عن حياة عبد الله الطريقي رحمه الله برواية صحفيّة إنكليزيّة
عن حياة عبد الله الطريقي رحمه الله برواية صحفيّة إنكليزيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
أ – في البداية لابدّ من التّذكير بأنّ الرّوايات الصّحفيّة تقوم على الإشاعة أكثر مما تقوم على التّحقيق والتّوثيق، وإن كانت الصّحافة الغَرْبِيَّة الأصل أوثق – عندي – من الصّحافة المقلّدة، بعد متابعتي لهما سنين عدداً، ثمّ انصرافي عنهما عشرات السّنين.
ب – والصّحفيّة: لِنْدابْلانْدْفُرْد من صحيفة الأُبزيرفر اللندنية زارت المنطقة زمن الطّفْرة الاقتصاديّة الأولى في عهد الملك خالد رحمه الله آخر عام1395.
ج – وعبد الله بن حمود الطريقي أوّل وزير للبترول بل خير وزير للبترول على الاطلاق في بلاد العرب والمسلمين؛ فقد غيّر طريقة التعامل بين هذه البلاد وبين شركات البترول الغربيّة إلى درجة أقرب إلى العقل والعدل.
د – وكانت أوّل مقابلة بين الطريقي والصّحفيّة في نادي الصّيد والفروسيّة في الكويت، قالت: دخل النّادي عصر ذلك اليوم رجل يظهر أنّه ليس من الأمراء ولا من كبار الكويتيّين، ولكن كلّ من في النّادي من الأمراء والكبراء يحرص على السّلام عليه.
وبعد تبادل التّحيّة وقليل من الكلام والابتسام ذهب الرّجل إلى الإصطبل وامتطى فرسه وانطلق بها وحيداً منفرداً عن الجميع وَفْقاً لِطَبْعِه.
من هو؟ إنه يحمل أربعة جوازات سفر من الكويت والجزائر وسوريا والأردن، وفوقها جواز سفر من وطنه: (السّعوديّة).
إنّه الرّجل الذي رأى – قبل غيره – وسعى – أكثر من غيره – لإنشاء (أُبِك، منظّمة الدّول المصدّرة للبترول) لتَمْنَع شركات البترول الغَرْبِيّة من الانفراد بالقرار والأسعار، إنّه عبد الله الطريقي.
لقد بلغ تأثيره في مستقبل إنتاج وبيع البترول درجة صارت قصّة البترول في الشرق الأوسط هي قصّة حياته، إلاّ أنّه لم يكن مستعدّاً للمساومة، وكان رجلاً أميناً صادقاً حازما.
كان أبوه يملك قافلة جِمَال يسيِّرها (بين الزّلفي شمال نجد وبين الكويت) يوم وُلِد عبد الله عام1338هـ، وعندما بلغ السّادسة وضعه أبوه في (خِرْج) على أحد الجمال في إحدى رحلاته للكويت ليقيم مع أخ له من أبيه ويدرس معه في إحدى مدارسها، وكان عليه أن يتولّى كَنْسَ البيت أوّل النّهار، وإعادة الغنم من المرعى آخره.
وعندما بلغ الحادية عشر من عمره أرسله أبوه وحيداً على سفينة بخاريّة إلى الهند ليعمل عند تاجر أُمِّيٍّ كاتباً وحاسبا.
ثمّ عمل عند تاجر آخر أُعْجِبَ به فأرسله بخطاب تعريف إلى عبد الله السّليمان وزير المالية السّعودي فعادت به السّفينة إلى الكويت وأكمل سفره إلى مكّة على ظهر بعير.
أرسله عبد الله السّليمان الوزير الوحيد في حكومة الملك عبد العزيز رحمه الله يومها إلى القاهرة للدّراسة على نفقة الدّولة المباركة.
وكان همّه الأوّل: أن يتخرّج مهندساً رغم ضعفه في الكيمياء.
وتعرّف على ضابط مصري قال له: إنّ الله خلق الانسان وخلق معه رزقه، ولكن على الانسان أن يبحث عن رزقه، وأخبره أنّه عندما عمل في تركيا رأى الجيولوجيّين يبحثون عن المعادن في الجبال، فأعجبه ذلك.
وعندما أنهى الثانوية ألحِق بالبعثة السّعوديّة في جامعة القاهرة ثم بالبعثة السّعوديّة في تِكْسَس – أمريكا لدراسة الماجستر في الجيولوجيا.
وتعرّف على أمريكيّة تزوّجها وولدت له ابنه الأوّل (صخر).
بعد عودته من أمريكا أوّل سعودي مؤهّل في الجيولوجيا عُيِّن في عهد الملك سعود رحمه الله مراقباً على (أرامكو) ثمّ مديراً عاماً ثم وزيراً للبترول والمعادن.
لم يُغْرم الطريقي بأمريكا أثناء دراسته، ولم يُغْرم به الأمريكيّون في أرامكو بعد عودته مراقباً عليهم.
