من سعد الحصيّن إلى عبد الله المطوع [2] [بعض انحرافات الحزب الإخواني عن الجادّة]
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصيّن إلى أخي في الله /الشّيخ عبد الله المطوّع طوّع الله قلبه لشرعه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأرجو الله لكم خير الدّنيا والآخرة. وأن يستعملكم الله فيما يرضيه.
وشكر الله لكم ما تفضّلتم به على أخيكم الصّغير من اهتمام وعناية ومودّة في الله ودعاء يثاب عليه الجميع بإذن الله.
وقد وصلتني رسالتكم الكريمة مؤرخة في 1408/3/15 تحمل دليلاً جديداً على حسن خلقكم. ولعلّ الله أن يهيئ لي لقاءكم دوماً على طاعته في الدّنيا وبعد الممات في جنّته.
وحتى يتحقّق ذلك رأيت إيراد بعض الملاحظات على رسالتكم لتوسعة نطاق حديثنا المقبل في هذا الموضوع إن شاء الله:
1) أوافقكم على وجوب تصحيح الأخطاء بالأسلوب القرآني والدّعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والتّواصي بالحقّ والتّواصي بالصّبر. وأرجو الله أن يستعملنا وإياكم في هذه السّبيل وأن يثبّتنا وإياكم عليه.
وقد عدت بعد سنوات من تأييد بعض الجماعات الإسلاميّة وممارسة بعض نشاطها. إلى رأي اللجنة الدّائمة للبحوث والإفتاء برئاسة الشّيخ عبد العزيز بن باز وعضوية المشايخ /عبد الرّزاق عفيفي وعبدالله بن قعود وعبدالله بن غديان من هيئة كبار العلماء في فتواها رقم 1674 في 1397/10/7 المتضمّنة عدم شرعية وجود هذه الجماعات التي كان من نتائج وجودها التّحزّب والتّعصّب وتفريق كلمة المسلمين وإلى رأي الشّيخ /محمد بن صالح العثيمين رحمه الله المماثل في رسالة خاصة بتاريخ 1407/5/1. ووجدت أن من غير الممكن اصلاح هذه الجماعات من داخلها لأنّ الملتزم بإحدى الجماعات بشعاراتها ومراكزها ومرشديها وأمرائها ومناهجها وبيعاتها المميّزة لا يرى الحقّ إلّا في جانب جماعته ويعميه التّعصّب لها عن رؤية اخطائها وبالتّالي تقديم النّصيحة لزملائه فيها أو قبول النّصيحة من إخوته في الله خارجها. فضلاً عمّا أورثه الالتزام والتّحزّب من الحقد والحسد والشقاق وتزكية النفس والكبر: بطر الحقّ وغمط النّاس. وفضلاً عمّا أوقع فيه الانتماء لمنهج دون آخر من تقطيع أمر المسلمين بينهم زبراً {كل حزب بما لديهم فرحون} وقد نهى الله عن ذلك وحذّر منه في أكثر من موضع في كتابه الكريم.
2) مهادنة الإخوان المسلمين لأهل البدع الإضافية والتّركية لم تنتج – كما تفضّلتم – عن «الانشغال بما في السّاحة من مشاكل معاصرة ثم يأتي دور التّفرّغ للبدع وأهلها». ففكر الإخوان المسلمين ومنهجهم وكتبهم من «حسن البنّا» رحمه الله إلى «سعيد حوّى» هداه الله: بيْن أمر بهذه المهادنة وتغاض عن هذه البدع وما هو أكبر منها. ودعوة إلى الالتزام بها. فقد نصّت «رسالة التّعاليم» وهي اهمّ نصوص المنهاج الإخواني على الاطلاق وقد ألفها الشيخ حسن البنّا رحمه الله منهجاً للجماعة. نصّت على أن «البدعة الإضافية والتركية في العبادات المطلقة خلاف فقهي لكلّ فيه رأيه». كما نصّت على أن «الدّعاء إذا قرن بالتّوسل إلى الله بأحد من خلقه خلاف فرعي» كذلك (مجموعة رسائل حسن البنّا رحمه الله ص 270) وأعظم من ذلك قسّمت «رسالة التّعاليم» نظام الدّعوة في مرحلة التّكوين إلى: «صوفي بحث من النّاحية الرّوحية وعسكري بحث من النّاحية العمليّة وشعار هاتين النّاحيتين دائماً (أمر وطاعة) من غير تردّد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج» ص274.
