الحرب الأهلية في سوريا بعد لبنان
الحرب الأهلية في سوريا بعد لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم
لجأ زعماء العرب (اللبنانيين) مرّتين إلى الدّولة السّوريّة لإنهاء الحرب الأهليّة اللبنانيّة (التي بدأت عام1975 إلى عام1989).
واستجابت الدّولة السّوريّة لطلب زعماء لبنان فأنهى الله بها الحرب.
وكانت بداية الفتنة بسبب تحركات المقاومة الفلسطينيّة بعد طردها من الأردن للسّبب نفسه عام1971، فَطُرِدَت المقاومة أيضاً من لبنان إلى تونس عام1982 تحت حماية800 جندي أمريكي و800 جندي فرنسي و400 جندي إيطالي، وأفراد المقاومة الفلسطينيّة يطلقون الرّصاص في الهواء علامة الانتصار كعادة العرب.
وبقيت المقاومة في المنفى نحو عشر سنوات حتى بَلَعَ ياسر عرفات لاءاته العتيدة واعترف بدولة اسرائيل ضمن مفاوضات السّلام السّرّيّة في أوسلو وانتهت بتوقيعه الاتفاق مع رابين وبيريز في أمريكا عام1993 في مقابل تخلّي إسرائيل عن إدارة أريحا وغزّة للسّلطة الفلسطينيّة، وكان أول وأبرز نشاط للسّلطة في منطقتها إداريّاً وتجاريّاً وسياحيّاً: كازينو للقمار وما يتبعه من الموبقات في أريحا، وهو ما لم تفعله إسرائيل منذ احتلالها المنطقة إلى هذا اليوم.
وكان رئيس جمهورية لبنان سليمان فرنجيّة قد طلب من سوريا التدخّل لوقف الحرب الأهلية اللبنانية عام1976 فدخلت القوات السّوريّة لبنان ضمن قوات الرّدع العربيّة ولكن الأخيرة تخلّت عن مهمّتها وتركتها للقوات السّوريّة فأنهت الحرب الأهلية في مرحلتها الأولى. ثم نشطت الحرب الأهليّة مرّة أخرى واستمرّت حتى عام1989 عندما اتّفق النّوّاب اللبنانيّون في اجتماع الطائف بوساطة الدّولة السّعوديّة على تفويض الجيش السّوري بالانتشار في لبنان وفَرْض وقف الاقتتال بين اللبنانيّين.
وأصدر البرلمان اللبناني عام1991 قراراً بالعفو عمّا اقْتُرِف في هذه الحرب من آثام بعد عودة السّلام إلى لبنان.
ومنذ ثلاث سنوات اشتعلت فتنة الحرب الأهليّة في سوريا بين الخارجين على الدّولة والمنشقّين عنها وبين الدّولة السّوريّة، والله وحده يعلم متى تنتهي وعاقبة بدئها وانتهائها.
ومع أن الحرب الأهليّة اللبنانيّة اعتمدت في استمرار اشتعالها على تدخّلات خارجيّة ذُكِر منها إسرائيل مع بعض النّصارى والعراق مع نصارى آخرين، فإن الحرب الأهلية السّوريّة الآن تسعّر بجهود خارجيّة لا يتيسّر حصرها يُذْكر منها: الأمم المتحدة وأوروبا وأمريكا وبعض دول الخليج في جانب الخارجين والمنشقّين، وإيران وحزب الله في جانب الدّولة السّوريّة.
والهَرْج (وهو الاقتتال) ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين علامات السّاعة فلا خير فيه لأيّ سبب إذا وقع بين المنتمين لأيّ طائفة، ولا خير في القتال إلاّ لسببٍ واحد: “لتكون كلمة الله هي العليا” ولم يعلن هذا السّبب في لبنان ولا في سوريا، ولا أعرف أنّه تحقّق منذ القرون الخيّرة إلا في حالة واحدة: قيام الدّولة السّعوديّة المباركة منذ منتصف القرن الثاني عشر الهجري لهدم أوثان المقامات والمزارات والأضرحة والمشاهد بين العراق وعُمَان وبين الخليج والبحر الأحمر، ولا تزال – لفضل الله عليها وفضله بها – قائمةً بهذا الأمر، ولو عادَتْها بسببه دول وشعوب المنتمين للإسلام، وتولّت كبْر ذلك دولة الخرافة العثمانيّة التي جرّت عليها جيوش المرتزقة من مصر وهدَمَتْ عاصمة الدّولة التي جدّد الله بها دينه لأول مرّة منذ القرون الخيّرة وقَتَلَتْ ونَفَت المئات من علمائها وأمرائها بحجّة أنّها وهّابية خارجة عن الملّة، واحتفل المسلمون عرباً وعجماً بهذا البغي والظّلم والعدوان، ولا يزال أكثرهم يقابل فضل الله بها عليهم بالحقد والحسد والغلّ والافساد، أو – على الأقلّ -: عدم الشكر والتأييد ولا شك ولا ريب أنه لا يجوز شرعاً ولا عقلاً إعانة واحد من أطراف القتال بالقول أو الفعل أو الدّعاء إلا بالهداية وإطفاء الفتنة وإنهاء الحرب، وبيان الحكم الشرعي.
وقد ضرب عبد الله بن عمر رضي الله عنه خير مثل في خروج ابن مطيع ومن شايعه على يزيد بن معاوية في المدينة تجاوز الله عنهم جميعاً فلم يُجِزْ لنفسه ولا لبنيه ولا للخارجين على يزيد نقض بيعة المسلمين لولي أمرهم التي طوّق الله بها أعناقهم حتى يموت أو يعجز عن أداء وظيفته فيختار أهل الحلّ والعقد لا (الغوغاء) غيره، وفي الوقت نفسه لم يُعِنْ أحَدَ طرفي الفتنة، بل نهى عن الخروج وعن الاعانة على استمرار الفتنة هدى الله الأطراف كلّها للتي هي أقوم.
كتبه/ سعد بن هبد الرحمن الحصين عفا الله عنه في 1435/6/26هـ