ترجمة سعد بن عبد الرحمن الحصيّن عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
سعد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز الحصيّن، النّاصري التّميميّ.
أ- ولد عام 1353 هجرية في شقراء عاصمة منطقة الوشم.
تخرّج من مدرسة شقراء الابتدائيّة عام 1367هـ.
تخرّج من مدرسة دار التّوحيد المتوسّطة الثانويّة عام 1372هـ الطّائف.
تخرّج من كلّية الشريعة في مكّة المباركة عام 1376هـ.
حصل على الدّبلوم العالي من معهد الدّراسات العربيّة العليا في الأدب العربي والدّراسات الاجتماعية بالقاهرة عام 1380هـ.
حصل على الماجستير من جامعة جنوب كَلِفورنيا في لوس أنجلس الولايات المتّحدة الأمريكيّة في فلسفة التّربيّة عام 1390 هـ.
عمل مديراً لإدارة البعثات الخارجيّة بوزارة المعارف 80-1384هـ.
عمل مديراً للإدارة العامّة للثقافة بوزارة المعارف 84-1388هـ.
عمل مديراً للإدارة العامّة للتّعليم الثانويّ بوزارة المعارف 92-1401هـ.
عمل مشرفاً على الدّعوة والدّعاة السّعوديّين في الشّام 1401-1422هـ.
ب- أسّسَ وأشرفَ على إصلاح التّعليم الثانوي بالمملكة 1392-1401هـ.
أسّسَ وأشرفَ على إصلاح التّعليم الابتدائي والمتوسّط بالمملكة 1397-1401هـ.
وكان أبرز ما في محاولة إصلاح التّعليم الثّانوي:
– تحميل الطّالب – بعد بلوغه مرحلة الرّجولة وتخطّيه مرحلة الطّفولة – المسئوليّة عن تعلّمه، اقتداءً بتحميل الله تعالى له سائر التّكاليف، وقال الله تعالى:{وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم} [النور: 59]؛ فَلَمْ يُلْزَم بغير ما ألزمه الله تعالى به: دراسة الدّين واللغة العربيّة، وخُيِّر في مدّة دراسته بين سنتين وخمس سنوات تقريباً، وله اختيار الدّراسة في الصّباح أو المساء أو فيهما معاً، واختيار معلّمه، واختيار العلوم الدّراسيّة: الدّينيّة أو الاجتماعيّة أو الرّياضيّات والعلوم الطّبيعيّة، أو غيرها حسب توفّرها.
– وكان أبرز ما في محاولة إصلاح المرحلة المتوسّطة والابتدائيّة: التّقليل مِنْ: بل إزالة التّنافس بين طفلين لم يُسَاوِ الله بينهما في القوّة العقليّة والجسميّة وإبداله بالتّنافس بين ماضي الطّفل وحاضره، وللطّفل أن يدرس عِلْماً يجيده في صفّ أعلى، وعلماً لا يجيده في صفّ أدنى.
– وإذا أخفق الطّالب في اجتياز امتحان عِلْمٍ لَمْ يُلْزَم بإعادة غيره، والامتحان يشمل الحضور والسّلوك مع الفهم والحفظ، لا الحفظ وحده، وقد نَجَحَتْ محاولة الإصلاح في التّعليم الثانوي إلى درجة رغبة الوزارة وتنفيذها تعميم الاصلاح في بقيّة مدارسها ولكنها عمدت إلى تعديل المحاولة فلم تمض بضع سنوات حتى أوقف العمل بها. وبقيت محاولة إصلاح الابتدائية والمتوسّطة في (مجمّع مدارس الفهد) بالرّياض حتى اليوم أكثر من (35) سنة بين الحياة والموت.
ج- قال سعد:
وكان الشيخ ابن باز أسكنه الله الفردوس من الجنّة يطالبني أكثر من سنة ونصف بالتّحوّل من العمل في التّعليم العصري إلى التّعليم الشّرعي (الدّعوة إلى الله على بصيرة)، وكنت أعتذر بارتباطي بمحاولة إصلاح التّعليم العصري، فلما أقدمت الوزارة على تغيير منهج الاصلاح، وأسوأ ما فَعَلَتْ: إعادة إلزام الطّالب في التّعليم العام بدراسة اللغة الانكليزية والرّياضيات والعلوم الطّبيعيّة دون اهتمام بقدرة الطّالب وحاجته ورغبته؛ قَبلْتُ اختيار الشيخ ومن فوقه اختيار الله لي فاخترت خدمة الدّعوة والدّعاة في بلاد الشام المباركة مدّة (22)سنة حتى قاربت السّبعين من عمري وتجاوزت سنّ التّقاعد بثمان سنوات، والحمد لله كثيراً.