ومن أشهر النّصوص الموجِّهة لجماعة الإخوان كلمة الشّيخ حسن المشهورة: «نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه» هكذا على الاطلاق المنكر.
هذا ما بدأ عليه أمر الإخوان وكان أحسن أطوارهم. واليوم يجئ سعيد حوى أحد قادة الإخوان في سوريا وأحد أكابر مفكّريهم في العالم ليخبرنا بأنّه تتلمذ في باب التّصوف على مشايخ التّصوف في عصره حتى بلغ درجة المشيخة. (تربيتنا الروحية ص 16) ثم يقرّر في ص21: أنّه يندر أن يجد كمالاً في النفس أو احساناً في السلوك أو قدره في التّعامل إلّا إذا وجد تربية صوفية صافية. لأنّ الصوفية هم الذين ورثوا عن الرسول صلى الله عليه وسلّم تربية النفس. فما لم يأخذ الإنسان عنهم تبقى نفسه بعيدة عن الحال النّبويّة. وفي صفحتين 64 و67 يؤكّد لنا: «أنّ علم التّصوف مكمّل للعقائد والأحكام الشّرعية. وأنّ القفزة العالية نحو معرفة الله تتحقّق بالذّكر بالاسم المفرد: الله…الله…» ص115. ويرى أنّ ما يجري على يدي أبناء الطريقة الرفاعية (من شعوذة ومخرقة) من اعظم فضل الله على الأمّة وتصديقاً لمعجزات الأنبياء وكرامات الأولياء.. ص218. وفي مجال العقيدة يرى أهمّية علم الكلام الذي وجد في رأيه من أجل الضوابط الدّقيقة لعلم العقيدة بعد تطويره عن المنطق اليوناني ويرى أنّه يعصم العقل من الخطأ في هذا المجال. (أنظر «جولات في الفقهين الكبير والأكبر» ص200 – 201). وعلى هذا يقرر تسليم الأمّة في قضايا العقيدة للأشعرية والماتوريدية (نفس المصدر). ويدعو أن يأخذ شباب الاخوان عقيدتهم (في مرحلة التّكوين) من شرح الباجوري لجوهرة التوحيد (على المذهب الأشعري).
هذا هو منبع المهادنة يا أخي الكريم.. ولو ثبت أنّ السبب عارض وأنّه الانشغال بالمشاكل المعاصرة وتخطيط أعداء المسلمين والإسلام – كما تفضّلتم – لكان دليلاً آخر على انحراف خطّ الدّعوة لدى الاخوان. فإن أعدى اعداء المسلم نفسه وشيطانه وخطرهما على دينه ودنياه أعظم من تخطيط الاعداء الخارجين في الشرق والغرب من اليهود والنّصارى ومن كل الطّوائف الضالّة.. ولكن من مكائد الشيطان أعاذنا الله جميعاً منه: صرف اهتمامنا وصرف اهتمام الآخرين – بدعوتنا – عن الخطر القريب الواقع إلى الخطر البعيد المحتمل.. وعن الاهتمام بأخطائنا إلى الانشغال بأخطاء الغير وإغرائنا في سبيل ذلك بالمنافع الدّنيوية العاجلة: إثارة عواطف المسلمين وبالتّالي: زيادة التّبرعات لمشاريع الجماعة وتأييدهم وزيادة عددهم ثمناً للسّكوت عن أخطائهم وعدم الانكار عليهم وإشعارهم بأنهم على حق وان الأخطاء تأتي من حكّامهم ومن أعدائهم.
