نصيحة وتصحيح [نقد فكر الأمير طلال بن عبد العزيز]
نصيحة وتصحيح [نقد فكر الأمير طلال بن عبد العزيز]
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصين إلى سمو الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود أعزهم الله بطاعته، ونصر بهم دينه، وثبتهم على شرعه:
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أما بعد: فقد اطلعت على بعض تصريحاتٍ منسوبة إليكم مصدرها (قناة الحرَّة الفضائية) الأمريكية في النصف الأخير من شهر رجب عام 1426، وهذه بعض الملحوظات عليها:
1- تذكرت أن سموَّ الأمير أدلى بتصريحات مثلها خارجة عن منهاج دولة التوحيد والسنة الأولى والوحيدة بعد القرون المفضلة، في المرحلة السادسة المتميزة للدولة السعودية المباركة التي اصطفى الله الملك سعودًا رحمه الله فيها لتنفيذ توسعة الحرمين، وتأسيس الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، وإنشاء أول جامعةٍ في جزيرة العرب، وجمع وطبع فتاوى ابن تيمية، وإهداء قصوره للمؤسسات التعليمية، وإنشاء أول طريق بين الرياض ومكة المكرمة، وإنشاء أول مستشفًى عامٍّ مركزيٍّ في الرياض، وأول مشروع للإسكان، إضافة إلى مباني الوزارات وتطوير الخدمات عامة؛ مما لا يسهل إحصاؤه.
ثم أبدى سمو الأمير نَدَمَهُ على ذلك في (قناة الجزيرة الفضائية) ـ أخيرًا ـ واعتذر بوقوعه في شَرَكِ إعلام الثورة المصريَّة الذي وقع فيه أكثر العرب فلم ترتفع أبصارهم ولا عقولهم لِتَبَيُّنِ هذه القِمَّة من قِمَمِ المجد الدينيِّ والدنيوي التي اختصَّ الله بها هذه الدولة المباركة بل جهلوا أو تجاهلوا أنَّ الملك سعودًا رحمه الله أوَّل من استعمل سلاح البترول دفاعًا عن مصر أثناء الاعتداء الثلاثيِّ على مصر عام: 1956، كما فعلت الدولة المباركة في المرحلة التالية عام: 1973؛ مضحيةً بأهمِّ ثرواتها الدنيويَّة.
2- أرجو الله ألا يَكْثُر التعرُّضُ للأَشراك الإعلاميَّة والوقوع فيها.
3- رغم مخالفتي التَّامَّة لرأي الأمير فلن أنازعه اختياره لنفسه عضوية البرلمان الغوغائيَّة على المَلَكيَّة الشرعيَّة، ولكن يجب عليَّ بما منحني الله من سنٍّ (فوق السَّبعين) وعلم شرعيٍّ (كلية الشريعة بمكة) وثقافة عصرية
(فلسفة التربية ـ جامعة جنوبي كلفورنيا) أن أنبِّه إلى أنَّ عضويَّة البرلمان ابتدأت بالوثنيَّة البدائيَّة، ثم الوثنيَّة اليونانيَّة، ثم الثورة الفرنسيَّة الغاشمة، وانتهت بتمثيليَّات مضحكةٍ تُشْترى فيها أصوات الأغلبية الغوغائيَّة بالولائم، والوعود الكاذبة لا بالحرية والرخاء والعدالة والمساواة وحدها ـ ممن لا يملك أيًّا منها ـ بل تصل من السخف إلى وعد أحد المرشحين ـ مثلاً ـ جميع الأمريكيِّين بأن يضع لهم (في كلِّ قِدْرٍ دجاجتين، وفي كلِّ كرَّاج سيارتين)!
ويكفي الأغلبيَّة وَصْفُ خالقها لها بأنَّهم: {لا يؤمنون} [هود: 17]، و{لا يشكرون} [البقرة: 243]، و{لا يعلمون} [الأعراف: 187]، {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ الله} [الأنعام: 116].
أما الملَكِيَّة الشَّرعيَّة فقد اختارها الله لطالوت واختارها لعَدَدٍ من أنبيائه ورسله مع النبوَّة والرسالة، فقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً} [البقرة: 247]، وقال تعالى عن داود: {وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة: 251]، وقال تعالى عن سليمان: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35]، وقال تعالى عن آل إبراهيم: {وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً} [النساء: 54]، وقال يوسف: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} [يوسف: 101]. ولم يختر الله لأيٍّ من خيار عباده (مَلَكيَّةً دستوريَّةً) كما ذكرتم عمَّن وصفوا ـ زورًا ـ بالإصلاحيين، ولا أعرف بينهم من يَصْدق عليه وصف المصلح الشرعي، وإنما مبلغهم من الإصلاح (الافسادي): (سمعت النَّاس يقولون شيئًا فقُلتُه)؛ التقليد الببَّغائي لمن خلاق لهم.
4- قال الله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]؛ فإذا كان الأمير وفقه الله لا يَقْدرُ دعوة ودولة التوحيد والسنة حقَّ قَدْرها أو بعض قَدْرها فليسأَل أهلَ الذِّكر والتاريخ مثل: ابن بشرٍ، وابن غنَّام، والجبرتيُّ، أو أهل الذِّكر والفكر مثل: محمد عبده، وأبو زهرة، والآلوسي، أو أهل الفكر والأدب مثل: طه حسين، والعقَّاد، والأمير شكيب أرسلان، أو أهل الاستشراق مثل: بروكلمان، وستودارد، وجِبْ، أو أهل الذِّكر الفرد وهم العلماء بشرع الله؛ مثل: الصنعانيِّ، والشوكانيِّ، وبهجت البيطار، ومحمد رشيد رضا، وعليّ الطنطاوي، وبشير السهسواني، ومسعود النَّدوي، وخليل الهرَّاس، وابن حجر آل بوطامي (وأكثرهم من خارج دولة التوحيد والسنَّة، وكثيرٌ منهم لا ينهجون في حياتهم نهجها، ولكن الله أنطقهم بالحقِّ والعدل)، وسيجيبونه بلفظ الأستاذ/ محمد بهجت الأثري ـ عضو المجامع العلمية والعربية في البلاد العربية (لا في بلده العراق وحدها) أن: (محمد بن عبد الوهاب) هو الرجل الذي أيقظ العربيَّ المسلم من سباتٍ في جزيرة العرب دام دهرًا ودهرًا، وأعاد إليه دينه الصحيح ودولته العزيزة المؤمنة، ودفعه إلى الحياة الفاعلة ليعيد سيرة الصدر الأول عزائم وعظائم وفتوحًا)، وأنَّ محمد بن سعود: (أنشأَ الله على يده قيام الدولة العربية المسلمة التوحيدية في جزيرة العرب بعد غياب عنها دام أكثر من ألف عام؛ لتعود كما بدأت مركز إشعاع على العالم) ص: 13 و48 مجموع دار البشير في عمان 1417/1996 (الدعوة على منهاج النبوة)، وهذا هو الحقُّ الذي لا ريب فيه، وفقكم الله لخدمة دينه.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن