ملاحظات على مناهج العلوم الشرعيّة

ملاحظات على مناهج العلوم الشرعيّة

بسم الله الرحمن الرحيم

1) في الابتدائي والمتوسّط.. يقوم منهج التوحيد في السّنوات كلّها على كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: كتاب التّوحيد والأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، ورسالة تلقين أصول العقيدة.

وقد أجري بعض التّعديل بوضع نبذة ميسّرة لمنهج العقيدة في السّنة الأولى الابتدائية.. وإضافة نبذة توضيحية بأسلوب عصري منذ السنة السادسة الابتدائية.. وهي جيدة بصفة عامة، ومع قِصَر كتاب التّوحيد وقَصْرِه على الابتدائي والمتوسّط فقد اختيرت أبواب منه للدراسة والاختبار وتركت الأبواب الباقية للقراءة والاستفادة دون اختبار.

2) أما الثانوي فقد عهد إلى الشيخ/ محمد قطب التأليف له فيما يتعلّق بالعقيدة منذ عشر سنوات تقريباً ولازالت مؤلّفاته تدرس حتى الآن.. وتمتاز مؤلفاته للسنوات الثلاث بملاءمتها للأسلوب العصري  في الكتابة ومزج العلوم الشرعية بما تتضمّنه العلوم المعاصرة عن الأرض والفضاء وما يحويه كل منهما من مخلوقات الله حسب الفهم المعاصر لها.. وقد قصرت مؤلفاته عن تقديم العقيدة الصّحيحة فيما يتعلّق بالعبودية لله وحده، التحذير من البدع الشركيّة الوثنيّة التي أضلت أكثرية المسلمين في هذا العصر وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

3) في السّنوات الابتدائية قبل السادسة صُرِف الاهتمام إلى تعليم الطّالب الصلاة وأحكامها، وفي السنة السادسة الابتدائية ضم إلى الصلاة ذكر بقية العبادات.. وجرى التّوسع في تدريسها تدريجياً بعد ذلك لتشمل أكثر أبواب الفقه وإن بقيت الفرائض مثلاً دون إشارة كافية إليها.

4) في السّنة الرابعة والخامسة الابتدائية يدرّس التّجويد – ودليل على أكثره – ومنذ الخامسة يدرس الحديث حتى نهاية المرحلة الثانوية.

5) يدرّس التفسير في المرحلة المتوسّط.. ويتوقّف تدريس الفقه بنهاية السّنة الثانية الثانوية.

6) يدرّس القرآن 7حصص أسبوعيا في الثلاث سنوات الابتدائية الأولى ويتناقص تدريجياً حتى يثبت على مقدار حصّة واحدة أسبوعيا في المتوسّط والثانوي، وهي قليلة جدّاً على نشئ دولة التّجديد بخاصّة.

المجتمع السّعودي خُصَّ من الله بنعم عظيمة تميّزه عن أكثر بلاد العالم.. نعمة من هذه النعم لا يشاركه فيها بلد آخر وهي أعظم النّعم نعمة العقيدة الصافية التي تركزت في قلب الجزيرة العربية بفضل الله ثم بدعوة الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وحماية الدّولة السّعوديّة إياها منذ القرن الثاني عشر الهجري..

ومع (الصّحوة) الدّينيّة المعاصرة في العالم كلّه وبخاصّة في المجتمع المسلم فأكبر ظنّي اليوم أن 75% من المسلمين الذين اتّجهوا إلى الله (خلال العقدين الماضيين) وإلى بيوت الله وشعائره والجهاد في سبيله والدّعوة إليه موصومون بالبدع الشركيّة والبدع في العبادة والطرق الصّوفيّة: بدائية جاهلة أو معقدة ضالّة.. ولا يكاد بلد مسلم خارج الجزيرة العربيّة يخلوا من وثن يدعى مع الله أو من دون الله سواء كان ضريحاً باسم نبيّ أو ولي أو عادة شركيّة وثنيّة يظنّ أنها تجلب النّفع أو تدفع الضرّ أو تقرِّب إلى الله.

ولا يكاد بيت من بيوت الله خارج الجزيرة العربية يخلوا من عبادة لم يشرعها الله في كتابه ولا سنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم ولا عرفت عن أحد من السلف الصالح..

ولا شكّ أن المسؤوليّة في تصحيح هذا الفساد تقع بالدّرجة الأولى على المجتمع السّعودي حكومة ورعيّة إذ اصطفاهم الله وخصّهم بسلامة الركيزة الأساسية لدينه: سلامة المعتقد.

وإدراكاً لهذه الحقيقة تميّز منهج العلوم الدّينيّة في مراحل التّعليم العام بالمملكة عنه في أقطار المجتمع الاسلامي الأخرى من حيث الكيف والكم فبينما يحتوي المنهج الدّيني خارج المملكة على ما يسمى بمقرّر الثقافة الاسلاميّة.. عرف القائمون على التّعليم في المملكة الحقّ لأهله فخصّصوا درساً مستقلاًّ في التّوحيد يبدأ من السّنّة الأولى الابتدائية حتى نهاية المرحلة الثانوية واختيرت له كتب ورسائل الشيخ المجدِّد إضافة إلى دروس مستقلّة في القرآن والفقه والحديث وعلوم القرآن..