وأصغوا من جديد لخطباء الإخوان واقرأوا لكتّابهم وتصفّحوا مجلاّتهم «الإسلاميّة» وتتبعوا مظاهر نشاطهم.. فلن تجدوا في أغلب أحوالها إلا ما ذكرته في وصفهم هدانا الله وإياهم.
3) ترون – بارك الله في رأيكم وعملكم – أن حركة الإخوان حركة سلفية.. ويرى حسن البنا رحمه الله وسعيد حوّى هداه الله أنها حركة سلفيّة صوفيّة وهما من أهمّ قادتها وأخبر منّا بها.. ويؤيّدهما في هذا الرّأي ما سقته من شواهد.. وما ذكره المحدّث/ ناصر الدّين الألباني وفقه الله من وصفه هذه الحركة بأنّها مثل الماء في الإناء يتلوّن بلون الإناء.. فمثلاً أغلب أعضائها في الجزيرة العربيّة سلفيّو العقيدة.. وأغلب أعضائها في حلب أشعرية – ماتوريديّة.. ولكن أغلب الأعضاء في الجزيرة وحلب والقاهرة وعمّان مجتمعون على تقديم ما يريده الناس أو ما لا يعارضونه من الخطب الحماسية عن العدو الحقيقي أو الخيالي ومن برامج «أسلمة» الثقافة العلمانيّة ومن دروس التّجويد.. ومجتمعون على تجنّب محاولة تصحيح العقيدة وإنكار تقديس الأضرحة والغلو في الأنبياء والصالحين (حقيقة أو خيالاً) وإنكار عموم البدع الشركيّة وغير الشركية وطرق التّصوّف التي اجتالت أغلب المسلمين عن شريعة الله.
لا شكّ أن الشيخ/ سيد قطب رحمه الله قد حاول تعديل منهج «الإخوان المسلمين» بتوجيهه إلى ما وجّه الله إليه جميع رسله العقيدة أوّلاً – قبل الحاكمية وقبل التّثقيف وقبل المشاريع الاجتماعية – وحال بينه وبين ما أراد أمر من الله وهو الموت وأمر من الشيطان وهو تعصب بعض قادة الحركة أو من يطمحون إلى قيادتها حيث يقول لسان حالهم: {إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مقتدون}.. (انظر «لماذا أعدموني» لسيّد رحمه الله ص 29-34.
4) أما عن ملاحظة إسراف «الإخوان» في صرف التّبرّعات فكان محدّدا بمثال واقعي ثابت تصعب إزالته أو إنكاره: مئذنة المركز الإسلامي في وادي الحجر من الزّرقاء التي تقدّر تكاليفها بين ستين وخمسة وسبعين ألف دينار أردني ولم يرفع الهلال عليها إلا بطائرة هلكوبتر هذا الهلال الذي اتّخذه الجهلة رمزاً للإسلام تقليداً للنّصارى في رمزهم لدينهم بالصّليب.
يضاف إلى ذلك القبّة التي لا تخدم غرضاً شرعيّاً بل هي تقليد كنسي ومفسدة تمنع الاستفادة من سطح المسجد عند الحاجة إليه.. ويتكرر الخطأ في مراكز الجمعيّة في الرّصيفة وغيرها.
