، وإن اختصّ ثلاثة منهم بعلوم الشريعة وأعمالها؛ تجمعهم صفات الحرص على أداء حقوق الله وحقوق خلقه بما تستطيعه أجسامهم وقلوبهم من همّ وجدّ وتضحية وتواضع وكريم خلق، يستحقّ كلّ منهم دراسة مستقلّة تظهر أن الناس لا زالوا بخير، وأن أمثلة القدوة الصالحة موجودة وإن قلّت، وعلى مستويات أخرى ستجدون: المدرّس القدوة؛ والاداري القدوة، والداعي إلى الله القدوة…الخ ممن يتوفر فيهم الدّين والخلق والعمل للمصلحة العامّة.

وأمر آخر أتمنّى محاولتكم إبرازه: اللغة العربيّة كما جاء بها القرآن والحديث الصحيح: قاعدةً وأسلوباً وإملاءً.

لقد كتبت لوزارة المعارف ثم للوالد الشيخ/ عبد العزيز بن باز مقترحاً سنة أو أكثر من الدّراسة الابتدائية للتّعوّد على لغة القرآن: الطريقة التي أنتجت كلّ علمائنا وأئمتنا في الماضي والحاضر، ثمّ حوّلتنا الطرق الجديدة للتعليم إلى عوام يحملون شهادات دراسيّة لا يكاد أحدنا يعرف معاني القرآن دون ترجمة.

وفقكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن عفا الله عنه.

الرسالة رقم102 في 1416/5/1هـ.