د- قال سعد:
واخترت ما اختاره الله لعباده في الدّين والدّعوة ولو خالفه الأكثرون،
1) ركّزت على إفراد الله بالدّعاء وكلّ عبادة دون من سواه، ومحاربة الابتداع في الدّين، وشرّه: دعاء غير الله معه (مَنْ سُمِّيَتْ بأسمائهم أوثان المقامات والمزارات والمشاهد والمراقد والأضرحة بخاصّة)، وهو الشرك الأكبر منذ قوم نوح كما في صحيح البخاري وتفسير ابن جرير رحمهما الله عن تفسير ابن عبّاس رضي الله عنهما لقول الله تعالى عن أوثان قوم نوح:{وقالوا لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودّاً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً} [نوح: 23]، قال: أولئك أسماء رجال صالحين فلما ماتوا أوحى الشّيطان إلى من بعدهم أن ابنوا في مجالسهم أنصاباً.
وهذه هي سنّة الله ورسله ورسالاته في كلّ زمان ومكان:{ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}[النحل: 36] {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلاّ أنا فاعبدون} [الأنبياء:25]، وانشغل أكثر الدّعاة وكلّ الجماعات والأحزاب الدّينيّة بما دونه فخالفوا شرع الله.
2) وركّزْتُ على تدبّر القرآن و العمل به قبل حفظه وتجويده، ولو انشغل أكثر الدّعاة بتحفيظه عن تدبّره والعمل به، وكان الصّحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ــ وهم القدوة ــ لا يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا معانيهنّ والعمل بهنّ، وحذّر النبيّ صلى الله عليه مسلّم من أحداث يقرأون القرآن لا يتجاوز حناجرهم في الحديث المتّفق على صحّته.
3) ومنذ بلوغي الحُلُم وضَعت سياجاً من النّوافل دون الرّواتب قبل الفرائض حتى إذا انشغلت بجدٍّ أو بهَزْلٍ عن المحافظة على الوقت بَقِيَتْ لي الفرائض، بل وضعت سياجاً من النّوافل دون النّوافل بعد بلوغي الأربعين وتدبّري قول الله تعالى:{حتى إذا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحا ترضاه}، [الأحقاف: ١٥]، فصلّيت الضحى أربعا حتى لا تقلّ عن ركعتين في حضر ولا سفر إلا أن يشاء الله.
والأليق بضعفي ونقصي وتقصيري: القصد في التّطوّع، فمنذ سمعت حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، واختيار الرسول صلى الله عليه وسلّم له ثلاثة أيّام من كلّ شهر، وطلبه خيراً من ذلك حتى استقرّ على صيام يوم وفطر يوم (صيام داود)، ثمّ كَبُرَتْ سنّه وضعفت قوّته وشقّ عليه المداومة على ما اختار لنفسه باختيار الله له – ولكنّه داوم رغم ذلك – على تنفيذ وعده؛ لم أزد عن صيام الثلاثة أيّام من كلّ شهر.
أمّا صلاة التّطوّع فقد نفعني الله بإحصاء ابن القيّم أسكنه الله و شيخه الفردوس من الجنّة عدد الرّكعات التي كان النبيّ صلى الله عليه وسلّم يركعها في اليوم والليلة (40) ركعة (17) للفريضة (23) للنّافلة، وضمِنَ لمن يدقّ باب الله أربعين مرّة في اليوم والليلة أن يفتح له. ولكن أنّى لمثلي الخشوع وحضور القلب والبراءة من حديث النّفس في الصّلاة مثل ابن القيّم رحمه الله؟ ورجاءَ عفو الله و مغفرته مَنَّيْتُ نفسي لعلّ مجرّد وضع الجبهة والأنف على الأرض (80) مرّة لله وحده في اليوم والليلة أو (58) مرّة (17 ركعة للفريضة و12 للنافلة) كافية لمن علم الله ضعفه وتقصيره في طلب الآخرة والدّنيا أن يتجاوز الله عنه، ولا أدعوا غيري للاقتصاد في الطّاعة.
واخترت من أقوال بعض الفقهاء رحمهم الله جميعاً تفضيل السّجود على القيام ووضع اليدين على الصّدر في كلّ قيام لأنّهما خاصّتان بالله وحده.
4) وقد التزمت القصد في المتاع الدّنيوي فلم أشتر سيّارة ولا أثاثاً للزّينة ولم أقْتَنِ جهاز النّداء (بيجر) في زمنه، ولا الجوّال بعده، ولا أكلت وجبة العشاء منذ نصف قرن ولا وجبة الفطور منذ (30) سنة إلا نادراً ولا شربت القهوة ولا المشروبات الغازيّة أبداً، ولا دخَلْتُ على حلاّق ولا خيّاط ولا شربتُ الشّاي منذ (40)سنة، ولا تزوّجت غير واحدة قبل (52)سنة.