ومثال آخر: المستشفى الإسلامي في عمان الذي قام بناؤه على التبرّعات من ألِفِهِ إلى يَائِهِ وتبرّع المحسنون بآلاته وأدواته ووحداته الكشفيّة والعلاجيّة ومسجده وأعرف أن سعوديا يدفع له عشرة آلاف أردني شهرياً للمصاريف الإضافية.. ومع ذلك فهو يتقاضى من المرضى أعلى الأجور بين المستشفيات التّجارية في الأردن ويتقاضى من صندوق المريض الفقير (القائم على التبرّعات) كامل أجرته.. ومع ذلك يدّعي دائماً أنه على وشك الإفلاس لاستجلاب مزيد من التّبرعات. بينما تنجح المستشفيات التّجارية الأخرى التي لم تدّع أنها خيرية ولا إسلامية وبدون تبرعات.. أفضل تفسير لهذا الوضع الغريب هو الاسراف أو استغلال المستشفى لدعم ميزانية الجماعة أو نفع الموالين لها بتوظيفهم دون أهلية أو دون حاجة.. ولقد رأيت مثلاً لذلك: مريض مصري يعفى بواسطة الصندوق من دفع 400 دينار دون تردد لأنه توسّط بأحد الموالين للجماعة، ومريض مصري أفقر منه يطالب د.50% من التكاليف وهي لا تزيد عن 100 دينار إلاّ قليلاً ثم يطالب ببقية المبلغ حتى يتمّ بحث حالته ثم رفض طلبه الاعفاء لأنه تمّ دفع المبلغ ولا حاجة للبحث مع أنه اقترض منّي كامل المبلغ.. ورائحة مثل هذا التّصرّف تملأ الجوّ هنا.
5) وعن المبالغات الإعلاميّة (الإسلامية) فلعلكم – وفقكم الله – تعيدون قراءة ما كتبته في رسالتي الأولى.. وفحواه: أن مجلّة «المجتمع» – مثلاً – تدّعي أن مدينة «حماة» محيت عن وجه الأرض.. فاذا قلت أني صليت في مسجد قديم من مساجدها وتجوّلت في بعض شوارعها القديمة.. أو شاهدت اثنتين من النّواعير التي بكت التّقارير على هدمها (كأنها من شعائر الدّين الذي قامت الحركة باسمه).. وإذا لم أصادف خلال زيارتين لحماة أثراً للدّمار أو مسجداً جديداً يبنى – غير الجامع – ويمكن الاعتقاد أنه دمّر أو خرّب.. فمعنى هذا أن «حماة» لم تمح وأن «المجتمع» لم يتحرّ الحقيقة كما يجب أن يفعل المسلم الذي جاءه النبأ بأن يتبيّن أولاً كما أمره الله قبل أن يذيع هذا النبأ وأمثاله وضررها لم يصب قوماً تعتبرهم أعداءً بل أصاب الإسلام والمسلمين بما أثار من رعب كانت نتيجته هجرة الدعاة إلى الله وترك المجال للبدع والجهل والخرافات.
وإذا قيل أن عدد القتلى خمسون ألفاً (وربما كان هذا هو الرّقم الذي تركتم مكانه خالياً في رسالتكم) فإن هذا القول مبالغة اعلاميّة «إسلاميّة» إذا صدق تقرير المكتب الإعلامي للإخوان المسلمين الذي نشر بعد سنة من فتنة «حماة» بعنوان: «حماة مأساة العصر» والذي يحاول أن يحصي القتلى بأسمائهم فلا يثبت أكثر من (3.000)ثلاثة آلاف يمكن افتراض أن عدداً منهم من أحزاب التّحالف الوطني لتحرير سوريا وأكثرها علمانية لا تجوز موالاتها.
6) ذكرتم – وفقكم الله – احتمال أن المسئولين في سوريا حسّنوا صورتهم بعد احتجاج الناس ومساهمة «مجلة المجتمع» في ذلك.. إذا كان الاصلاح ممكناً بمجرّد الاحتجاج ولدى المسئولين هذا الاستعداد للاستجابة السّريعة فلماذا كانت الاغتيالات؟ ولماذا كانت الانفجارات التي لا تفرق بين صالح وطالح؟ ولماذا جمعت هذه الملايين التي يعترف قائد الفصيلة المنبوذة (في رسالة شكواه مِنْ وَإِلى القيادة وراء الحدود) أنه لم يحصل منها إلا على خمسمائة مليون.. ويعترف سعيد حوّى أحد القادة الثلاثة للحركة أن لديه منها (بعد انتهاء الفتنة) ثلاثين مليون دولار؟ وللأسف لم ترتفع الأهداف (من الحركة) إلى أكثر من وضع اسم «دولة الإخوان المسلمين» على الخارطة بدلاً من اسم «الجمهورية العربية السّوريّة» .. أما دين الدّولة الجديدة فيقوم على مهادنة البدع والمبتدعة.. وعلى معايشة التّصوف والمخرّفة كما بيّنت في تعرضي لمنهج الإخوان في البداية.. وكما يتضح من منهج الإخوان في النّهاية مثلاً في كتاب «تربيتنا الروحيّة» لأبرز القادة الثلاثة في سوريا.. وأما سياسة الدّولة فتقوم على الحزبيّة العلمانيّة يأخذ الحكم فيها من يحصل على أغلبية الأصوات (انظر ميثاق التحالف الوطني ص19-20) و(انظر مقابلة مجلة الوطن العربي مع عدنان سعد الدّين أحد قادة الحركة الثلاثة في سوريا.. العدد 270 ص39).