ومع مرور الزمن والتطلّع إلى تقليد الأقطار الأخرى والتّأثر بالنّظريات التربويّة المتغيّرة من قريب ومن بعيد ظهرت وجهات نظر جديدة من داخل الجهاز التعليمي وخارجه تؤكّد حاجة المنهج إلى الاصلاح فدخلت المنهج علوم عصرية جديدة زاحمت العلوم الشرعية والعربية على الحصص.. ومع تغيّر المجتمع وتوزّع اهتمامات الطالب بدأ الاحساس بصعوبة بعض المقررات على مدارك الطلاب فأزيلت.. وجاء من يقول: أنّ كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أُلِّفت لمجتمع قديم مضى واكتشفت معلومات جديدة ووسائل وأساليب مناسبة لابد من الاستفادة منها.. واستجابة لهذا المنطق أزيلت كتب الشيخ المجدِّد من مقرّرات المرحلة الثانويّة وعوّضت بمؤلّفات عصريّة لمؤلّفين من غير هذه الجزيرة العربية لم تتوفر لهم الحساسية الكافية ضدّ البدع في العقيدة والعبادة والمعاملة لأنهم عاشوا بين ظهرانيها وألفوا الاحتكاك بها فلم تعد قلوبهم تنكرها أو تعوّدت ألسنتهم واقلامهم السّكوت عنها.

ولو استمرّ الانحدار في هذا الاتّجاه لفقدت الجزيرة العربية أعظم نعمة منّ الله بها عليها وعلى أهلها ولسدّت النّافذة الوحيدة التي يدخل منها الأمل لإصلاح بقيّة المسلمين سواء عن طريق الكتب والمقرّرات التي توزّع على بلاد العالم وخاصّة في آسيا وأفريقيا.. أو عن طريق الدّعاة الذين تنتجهم مدارسنا.. أو القدوة الصّالحة التي تنفرد هذه الجزيرة بتقديمها للناس كافّة.

وفي طريق الاصلاح أتقدم ببعض الاقتراحات يمكن طرحها أمثلة لبعض خطوات الاصلاح وهي مستقاة من خبرة بعض العاملين في التعليم:

1) تخصيص الثلاث سنوات الأولى من المرحلة الابتدائية لتعليم القرآن (ومن خلاله القراءة والكتابة) على النمط القديم الذي بدأ الاتّجاه التربوي العالمي يعود إليه: تعليم الحروف على مختلف حركات الاعراب: بَ بِ بُ بْ.. ثم الكلمات والجمل من القرآن الكريم مع تعويد الطالب التلاوة الصحيحة بالتّلقين لا بدراسة أحكام التّجويد، ولعلّ من الخير تخفيض عدد الحصص اليومية للأطفال في هذه المرحلة (1و2و3) حسب رأي بعض العاملين في التّعليم لتكون أربع حصص بدلاً من ستّ حصص لتساعد على توفير المدرّس السعودي الذي لا يؤتمن على تعليم الدّين في هذا البلد غيره ولتركيز ذهن الطفل على هذا الحدّ الأساسي من المعرفة.

2) الاستمرار في تدريس كتب ورسائل الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب في جميع مراحل التّعليم العام (ومن بينها المرحلة الثانوية الخالية حالياً منها) وإبراز هذه الأهمّية في مقدّمة كلّ مقرّر  حتى لا يأتي في المستقبل من يغيّره بحجّة قِدَمِه وعُسْرِه، وهو العقيدة التي بها نحيى وبدونها نموت.

3) دراسة جميع ابواب التّوحيد.. وإذا ضاق عنه وقت المرحلة المتوسّطة نقل بعضه للسّنة الأولى من المرحلة الثّانويّة.

4) في بقية المرحلة الثانوية وربما في باقي المراحل قبلها تقرر كتب ورسائل أخرى للشيخ/ محمد بن عبد الوهاب وشيخ الاسلام ابن تيمية مثل: كشف الشبهات والعقيدة الواسطيّة وهما من المقررات في مراحل التعليم العام من قبل.

5) لعلّ من المناسب الاعتماد على القرآن في تعليم قواعد اللغة العربية وكذلك الرسم لأنه الأساس الثابت الصحيح للغة العربيّة ويكفي الدّارس من أساليب العصر ما يتلقاه من وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئيّة.

6) ويمكن أن يقال مثل ذلك في المطالعة والتعبير.. ويضاف إلى القرآن: الحديث الصحيح وكتب بعض علمائنا الأعلام مثل ابن القيّم رحمه الله.

7) استمرار دراسة علم الفقه حتى نهاية المرحلة الثانوية.. بل يجب أن تمتد دراسة العلوم الشرعيّة الاساسية حتى نهاية المرحلة الجامعيّة فإن أكثر خريجي الجامعات أشباه عوام في أساسيات الدّين.

8) إعادة النظر في توزيع أبواب الفقه لتلائم سنّ الطالب الذي يدرسها (خاصّة قبل البلوغ).

9) إذا احتاج الأمر.. فيمكن أن يوضع كلام الشيخ المجدِّد رحمه الله متناً في المقرّر الدّراسي ثم يشرح بما يناسب مستوى الدّارس وحاجة المجتمع المسلم عامّة فالمسلم للمسلم كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً..

وهو في حاجة إلى التّعليق عليه بأمثلة البدع الجديدة شركية أو غيرها مما طرأ على المسلمين بعد عصر الشيخ المجدِّد.

10) تأهيل وتدريب مدرّسين سعوديّين لأخذ وظائف غير السّعوديّين في تدريس العلوم الشرعية.. لما سبقت الاشارة إليه من إلفة أكثر المسلمين للمبتدعات والمنكرات. والله الموفق.

ملاحظة إضافية:

تعمل وزارة المعارف على طبع مقرّرات جديدة لدروس التوحيد في المرحلة الثانوية لنخبة من طلاب العلم في هذا البلد وهي جيّدة نسبياً ولكن لعلّ من الخير عدم فتح الأبواب لتغيير المنهج الأول المركّز على العقيدة حتى لا تذهب الأهواء والآراء بها مع الأيام.

كتبه/ سعد بن عبدالرحمن الحصيّن