5) وقد فضّلني الله على أكثر خلقه بما لا أحصيه و أهمّه:
– إذْن الله لي بكثرة ذكره و شكره و عبادته وحده لا شريك له، وبالأخصّ: الدّعاء لأنّه: “هو العبادة”، ولأنّه الفرقان اليوم – والأمس غالباً – بين التّوحيد والشّرك، فأكثر المنتمين للإسلام اجتالتهم الشياطين إلى الشرك لا يسجدون لوثن المقام والمزار والضّريح بل يدعون من سمِّيَ باسمه ويطلبون منه المدَد وقال الله تعالى:{فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدّين فلما نجّاهم إلى البرّ إذا هم يشركون}[العنكبوت:65]، وقال الله تعالى:{ومن أضلّ ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون}[الأحقاف:5]، والآيات مثلها كثيرة، والدّعاء ذكر لله ينتفع به المدعوّ له وينتفع به الدّاعي إذ تدعوا له الملائكة بالمثل. وخلافاً لما ورد عن بعض السّلف من تقسيم الدّعاء إلى دعاء عبادة ودعاء مسألة؛ اخترتُ تقسيم غيرهم الدّعاء إلى: دعاء ثناء ودعاء مسألة فكلٌّ منهما عبادة.
– تقديم تدبّر القرآن على حفظه وتجويده، أما الحفظ فنافلة، وأمّا التّجويد فأكثر قواعده المحدثة لا يسندها الدّليل الشرعي كما ذكر ابن باز وابن عثيمين ورواه عن شيخه ابن سعدي، واستشهَدَ بتحذير ابن تيميّة رحمهم الله جميعاً من أن ينشغل المسلم بعلوم القرآن المحدثة عن التّدبّر، وهو سبب نزوله.
– الحرص على الوقوف على رأس كلّ آية في الصلاة وخارجها كما شرع الله وسنّ رسوله، والدّعاء والثناء بعد كلّ آية بما يناسبها، وإن أهملها الأكثرون بمن فيهم أئمّة المساجد التي تُشَدُّ إليها الرّحال.
– استفتاح الصلاة – فريضة ونافلة بكلّ ما صَحَّ أو حَسُن عن النّبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يأخذ اللسان على استفتاح واحد لا يعيه القلب.
– إتّباع الصّحيح من سنّة النّبي صلى الله عليه وسلّم في الاعتقاد والعبادة والمعاملة بهذا الترتيب وعدم التّكلف في العلم ولا العمل.
– الالتزام بالدّليل من القرآن والسّنّة بفهم الصّحابة ومن تبعهم بإحسان في القرون الخيّرة، ونبذ التّقليد وشدّ الوسط لغير المعصوم صلى الله عليه وسلم.
– التّدَيُّن والدّعوة إلى الله تعالى على منهاج النّبوّة لا المناهج المحدثة.
– شكر الله تعالى على منّته عليّ بالإسلام، ومنّته عليّ بالسّنّة، ومنّته عليّ بالمواطنة في خير أرض الله حيث بنى الله بيته فيها، وأرسل خاتم رسله من أهلها، وأنزل كتابه وسنّة رسوله بلسان أهلها، وجدّد دينه بولاتها وعلمائها منذ منتصف القرن الثاني عشر من الهجرة إلى هذا اليوم؛ فميّزها على كلّ بلاد المسلمين وولاياتهم بذلك منذ ألف سنة؛ فهدمت أوثانها(من المقامات والمزارات) ثلاث مرّات فلا تجد فيها مسجداً واحداً بني على قبرٍ ولا زاوية صوفيّة ولا بدعة من البدع المنتشرة في المساجد والصّلوات والمآذن في جلّ بلاد المسلمين وولاتهم.
– ولم أحمّل مسلماً إثماً ولم أدْعُ الله أن ينتقم لي منه إذا اعتدى عليّ بقول أو فعل، لعلّ الله أن يعفو عن نقصي وتقصيري في أداء حقّه عليّ بالشكر والذّكر وحسن العبادة.
– الدّعاء للمسلمين بالهداية والمغفرة والرحمة ولغير المسلمين بالهداية.
– الدّعاء بالصّلاة والسلام والبركة على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعلى جميع أنبياء الله ورسله وأوليائه وآلهم وصحبهم، وأدعوا بالمغفرة والرّحمة والجنّة والنّجاة من النّار للمجدّدين من عُلماء السّلف: أحمد بن حنبل الذي درسنا الفقه على مذهبه وجعله الله قدوة في الثبات على دينه يوم امتحنه المأمون والمعتصم والواثق تجاوز الله عنهم بفرية خلق القرآن، والبخاري ومسلم الذين التزما بصحّة ما جمعاه من الحديث، وابن تيميّة وابن القيّم الذين حملا علم السّنّة يوم تكاثفت ظلمات الابتداع في الدّين، ومحمد بن عبد الوهّاب ومحمد بن سعود وعبد العزيز وسعود، ثمّ تركي وفيصل، ثم عبد العزيز وأبنائه الذين جدّدوا الدّين في كلّ قرن من ولايتهم.
– الدّعاء للمريض بالشّفاء وللميّت بالمغفرة وللمدين والسّجين والخائف بالفرج، وأن يحفظ الله بلادنا قدوة صالحة للمسلمين إلى يوم الدّين.
– الرّضا بقسمة الله وشكره عليها، وقد وجدت من فضل الله بذلك عليّ ما خشيت أن يكون استدراجاً وعوضاً عن الأجر الأخروي، والحمد لله أوّلاً و آخراً.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن في 1434/8/18هـ.