1) كان أوّل عربيّ يرفض السّكن في القسم العربي من قريتها في الظّهران، ويصرّ على السّكن في القسم الأمريكي، ورضخت الشركة لطلبه بعد تردّد
2) وَجَد الطريقي أخطاء في حسابات أرامكو فأجبرها على تعويض الدّولة المباركة بمبلغ (145) مليون دولار، (بلايين بحساب اليوم).
3) جعل الطريقي أكبر همّه أن يزيد نصيب الدّولة عن (50%) المتّفق عليه مع شركات الزّيت العاملة في المنطقة، وقضى سنة كاملة في مفاوضته مع شركة يابانيّة لتحصل الدّولة على (56%) في اتّفاق معها على انتاج البترول في الخفجي (المنطقة المحايدة مع الكويت).
4) كانت أرامكو تخصّ بعض شركات البترول الأمريكيّة (الشركات الأمّ) بتخفيضات في أسعار البترول الخام دون إذن أو معرفة دُوَل الانتاج.
فأقنع الطريقي ممثلي دول المنطقة المنتجة بإيقاف هذا التّعدّي على حقوقهم، واقترح إنشاء (أُبِك) لأخذ نصيبها في السّيطرة على حجم الإنتاج – وبالتّالي – على الأسعار.
5) ولم تجد (أرامكو) راحة من هِمَّة الطّريقي في التّفكير وهِمَّتِه في العمل لصالح دولته حتى استقال الطّريقي من منصبه وخَلَفَه دُمْيَة للاعلام الأمريكي لا يحتاج للتّفكير، فهو لا يَنْظِم خيطاً في إبرة حتى يتّصل بأحد ولاة الأمر، ووطّن زملاؤه في (أُبِك) أنفسهم على انتظار نتيجة المكالمة.
هـ – وبعد أن ترك الطريقي منصبه (أول مدير عام ثم أول وزير للبترول) تسابقت أربع دول بتروليّة عربيّة على الاستفادة من خبرته وفكره وأصالته، أمّا خَلَفُه فبقي دُمْيَةً إعلاميّة بين حين وآخر، يَجْتَرّ ذكرياته الفارغة من أيّ محتوى غير التّهريج.
و – ترك الطريقي العمل الحكومي خشية ألاّ يُوْلى الثقة التي أولاه إيّاها الملك سعود رحمه الله، وثبت على ولائه لدولة التّوحيد والسّنّة، أمّا خَلَفُه الدُّمْيَة فجعل من همّه الإساءة للدّولة التي ميّزها الله في دينها ودنياها، فعجز أن يكون مثل الكلب الذي لا يعضّ يداً أطْعَمَتْه.
ز – قلت: وممّا ميّز الله به عبد الله الطريقي قدرته على الاستفادة من تجاربه وتجارب غيره، فبعد أن أُخِذَ بمصطلحات: القوميّة العربيّة، والتّأميم، وبترول العرب للعرب، وجد أنّ البلاد التي تحوّلت من الملكيّة إلى الجمهوريّة ومن التّجارة الحرّة إلى الاشتراكيّة لم تحقّق في الواقع غير تأميم الفقر والخوف والظلم.
ح – وكنت أرجوا الله الذي ميّزه بالإصلاح الدّنيويّ أن يميّزه بالإصلاح الدّيني، ولم يخيّب الله رجائي فكانت لا تفوته صلاة الجماعة في مكتبه الخاصّ بإحدى المباني المعروفة بالرّياض، ولما تقدّمت به السّنّ صار يسبق جيران بيته إلى المسجد ويفوز بالدّعوة التّامّة (الأذان) إذا غاب المؤذّن.
ط – وكان أمراء الكويت يَعُدُّونه منهم لسابق إقامته ودراسته في الكويت ولاحِقِ عمله الاستشاري لدولتها، كما كان أمراء البحرين يَعُدّون غازي القصيبي منهم لسابق إقامته ودراسته فيها ثم عودته إليها سفيرا لبلاده ودولته العربيّة السّعوديّة.
رحم الله عبد الله الطّريقي وغازي القصيبي وجزاهما خير الجزاء على ما قدّما لوطنهما المميّز من الله في الدّين والدّنيا وخلفهما في أهلهما وفي السّعودية رعاتها ورعيتها بصلاح الجميع.
وليتهما وأمثالهما من القلّة المصلحين الدّينيّين والدّنيويّين السّعوديّين علماء وأمراء وأفراد يُقَدَّمون قدوة صالحة للنشئ في مناهج وزارة التربية والتّعليم (الصّفّيّة وغير الصّفّيّة) وعلى رأسهم ابن باز من العلماء والملك سعود من الأمراء وأمثالهم ممن لم يُوْفَوا حقّهم. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومتبعيه.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه.
مكة المباركة – 1435/11/6هـ.