من سعد الحصين إلى رئيس مجلس الأمناء لمؤسسة وقف هولندا [انحراف مجلة الأسرة عن طريق الوحي]
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصين إلى أخي في الدّين/ رئيس مجلس الأمناء لمؤسسة وقف هولندا، وفقه الله لطاعته وجنّبه معصيته وغضبه وعقابه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمّا بعد: فقد وصل إليّ دون أن أسعى إليه (كالعادة) العدد 52 من مجلّة الأسرة، وتأكد لي ما سبق أن لاحظته في سابقيه من انحراف المجلة البالغ عن منهاج الكتاب والسّنّة، وأغلب ظنّي (وعلم القين عند الله) أن هذا الانحراف – مثل أغلب الانحرافات عن منهاج الشريعة – ليس متعمّدا من قبل التنفيذيّين، وإنما ذلك مبلغهم من العلم: تقليد الحركيّة (الإسلامية) الضّالة عن الوحي إلى الفكر.
ومثلهم مثل القائمين على مجلّة (المجلّة) الذين ردّوا على ملاحظاتي قبل بضع عشرة سنة بأننا (نهدف إلى كسب السّوق الإعلامي ثم نعود إلى منهاج الحق والعدل). وكسبوا السّوق ولم يعودوا.
وإليكم بعض الأدلة، وأكثرها من موضوع واحد:
أ) بعنوان (التطفيف الاجتماعي) كتب المحرّر يخطّئ واعظاً يحدّث النّاس عن الموت والآخرة ولا شأن له بالدّنيا، ويحكم عليه بأنه مخالف لما أنزل الله على رسوله، وأن الصّواب: إيثار العمل على القول والسلوك على الموعظة بالموت والآخرة بديلاً عن إسلامه الذي عرفه ويسعى ليعيشه، لأن إسلام (الموعظة بالموت والآخرة) شكل من أشكال النفاق والعياذ بالله.
1) الاسلام الذي يذكِّر النّاس بالموت والآخرة ويهوِّن أمر الدنيا هو إسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهاج دعوته فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أم هشام رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث سنتين أو سنة ونصف يكرر قراءة {ق والقرآن المجيد} كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس، واتفق المسلمون في القرون الثلاثة ومن نهج منهجهم أن القصد من خطبة الجمعة (وهي أعظم وسائل الدّعوة الشرعية) الموعظة ورخّص النبيّ صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور بعد أن نهى عنها، لأن زيارتها تذكر الآخرة (ومآل المؤمن وغايته). وفوق ذلك أمر الله أعظم الدعاة إليه: {أدع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} ومع هذه الآية بضع وثلاثون آية تصف الكتاب والسّنّة بالموعظة على اختلاف تصريف الكلمة.
2) وعلى هذا فحكم محرر (الأسرة) على إسلام (الدروس والمواعظ) و(حديث الموت والآخرة) بأنه شكل من أشكال النفاق: (شكل من أشكال) الكفر لا يصرفه عنه إلا العذر بالجهل.
3) وكالعادة، لم يستدل بحديث صحيح ولا بفقه إمام يعتدّ به، واستدلّ بآية {ما فرّطنا في الكتاب من شيء} بما يخالف تأويلها عند أهل العلم من ابن عباس إلى ابن عثيمين، ووقع فيما حذّر منه السّلف: من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب؛ فالكتاب هنا: اللوح المحفوظ.
4) واستدل برواية مجهول عن مجهول بأن التّجار نقلوا الاسلام إلى جنوب شرقي آسيا بالفعل لا بالقول، وأن عبد اللطيف المشتهري فعل ذلك في مصر. ومن قال إن التاريخ يؤخذ به في الأحكام الشرعية؟ ومن هم التجار؟ ومن هو عبد اللطيف المشتهري رحمه الله بين علماء الأمة قديما أو حديثا؟ ودليله على ذلك حجّة عليه؛ فإن نقل الإسلام بطريق السلوك لا العلم الشرعي قام به متصوّفة والنتيجة: وثنيّة المقامات والمزارات والأضرحة وقرع الطبول مع الأذان، وبالتأكيد يسلك مثَلُ المحرِّر الأعلى مسلكاً فريداً في الدعوة؛ يدعو إلى الفكر والمدرسة والمستشفى فهذه طريقة المنصِّرين منذ قرون، وليست طريقة محمد صلى الله عليه وسلم، والدّعوة عبادة لابدّ فيها من التقيّد بالنّصّ. لا مانع من إيجاد مدرسة ومستشفى، ولكن الأصل والأهمّ فيها الموعظة بالوحي والفقه.
5) ورواية عبد اللطيف المشتهري تدل على (تهوين الرّاوي على الطريقة الصحفية العربية المخالفة لمنهاج الدين وأئمته. خذ مثلاً: عنوان (الابتلاء الأول)، وأن (الرّجل يبتلى على قدر دينه) ولو تمخّض الجبل كما يقول الكتّاب لولد فأراً: لم ينحن للملك فاروق (فابتسم الملك وقال له: أرجو أن يعزّ الله بك الاسلام والمسلمين). ولو صدقت الرّواية لوجدنا عذراً لحسن البنا رحمه الله في مخاطبته الملك بوصف (حامي الدّين) كما ذكر في مذكّراته.
