جدّي (العمّ) عبد العزيز تلميذ الإمام محمد بن عبد الوهاب
جدّي (العمّ) عبد العزيز تلميذ الإمام محمد بن عبد الوهاب
بسم الله الرحمن الرحيم
طلب مني أخي في الدين والدعوة على منهاج النّبوّة /أبو الزبير عبد الرحمن عيروض تسجيل أهمّ ما أعرفه عن جدّي العمّ عبد العزيز بن عبد الله الحصيّن، ويجمعني به جدّي السّادس: عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد (الملقب الحصيّن) بن ماجد النّاصري العمري التّميمي، فشكرت أخي أبا الزبير وسرّني تنفيذ طلبه:
أ- اختاره شيخه محمد بن عبد الوهاب والإمام عبد العزيز بن محمد مرّتين رسولاً إلى أمراء مكة وكان أوّل وثاني رسول إليهم يبيّن لهم حقيقة الدعوة التي اصطفى الله لها الشيخ محمد والأمير محمد بن سعود وذرّيّتهما منذ عام 1357 هـ حتى يومنا هذا.
1) قال العلامة حسين بن غنّام في كتابه (تاريخ نجد) تحرير وتحقيق د. ناصر الدّين الأسد، ط 2 دار الشروق 1405 ص 135-136 (وهو مؤرخ المرحلة الأولى من مراحل دعوة ودولة التّجديد السّعوديّة):
وفي هذه السّنة [1085 هـ] أرسل الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير عبد العزيز [بن محمد بن سعود] إلى والي مكة أحمد بن سعيد هدايا، وكان قد كاتبهما وطلب منهما أن يرسلا إليه عالماً فقيهاً يبيّن حقيقة ما يدعون إليه ويناظر علماء مكة، فأرسلوا إليه الشيخ عبد العزيز الحصيّن ومعه رسالة منهما جاء فيها:
(إلى حضرة الشريف أحمد بن الشريف سعيد، أعزّه الله في الدارين وأعزّ به دين جدّه سيّد الثقلين. إن الكتاب لما وصل إلى الخادم وتأمّل ما فيه من الكلام الحسن رفع يديه بالدعاء إلى الله بتأييد الشريف لما كان قصده نصر الشريعة المحمّديّة ومن تبعها وعداوة من خرج عنها، وهذا هو الواجب على ولاة الأمور. ولمّا طلبتم من ناحيتنا طالب علم امتثلنا الأمر، وهو واصل إليكم، ويحضر في مجلس الشريف أعزّه الله تعالى هو وعلماء مكة؛ فإن اجتمعوا فالحمد لله على ذلك، وإن اختلفوا أحضر الشريف كتبهم وكتب الحنابلة، والواجب على كلٍّ منّا ومنهم أن يقصد بعلمه وجه الله ونصر رسوله، كما قال الله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنه}؛ وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أوْلى بالإيمان به ونصرته، وأولاهم بذلك أهل البيت الذين بعثه الله منهم وشرّفهم على أهل الأرض).
فلما وصل الشيخ عبد العزيز الحصيّن نزل على الشريف واجتمع مع بعض علماء مكة عنده، وتفاوضوا في ثلاث مسائل:
الأولى: ما نُسِب إلينا من التّكفير بالعموم.
الثانية: هدم القباب التي على القبور.
الثالثة: دعاء أموات الصّالحين للشّفاعة.
فذكر لهم الشيخ عبد العزيز أنّ نسبة التكفير بالعموم إلينا زور وبهتان. وأمّا هدم القباب التي على القبور فهو الحقّ والصّواب، وليس لدى العلماء فيه شكّ.
وأمّا دعاء أموات الصالحين وطلب الشّفاعة منهم والاستغاثة بهم في النّوازل فقد قرّر أئمة العلماء أنّه من الشرك الذي فعله القدماء، ولا يدّعي جوازه إلا مُلْحِد أو جاهل.
فأحضروا كتب الحنابلة فوجدوا أن الأمر على ما ذكر، واقتنعوا واعترفوا أنّ هذا دين الله، وهو مذهب الإمام المعظّم.
وانصرف عنهم الشيخ عبد العزيز مبجّلاً معزّزا.
2) وقال العلامة المؤرخ ابن غنام رحمه الله (ص 173-175):
وفي هذه السّنة (1204) أرسل غالب شريف مكة كتاباً إلى عبد العزيز بأنه يريد رجلاً عارفاً من أهل الدّين يعرّفه حقيقة هذا الأمر ليكون فيه على بصيرة، فأرسل إليه عبد العزيز الحصيّن، وكتب معه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رسالة للعلماء في مكة يبيّن فيها دعوته، وفيها: (من محمد بن عبد الوهاب إلى العلماء الأعلام في البلد الحرام، نصر الله بهم سنّة سيّد الأنام صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد جرى علينا من الفتنة ما بلغكم وبلغ غيركم، وسببه هدم بنيان في أرضنا على قبور الصالحين، ونَهْيِنا عن دعاء أموات الصّالحين، وأمْرِنا بإخلاص الدّعاء لله؛ فكَبُر على العامّة، وعاضدهم بعض من يدّعي العلم لأسباب مختلفة أعظمها: اتّباع الهوى.
فأشاعوا عنّا أنّا نسبّ الصّالحين وأنّا على غير جادّة العلماء.
ونحن ولله الحمد متّبعون لا مبتدعون على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وأنتم تعلمون رحمكم الله أن في ولاية الشريف أحمد بن سعيد وصل إليكم الشيخ عبد العزيز الحصيّن وأشرفتم على ما عندنا، فلمّا طلب منّا الشريف غالب أعزّه الله ونصره امتثلنا وهو واصل إن شاء الله، فإن كانت المسألة إجماعاً فلا كلام، وإن كانت مسألة اجتهاد فلا إنكار في مسائل الاجتهاد، فمن عمل بمذهبه في محل ولايته لا يُنْكر عليه.
وإني أشهد الله وملائكته وأشهدكم أني على دين الله ورسوله، وأني متّبع لأهل العلم. والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
فقدم عبد العزيز الحصيّن مكّة المشرّفة فأكرمه غالب واجتمع معه مرّات وعرض عليه رسالة الشيخ فعرف ما بها من الحقّ والهدى فأذعن لذلك وأقرّ به، ولكنّه بعد ذلك نكص على عقبيه وتمسّك بقديم سنّـته. فطلب منه عبد العزيز الحصيّن أن يحضر العلماء ليقف على كلامهم ويناظرهم في أصول التوحيد، فأبوا وقالوا له: هؤلاء الجماعة ليس عندهم بضاعة إلا إزالة نهج آبائك وأجدادك، ورفع يديك عما يصل إليك من خير بلادك؛ فطار لبّه وأصرّ على ما كان عليه. اهـ.
ب – ذكر الزّركلي في الأعلام أنّ الجدّ العمّ ولد عام1154هـ وأنّه توفّي عام1237هـ.
وأيّد العلامة ابن بشر سنة وفاته في كتابه (عنوان المجد في تاريخ نجد) تحقيق الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله ط 4 دارة الملك عبد العزيز ص464-468 فقال عنه:
(وفي هذه السّنة [1237] 12رجب توفّي الشيخ العالم الزاهد القاضي في ناحية الوشم زمن عبد العزيز بن محمد بن سعود وابنه سعود وابنه عبد الله بن سعود رحمهم الله تعالى: عبد العزيز بن عبد الله الحصيّن النّاصري الحنبلي قدّس الله روحه. كان رحمه الله تعالى عالماً عاملاً زاهداً وَرِعاً حليماً لا ينتصر لنفسه، محبّباً إلى النّاس، وليس للدّنيا عنده قدر، ولا يركن إليها ولا يتعاطاها، بل قطع دهره في كتب العلم وطلبه وبذله، وكان إذا دخل عليه – وقت الثمرة – قُوتُ سنة من البرّ والتّمر من بيت المال، وبقي عنده منه شيء وقت الثمرة الثانية أعطاهم إياه ولا يترك شيئا. وكان رحمه الله فاضلاً مهيباً فقيهاً، وجعل الله في علمه البركة للنّاس وانتفع بها رجال كثيرون في جميع النواحي ممن ولي القضاء وغيرهم.
وكان يحب طالب العلم محبّة عظيمة كأنّه ولده بالتّودّد إليه وتعليمه وإدخال السّرور عليه والقيام بما ينوبه من بيت المال. وكانت كلمته مسموعة وقوله نافذ عند الرؤساء ومن دونهم. وكان عنده حلقة كبيرة في التّدريس من أهل شقراء وأهل الوشم وغيرهم. وكان مجلسه للتّدريس في الفقه وقت طلوع الشمس إلى ارتفاع النّهار، وكان إذا فرغ من الدّرس رفع يديه ورفع الطلبة أيديهم، ثمّ دعا فأكثر الدّعاء والطّلبة يؤمّنون على دعائه.
وله مجالس في التّدريس للعامّة وقت الظهر والعصر وبين العشائين.
أخذ الفقه في صغره عن ابراهيم بن محمد بن اسماعيل قاضي بلد القراين في الوشم، ثمّ تفقه، وقرأ على شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب، أقام مدّة سنتين يقرأ عليه، وكان يكرمه ويعظّمه وهو الذي استعمله قاضياً في الوشم، وأخذ عنه العلم عدد من قضاة المسلمين، انتهى النقل.
