الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ رمز الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر

الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ رمز الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر

بسم الله الرحمن الرحيم

أ- لازَمَ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر دولة التّجديد والتّوحيد السّعوديّة منذ أوّل يوم من تأسيسها في القرن الثاني عشر من الهجرة (1158) حتّى اليوم بفضل الله ومنّته وتمييزه، ولا عجب فالأمر والنّهي الشّرعي جزء لا ينفصل وسياج ثابت لقيام دولة تحْكُم بشرع الله تعالى في الاعتقاد أوّلاً فلا تأذن بدعاء غير الله ولا الاستغاثة بغيره ولا النّذر لغيره من أوثان المقامات والمزارات والمشاهد والمراقد والأضرحة أو لمن سُمِّيَتْ هذه الأوثان بأسمائهم من الأنبياء والصّالحين حقًّا أو باطلاً، ثم في العبادات الفعليّة بالصّلاة والصّوم والحجّ والزكاة كما شرع الله وسنّ رسوله، ثم في المعاملات؛ بهذا التّرتيب الشرعي حسب أهمّيتها.

ب- ومنذ الدّولة العبّاسيّة (غير عهد المتوكل رحمه الله) أي منذ ألف سنة (حتى جدّد الله دينه بالدّولة السّعوديّة) لم تقم دولة للتّوحيد ولا للسّنّة ولا للأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر غير هذه الدّولة المباركة.

ج- ولا تزال دولة التّجديد السّعوديّة (وحدها منذ ألف سنة) تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر فلا يوجد فيها وثن من المقامات والأضرحة ولا زاوية صوفيّة ولا يباع فيها خمر علناً، ولا يؤذن بتجارة ولا لهو ولا مطعم حتى تقضى الصّلاة، ولا سحر ولا شعوذة، ولا تعطى جنسيّتها لغير مسلم، ولا يبنى فيها على قبر، ولا تنكّس رايتها لموت أحد.

د- وكان الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر احتساباً، حتى ولّى الله المُلْك المجدِّد سعود بن عبد العزيز آل سعود (رحمه الله ورحم آل سعود ورفع ذكرهم في الصّالحين) فأنشأ لهذا الأمر العظيم من أمور الدّين مؤسّسة مستقلة مثل أمور الدّين والدّنيا الأخرى.

هـ- وبرز على رأس الآمرين بالمعروف والنّاهين عن المنكر احتساباً في عهد الملك عبد العزيز وانتظاماً في عهد الملك سعود بن عبد العزيز: الشيخ العلامة عمر بن حسن آل الشيخ رحمهم الله وأسكنهم الفردوس من الجنّة. كان رجلاً مهيباً: يُرْوى عن أحد أكبر ولاة الأمر اليوم قوله: إنّ والدي الملك عبد العزيز رحمه الله كان يخوِّفنا بالشيخ عمر بن حسن رحمه الله.

وكان رحمه الله ممّن آتاه الله بسطة في العلم والجسم والجاه وحُسْن الخلق والمنطق، وكان جلُّ وقته مصروفاً للأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، يذرع الرياض شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً حتى الثّانية بعد منتصف الليل، قبل أن يُعَيَّن رئيساً عامًّا لهيئات الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر في المنطقة الوسطى، لا ينام أكثر من ساعتين فيما يروى عنه.

و بعد تعيينه رئيساً عامًّا جمع بين العمل الإداري نهاراً، والعَسعَس ليلاً احتساباً (وهو الطّواف بالليل تفقّدا للبلاد والعباد حذراً من الإفساد في الأرض، وهو مأثور عن بعض الخلفاء الرّاشدين).

عرفته رحمه الله بعد تخرجي من كلّية الشّريعة بمكة وانتقالي للرّياض وكنت صغير السّنّ قليل العلم والعمل والخبرة، ولكنّه رحمه الله كان يعاملني كما لو كنت ندًّا له، وكانت له صلة صداقة متينة بوالدي رحمه الله إضافة إلى أنّ والدي كان يعمل ضمن ولايته رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر في شقراء، وأدعوا له كلّ ليلة مع أصدقاء والدي ومع علماء عصري ومنهم الشيخ العلّامة محمد بن إبراهيم رحمه الله وكان مسجده معهداً لطلاب العلم الشرعي قبل أن توجد المعاهد والكليّات، ومنهم الشيخ العلّامة عبد الله بن حسن آل الشيخ الذي ولّاه الملك عبد العزيز رحمه الله جميع الأمور الدّينيّة في مكة والمدينة وما حولهما، وكان أمّةً وأهلاً لها.

و- لم تمنع المهابة والعلم والعمل والجاه الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ رحمه الله من اللين في القول والعمل بل حبّ المرح بين حين وحين (ولو على حسابه في اللغة العصرية)، حكى لي مرافقه سنين عديدة: محمد بن عمّار (رئيس الهيئة في شقراء بعد وفاة الشيخ عمر رحمهما الله)، أنه حضر مجلساً للشيخ عمر في آخر حياته وعددٍ من كبار آل الشيخ فتذاكروا التّعاون الموفّق بين آل سعود وآل الشيخ وتقاسمهم الأمر: لآل سعود السّيف ولآل الشيخ الكتاب منذ العهد بين الإمامين المحمَّدين منتصف القرن الثاني عشر، وكان أعلاهم صوتاً وأكثرهم كلاماً في هذا الأمر أقلّهم علماّ وعملاّ تجاوز الله عنه فالتفت الشيخ عمر إلى مرافقه المَرِح ابن عمّار وسأله عن رأيه، فقال: صدق الشيخ وأشهد أنّ آل سعود حافظوا على السّيف بتوفيق الله لهم، ولعل الله أن يوفق خلف آل الشيخ للمحافظة على الكتاب مثل سلفهم.

ز- ومع أن الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تنازل عن الإدارة الدّينيّة وضمّها إلى الإدارة الدّنيويّة في ولاية تلميذه الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود عام 1187 هـ قبل وفاته بنحو (19) سنة فقد حرص الإمام عبد العزيز ألّا يبتّ في أمر دون استشارته (تاريخ ابن غنام، تحرير د. نصر الدّين الأسد، ص 89 ط 2) واليوم نجد جُلَّ الإدارات الدّينيّة قد اختار لها ولاة الأمر من آل سعود أثابهم الله من رأوه أهلاً لها من آل الشيخ وفقهم الله لنصرة دينه وسنّة نبيّه. وهذه الرئاسة العامّة لهيئات الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر قد ولِّيَ عليها اليوم معالي الشيخ د. عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ، وكانت أحوج ما تكون إلى مثله حزماً وعزماً وإدارة ومنهاجاً ليطهّرها من فسقة الحزبيّين والحركيّين الذين احتلّوها سنين عدداً يفسدون فيها أكثر ممّا يصلحون، ويقدّمون المهمّ على الأهمّ من الدّين، ومصلحة الحزب على المصلحة العامّة.

فحرص الرّئيس السّلفي القويّ الأمين على إعادتها إلى النّهج السّلفي الذي أسِّسَت عليه الدّولة المباركة والدّعوة المباركة من أوّل يوم في كلّ مرحلة من مراحلها الثلاث، بالتركيز على أوّل أمر أرسل الله به رسله: الأمر بإفراد الله بالدّعاء وغيره من العبادة والنّهي عن الشرك بالله في دعائه وعبادته ثم العبادات الفعليّة ثم المعاملات الشرعية، لا العكس، والحمد لله.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه، تعاونا على البر والتقوى.

مكة المباركة – الأربعاء – 1435/11/8هـ.