ب – ص28 ذكرت محررة المجلّة (والعهدة على الرّاوية) كم طنّاً صرفته المرأة السّعودية على أصباغها. والإسراف من مصائب البشر، والتنبيه إليه من أهمّ ما كتبت المجلة؛ ولكن في مقابل ما صرفته المرأة على الزينة المباحة كم صرفت المجلة على أصباغها؟ المرأة تريد اجتذاب زوجها ومنافسة نسائها ومنذ القدم وهي تُنَشّؤ في الحلية كما بيّن الله تعالى في كتابه بياناً للواقع لا نهياً عنه، والمجلة تريد اجتذاب (الزّبائن). وأذكُرُ أول كتاب عربي صدر بالأصباغ لنزار قباني قبل نحو أربعين سنة فكنب الشيخ على طنطاوي (رحمه الله) يصفه بالمومس تتبرّج بالأصباغ لصيد: زبائنها. ودين الله منزّه عن الزّينة المسرفة المفتعلة، وقد ورد النّهي عن تزيين المسجد والمصحف وأُمِرَ المسلم بالزّينة عند كلّ مسجد، بمعنى اللباس مخالفة لعري الكفار عند الطّواف واستهزائهم بالمسلمين إذ خالفوا تقاليدهم الفاسدة.(وما ذا عن الدعاية لاستهلاك السيارات الأمريكية والساعات السويسرية واليابانية في مجلة الأسرة الضالّة؟).
ج – من النادر أن تهتم مجلة الأسرة بأعظم ما خلق الله له الإنس والجنّ، وأرسل له الرّسل وأنزل له الكتب: الأمر بتوحيد العبادة والنّهي عن الشرك، بل لقد صرّح المحرر ص5 أن لا حاجة إلى (من يتحدث عن أدلة وجود الله فهذه مسألة محسومة) ونسي أن كل رسالات الله وكتبه ورسله بدأت بذلك في دعوتهم إلى توحيد الله بالعبادة والنهي عن الشرك، ولم تنتف الحاجة إلى ذلك حتى تقوم السّاعة كما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم السّاعة حتى تضطرب أليات نساء آل دوس على ذي الخلصة» [متفق عليه]. وقد وقع ذلك مرّتين فلم يغيّر هذا المنكر الأكبر من رعايا المسلمين ورعاتهم غير أئمة آل سعود في عهد عبد العزيز بن محمد ثم في عهد عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمهم الله وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. بل إن ولاة المسلمين كالفاطميين والخرافة العثمانية (غير الراشدة وغير المهدية) وأخيراً الجمهوريات الإسلامية في إيران والسّودان واليمن (وحزب [الإصلاح] في الحكم) تبني أضرحة ومقامات ومشاهد ومزارات الأوثان «لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزّى» [رواه مسلم].
وهذه المرّة حدثت النادرة فبدأ عبد القادر أحمد ص42 حديثاً مبتوراً عن صرف الدّعاء و(هو العبادة) لسيّدهم البدوي، وأرجأ الكلام عن ذلك للعدد القادم، وأخطأ وخالف الوحي على أيّ حال: إن أيّد ذلك فقد أيّد الشرك الأكبر، وإن أنكره فقد شاقّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في تأخيره الإنكار، فقد بادر صلى الله عليه وسلم إلى إنكار ما هو دونه: من قال: ما شاء الله وشئت فقال له: «أجعلتني لله ندّاً» أي: أشركتني مع الله، ومن قال: ومن يعصهما فقد غوى فقال له على رؤوس الأشهاد (حالاً): «بئس الخطيب أنت، بل ما شاء الله وحده».
د – ذكرت المجلة عن مَثَلِها الأعلى (بل الأوحد) أنه: (كان يتابع وسائل الإعلام ليجد موضوعات محاضراته وخطبه موجّها النّصح بأسلوب لطيف للمسئولين) وأخطأ رحمه الله إن صدق الرّاوي؛ فأهم الأمور التي يهتم بها الدّاعي إلى الله على بصيرة وبخاصة في خطبة الجمعة: هي الأمور الثابتة؛ التوحيد والشرك، والسّنّة والبدعة، والموت والحساب، والجنّة والنّار، فلم يرد مرّة واحدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرّض في خطبه لأمر طارئ مهما كانت أهميته: غزوة بدر وأحد وحنين وتبوك وغيرها. ونُصحُ المسؤولين لا يكون في الخطب العامة (مما أحدث الحركيّون الإسلاميّون الضّالّون عن منهاج النّبوّة). والحاضرون من العامة لهم من الأخطاء ما يفوق أخطاء المسؤولين، من الشرك الأكبر فما دونه، ولكن الشيطان يوسوس للحركيّين ويزيّن لهم مخالفة شرع الله في الدّعوة وغيرها من العبادات؛ فينكرون على الحاكم الغائب لا المحكوم الحاضر.
وبعد: فهذا قليل من كثير من مخالفات تحرير المجلّة (الموجّهة [للأسرة] المسلمة) لشرع الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا شكّ أن هذا يرضي الأكثرية ولكن الله تعالى يقول: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} ووصف الله تعالى أكثر الناس بأنهم {لا يعقلون}، {لا يؤمنون}، {لا يعلمون}، و{لا يشكرون}، وقال عن الصالحين المصلحين: {وقليل منهم} {وقليل من عبادي الشكور}.
هداني الله وغياكم لأقرب من هذا رشداً،
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركانه.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه.
الرسالة رقم/275 في 1418/9/4هـ.