وعدّ ابن بشر رحمه الله ممن أخذ العلم عن الجدّ العمّ من كبار القضاة بضعة عشر، أشهرهم العلاّمة/ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين قاضي الحجاز زمن الامام سعود بن عبد العزيز الأول، ثم قاضي عُمَان زمن الامام عبد الله بن سعود، ثم قاضي الوشم وسدير زمن الامام تركي، ثم قاضي الوشم والقصيم زمن الامام فيصل بن تركي.
وذكر ابن بشر ممن أخذ العلم عن الجدّ العمّ عبد العزيز أخاه الجدّ العمّ محمد بن عبد الله الحصيّن القاضي بمنطقة الوشم في عهد الإمامين سعود وابنه عبد الله رحمهم الله جميعاً.
قال ابن بشر: وأخذ عنه [الجدّ العمّ عبد العزيز] من العلماء ممن لم يَلِ القضاء الجمّ الغفير، رحمه الله وعفا عنه. انتهى النقل.
ج – وكان أخي في الدّين الشيخ إسماعيل بن عتيق وفقه الله قد رأى لي استخراج رسالة للجدّ العمّ عبد العزيز رحمه الله من: الدّرر السّنية في الأجوبة النّجديّة التي حقّقها العلاّمة عبد الرّحمن بن قاسم جامع فتاوى ابن تيمية رحمهما الله ونشْرها مستقلّة؛ فاستجبت شاكراً له، وهذّبتها وطبعتها في الأردن عام1417 بعنوان: (حقّ الله وحقّ أنبيائه وحقّ أوليائه)ط دار البشير – عمان. وهي مثل رسائل الدّرر السّنيّة – في الرّدّ على مناوئي دعوة التوحيد والسّنّة.
وأكثرها اقتباس من فقه ابن القيم الجوزيّة رحمه الله على منوال الفقهاء الأُوَل عندما كان العلم الشرعي مشاعاً بين المسلمين لم يدنّسه الشّحّ فلم تحجّره حقوق التّأليف الأوروبّية.
د – ومع أنّ الجدّ العمّ عبد العزيز رحمه الله كان في خدمة الدّعوة التجديديّة في مرحلتها الأولى أوّل يوم غزتها جيوش البغي العثماني فقد سَلِم من القتل والنّفي الذي ابتلي به علماء وأمراء الدّولة التجديدية.
أما النّفي فقد خصّ به آل سعود وآل الشيخ رحمهم الله، وأمّا القتل فخصّ به غالباً المدافعون عن الدّرعيّة وغيرها من مدن وقرى نجد ومنهم (21) من آل سعود كما ذكر ابن بشرص418ج1، قال: ذكرت عددهم وأسماءهم ليعرف صِدْقَهم ومباشرتهم القتال بانفسهم.
قلت: واستمرّ الغزومن بدايته إلى نهايته نحو سبع سنوات، والحمد لله على كلّ حال.
وكان الجدّ العمّ رحمه الله مريضاً في شقراء مرض الشيخوخة (وعمره نحو الثمانين) عندما عزم ابراهيم باشا على تدميرها واستباحتها كما فعل ببعض المدن والقرى بتهمة نقضهم العهد وعزمهم على محاربته.
ولكنّ الله رحم شقراء وأهلها فطلب الباشا أكبر ولاة الأمر فيها، فجيء بالجدّ العمّ عبد العزيز رحمه الله محمولاً على فراشه، ولأنه – مثلي – لا يأبه للألقاب سلّم عند الدّخول على الباشا بكلمتين: (سلام يا إبراهيم) وحجب الرحمة عن والي مصر حامي وثنيّة المقامات والمزارات والأضرحة.
لم يطرب الباشا للسّلام المقتضب ولكنّه اكتفى بترديد الكلمتين استهزاء بقائلهما، ثم سأل: ما رأيك فينا؟ وجاءه الجواب: غاشية من عذاب الله، وكأنّه أعجبه أن يكون كذلك، فسأل: وما رأيك في نقض جماعتك العهد؟ وكان الجواب: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله}، قال الباشا: عفونا يا عجوزه، وخرج من شقراء قائلاً: أردنا شقراء وأراد الله ضرما، فذهب قوله مثلا.
هـ – ويطيب لي أن أتذكّر وأذكّر غيري أنّ الله قدّر لي شرعاً وكوناً أن أسير على خطى الجدّ العمّ رحمه الله فأختار الدعوة إلى إفراد الله بالدعاء وغيره من العبادات والنّهي عن إشراك المخلوق مع الخالق في ذلك، وقدّر الله لي أن يكون مقرّ عملي مملكة الهاشميّين الوحيدة الباقية، وأقام الجدّ العمّ رحمه الله في وفادته إلى مكّة المباركة عشرين يوماً وأقمت في عمّان وما حولها من بلاد الشام أكثر من عشرين سنة، وكثير عليّ أن تكون سنتي بيومه في علمه وتعليمه وخلقه أسكنه الله الفردوس من الجنّة.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه.
مكة المباركة1435/10/26هـ.