وجزى الله الشيخ/ محمد قطب خير جزائه فلم يمنعه قربه من حركة الإخوان وتعاطفه مع بعض اتّجاهاتهم من أن يقول كلمة الحق في هذا الأمر: أمر التّحالف الحزبي والولاء السّياسي والاشتراك في البرلمانات العلمانية.. «وحين تقوم جماعة من الجماعات بالتحالف مع الشيطان ممثلاً في أحزاب تنكر شريعة الله وترفض اعتبارها ملزمة للناس في العصر الحاضر ولا تعتبر الدين – أي الإسلام – مقوّماً من مقومات فكرها، وتضع بدلاً من الفكر القومي العربي الاشتراكي ثم تلزم أعضاءها بالسمع والطّاعة لهذا العمل أو تهدّدهم بالفصل إن عارضوا..» (ص500 واقعنا المعاصر).. كما يقول: «فكيف يجوز للمسلم الذي يأمره دينه بالتّحاكم إلى شريعة الله وحدها.. أن يشارك في المجلس الذي يُشَرِّع بغير ما أنزل الله.. فضلاً عن أن يقسم يمين الولاء له ويتعهّد بالمحافظة عليه وعلى الدّستور الذي ينبثق عنه» ص463.. ويشير إلى التّناقض في المطالبة بتحكيم شرع الله والاشتراك في الحكم بغير ما أنزل الله: «إننا نقول للجماهير في كلّ مناسبة إن الحكم بغير ما أنزل الله باطل وأنه لا شرعية إلا للحكم الذي يحكم بشريعة الله.. ثم تنظر الجماهير فترانا قد شاركنا فيما ندعوها هي لعدم المشاركة فيه».. ص464..
7) الإشارة إلى المدارس الدّينية في سوريا يظهر لي أن أخي الكريم لم يلاحظ مغزاها.. كنت أقارن بين مقرر العقيدة في هذه المدارس وهو أشعري – ماتوريدي في أغلب المدارس الأهلية وسلفي في المدارس الدّينيّة الحكومية.. معنى هذا أنّ الانحراف في العقيدة وهو الخطأ الذي لا يغفره الله ويغفر ما دونه نابع من الشعب قبل أن يكون نابعاً من الحكم.. ومع هذا فلم تكتب مجلّة المجتمع كلمة واحدة في محاولة للتّصحيح.. ولم نسمع باهتمام حركة الإخوان المسلمين بهذا الأمر.. واصلاحه أيسر من محاولة إصلاح نظام الحكم وأقل خطراً على حاضر ومستقبل الصّحوة الدّينيّة.. وهو الموافق لشرع الله في الدّعوة إليه فلم يَبْعَث رسولاً من الرسل لإصلاح أو تغيير نظام الحكم السّياسي أولاً.. ولكن بَعَث جميع الرّسل لتصحيح المعتقد: {ولقد بعثنا في كلّ أمة رسولاً إن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}..{وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} وفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر على حقيقته فرفض المُلك وتمسّك بالمطالبة بتوحيد الألوهية.. وهذه هي المسألة التي ضلّ عنها جلُّ الجماعات الإسلامية هدانا الله وإياهم صراطه المستقيم حتى إنهم أخطأوا في فهم معنى: لا إله إلا الله، فظنّها بعضهم الحاكمية.. لا حاكم إلاّ الله.. وظنّها بعضهم: الربوبية.. لا خالق ولا رازق ولا مدبّر إلا الله.
