من سعد الحصين إلى زكريا المصري [1] [ملاحظات على رسالة أهمية التوحيد وخطر الشرك]
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصيّن إلى أخي في الدّين والدّعوة الشيخ/ زكريا المصري وفقه الله لطاعته.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمّأ بعد: فقد اطّلعت على رسالتكم بعنوان (أهمّية التّوحيد وخطر الشرك) هدانا الله وإياكم والمسلمين جميعاً لأقرب من هذا رشدا.
وقد سرّني فيها – كما سبق أن ذكرت لكم – اهتمامكم ببيان التّوحيد وبيان نقيضه من الشرك حتى يسهل على المسلم القارئ الجمع بين النّظر والتّطبيق، والحذر من الوقوع في الشرك وهو يظنّ نفسه بعيداً عنه.
وفي المقابل لاحظت ما يلي:
1) ميل أسلوب كاتبها عن اللغة الشرعيّة إلى اللغة العصريّة (العربيّة العاميّة) بقصد تيسير فهمها. ولست أرى هذا النهج موفّقاً فيما يتعلّق بالعقيدة خاصّة التي لا يليق بها إلاّ لغة القرآن والسّنّة الواضحة المستقرّة التي يمكن الرّجوع إلى مصادرها عند الاختلاف.
2) إقحام تحليلاتكم السّياسيّة الظنية وفهمكم الظني للواقع المعاصر في علم من أبرز العلوم الشرعيّة اليقينية: التوحيد، مما يفصله عن مرجع من أهم مراجعه: سبيل المؤمنين من السّلف.
3) إقحام فهمكم الظني للفلك في هذه المرتبة العليا من العلم الشرعي، وربطه وربطها بالإدراك العصري القاصر للوجود.
4) تفسير توحيد الألوهيّة بمعنًى بَيْنَ الحاكميّة والربوبيّة لا يظهر منه للقارئ: وجوب إفراد الله بالعبادة. وقد بدا لي أنك حاولت تجنّب لفظ العبادة والعبوديّة وإفراد الله بها في الفصل الثاني: توحيد الألوهيّة في محاولة للتّجديد لا أرى أنها موفّقة.
5) أعجبني اهتمامك – في هذا الزمن خاصة – بطاعة الإمام وليّ الأمر وإن كان فاسقاً ما لم يأمر بمعصية، وإن لم يعجبني عُدُولك عن الألفاظ الشرعية: الإمام، ولي الأمر، الراعي؛ إلى اللفظ المستعمل أحياناً في هذا العصر: الرئيس.
6) المبحث الثالث في آيات الصفات – في رأيي – نسفٌ لتوحيد الله بصفاته بإلحاقك آيات الصفات بالمتشابه الذي لا يجوز التعرّف على معناه، وهذا مناقض لبعض ما سبق ولحق في الفصل الثالث. فالمحظور: محاولة معرفة الكيفية لا المعنى طبقاً لما أوردته – بعد – من كلام مالك.
7) فهمت من المطلب السّابع في آيات الصّفات، ولعلي أسأت الفهم، أنك تتهم زملاءك الذين يحاولون بيان وجه الحق في توحيد الصفات أو ما سميته بإثارة هذه القضايا الاعتقادية من قبل أي (فرد أو جماعة أو جمعية أو حزب أو تنظيم)، بأنهم عملاء لأعداء الأمة مدسوسون عليها (يقومون بالتّخذيل عن إسرائيل عبر إثارة الخلاف العقائدي) ولن ينفعهم أن يقسموا ألف يمين على براءتهم.
8) وفهمت من المطلب نفسه أن شدّتك في الأمر مربوطة بخلافك للجميع – ودعاة العقيدة والسنة خاصة – حول (المرجعيّة) التي يلتفّ حولها مجلس الشورى بلجنتيه العقائدية والتّشريعيّة.
وأرى أنهم معذورون في عدم مساندتهم فكرة (المرجعيّة) فهي خيالية وغير صالحة في وجودها وأثرها المتوقع. وقد شرع الله لنا العلم الشرعي اليقيني والدعوة إلى الله على بصيرة، وقد تمّ ذلك بنجاح في جميع العصور ولله الحمد والمنة قبل أن توجد اصطلاحات وألفاظ: المرجعيّة ومجلس الشورى واللجنة العقائدية واللجنة التّشريعية. ولماذا تكلّف نفسك وتلزم غيرك ما لم تكلف أو تلزم به، وتنهى غيرك عن منهج النّبوّة الممكن البسيط الذي أخشى أنك انشغلت عنه بمثل هذه الأفكار المعقّدة والخصومات والاتّهامات الظالمة.
9) بعد مقدّمة معقّدة في الشرك استدركت جزاك الله خيرا ما فاتك في تعريف توحيد الألوهية فبينت أن الشرك في الألوهية هو الشرك في العبادة. وبينت أن الدهرية كفروا بربوبية الله تصحيحاً لما سبق أن ذكرته من انه لم يعرف هذا الكفر (قبل ظهور ما يسمى بالشيوعية الإلحادية).
10) في التعبير بالسلب والإيجاب وتوكّل الجوارح نظر كما سبقت الإشارة إلى خيرية اللغة الشرعية على اللغة العصرية، وخطر سوء الفهم.
11) ذكرت في المطلب الرابع من مطالب المبحث الثالث في الشرك عن التبرّك أن اتخاذ الآثار (الدينية) للذكرى مباح ما لم تكن (ذريعةً في المعنى الممنوع شرعاً فتحرم)، وهي ولا شك ذريعة للشرك منذ آثار الصالحين من قوم نوح، وإنما الاختلاف في اللفظ بين التبرك والتقرب والتيمّن والذكرى، فكان الأولى عدم فتح باب الذريعة المتيقنة.
12) وبالموازنة بين المصالح والمفاسد أرى عدم إعادة طبع الرسالة، فإن كان لابد فمختصر لها يتخلص من الفكر والتحليل السياسي والأحكام على القلوب ويرجع إلى لغة العلوم الشرعية بوضوحها ونقائها ووفرة موازينها.
وفقكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه سعد بن عبد الرحمن الحصين- الرسالة رقم/3 في1416/1/7هـ.