8) صُوِّرَت لكم المسألة كما صُوِّرَت للمجتمع المسلم بأنّ أساسها طائفيّ: علويّ ضدّ سنّي.. ونتيجة لوقوفي على الأمر عن كثب اقتنعت بأن هذه الصّورة سياسية أريد بها الإثارة الطّائفيّة.. والكراهيّة الطّائفيّة في مجتمعنا تحكمها الحميّة الجاهلية مع الأسف ولا علاقة لها بالولاء والبراء والمحبة في الله والانتصار لشرعه.. فالمشكلة الأساسية بين المسلمين في العصور المتأخرة: انحراف العقيدة وهي قاسم مشترك بين السّني والشيعي والاسماعيلي والعلوي والقادياني عند كلّ طائفة نصيبها من المخالفات الشرعية الشركية وغير الشركية.. وأبرز ذلك قبور من يُعتقد بأنهم أولياء يُدعون ويُذبح لهم ويُستغاث بهم ويُستعان بهم مع الله أو بدونه، وأكثرها للمنتمين للسّنّة.
في مصر ضريح للحسين لأهل السّنّة وفي النّجف ضريح آخر للشيعة وفي سوريا ثالث.. وفي مصر ضريح لزينب وفي سوريا آخر.. وفي كلّ بلد مسلم أيّاً كانت الطّائفة الغالبة فيه تبنى المساجد على القبور وتقدس لأجلها مثل قبر الخليل في فلسطين وقبر ابن عربي في سوريا.. ولدى الطّوائف الأخرى قبورها وشركها تتحد فيها أحياناً مع من ينسبون أنفسهم إلى السّنّة وتختلف أحياناً ولكن البلوى عامة والمرض واحد عافانا الله وإياكم وجميع المسلمين من ذلك.
«ومن بيدهم مقاليد الأمور» – كما أشرتم – من مختلف الطوائف ليسوا من طائفة واحدة ويجمعهم أمر آخر أُهملت الإشارة إليه.. وهو الإنتماء لحزب البعث العربي الاشتراكي.. وقد أُهملت الإشارة إليه – وأُثيرت الطّائفية بدلاً منه – لغرض سياسي فهو لا يثير عواطف طائفة ضد طائفة ولا يفيد في جمع التبرعات من ناحية.. ومن ناحية أخرى فحركة الإخوان ردّها الله إلى الحقّ ردّاً جميلاً تستفيد من حزب البعث العراقي بموالاتها له قبل فتنة حماة وبعدها.. وإلى هذا الانحراف أشار الشيخ محمد قطب في ما نقلته عنه (ص9).
ولا تريد أن تغضبه.
ما أشرت إليه من انحراف لا ينقص ولا يزيد عندي إلى أن يكون متاجرة بالطّائفيّة والشّعارات الدّينيّة في سبيل بناء دولة حزبية.
9) لم يكن لأخصّ الإخوان المسلمين ولا مجلة المجتمع ولا قضية سوريا بالحديث في هذه الرّسالة لولا تركيزكم عليها دون القضايا الأخرى.
وأرجو إذا وجدتم من المناسب مناقشة بعض هذه الملاحظات مع المعنيين بها ألاّ تنسب إليّ لأن من طبيعة الحزبيّة اعتبار النّقد هجوماً مُعَادياً إذ يصعب على الحزبي المتعصّب تصديق احتمال أن يكون قد سلك أو سلكت قيادته طريقاً خاطئاً.
أعاذنا الله وإياكم من التّعصب والتحزب وهدانا وإياكم لما اختلف فيه من الحق بإذنه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّنعفا الله عنه.
الرسالة رقم/90 في 1408/4/2هـ.