صديقٌ فرنسيّ لمحمد علي يصف محاربته للدّين الحقّ

صديقٌ فرنسيّ لمحمد علي يصف محاربته للدّين الحقّ

بسم الله الرحمن الرحيم

فِلِكْس مَنْجان: مؤرِّخ فرنسي رافق حملة نابليون على مصر، وبقي فيها نحو أربعين سنة، وألّف كتابه: (تاريخ مصر في عهد محمد علي) بين عام 1801و1823 كريكورية.

وله ميزة على أبرز مؤرّخي الواقعة العلاّمة ابن بشر رحمه الله أن فلكس استمع إلى وجهة نظر المحاربين للدعوة في

مصر من قادة جيش الضّلال ومرافقيهم، واستمع إلى وجهة النّظر السّعوديّة من أمرائها وعلمائها الذين نفوا إلى مصر، ومن أبرزهم الشيخ عبد الرحمن بن حسن والإمام فيصل بن تركي آل سعود رحمهم الله جميعاً.

وهذه الحرب التي شبّهها الشيخ د. صالح العبود (رئيس قسم السّنّة في الجامعة الإسلاميّة بالمدينة النّبويّة ثمّ رئيس هذه الجامعة فيما بعد) بالحرب الصّليبيّة وأيّده: د. زكريا بيّومي أستاذ التّاريخ الحديث في جامعة المنصورة بمصر؛ هذه الحرب استمرّت نحو سبع سنين بأمر من سلطان الخرافة العثمانية/ محمود الثاني بن عبد الحميد الأول، وتنفيذ محمد علي وابنه طوسون ثم مكفوله ابراهيم باشا، وبدأت أوّل عام 1811 وانتهت آخر عام1818 كريكورية.

ومن قراءة تاريخ فِلِكْس منجان (ترجمة د. محمد خير البقاعي ونشر دارة الملك عبد العزيز عام 1424) يظهر لي أمران:

1) أنّ محمد علي وإبراهيم باشا وطوسون  كانوا أقلّ سوءاً من السّلطان المجرم الأثيم، ولولا أنّه أرغم محمد علي على حرب الدّولة والدّعوة السّعودية المباركة لما خَطَرَت بباله ولَمَا رغب في بذل ما بذله من هَمٍّ وجُهْد وعرّض نفسه وأقرب أهله لما تعرّضوا له من مشقّة وعناء، ومات ابنه طوسون فور عودته من جزيرة العرب أثناء محاولته تعويض حرمانه من الملذّات بصحبة بعض جواريه من جورجيا، وظُنَّ أنّ إحداهنّ نقلت إليه مرض الطاعون.

وذكر فلكس مانجان أنّ ابراهيم باشا استقبل الإمام عبد الله ابن سعود في نهاية الحرب استقبالاً تبدو عليه مظاهر الودّ، وأنّه أجلسه عنده وسأله عن سبب استمراره في الحرب رغم رغبة النّاس في الاستسلام، فأجابه: (لقد انتهت الحرب الآن، أمّا ما حدث فقد كان بقضاء الله وقدره، لقد نصرك الله ولم يهزمني جندك، ولكنّ الله كتب عليّ الهزيمة). ويروي أنّ ابراهيم قال لعبد الله: إذا أردت الاستمرار في الحرب أعطيتك ما تحتاجه من البارود والذخائر، ويروي مثل هذا النّاس في شقراء: أنّ أهل القراين قالوا: لو في (كميت) ماء حَرَبنا الباشه، فقال: أعطيكم الماء واحرب يا قَرْن الشيطان.

ويذكر فلكس أن محمد علي استقبل الإمام عبد الله استقبالاً يليق بمثله وخصّص منزل اسماعيل باشا مكاناً لإقامته وخلع عليه عباءة التّشريف وكتب لسلطان الخرافة العثمانيّة يطلبه العفو عنه، وسأله عن رأيه في إبراهيم باشا فقال: (أدّى واجبه وفعلنا نحن مثل ذلك، وما أراده الله كان).

ويذكر أنّ محمد علي قرّر للمنفيّين من آل سعود مخصّصات شهريّة تعينهم على الحياة في مصر.

وذكر: أنّ سلطان الخرافة لم يستجب لالتماس محمد علي العفو عن الإمام عبد الله، وكان قراره بلا رحمة، (لقد ذهب عبد الله ضحية الحقد العثماني فطافوا به في المدينة ثلاثة أيّام [على حمار] ثم قطعوا رأسه في ساحة أياصوفيا مع رفيقيه التّعيسين).ص 184.

وقبل ذلك لقي عبد الرحمن المضايفي أحد قادة الجيش السّعودي المصير نفسه على يد السّفّاح محمود بن عبد الحميد.

2) أنّ الجيش التّركي لم يكن قادراً على هزيمة الدّولة والدّعوة كما قال فلكس، فالصّحراء وأهلها البَدْو سدّ منيع أمام الغزاة أمثالهم فرأى لأنّه لابدّ من عزل البَدْو عن الدّولة السّعوديّة بشتى المغريات وأهمّها المال، ثمّ وجد ما يحقّق غايته في شخص فيصل الدّويش شيخ مطير [جدّ فيصل الدّويش الذي خرج بعد 120سنة على الملك عبد العزيز رحمهم الله جميعاً]، وقد قابل فيصل إبراهيم في طريق الثاني إلى الرّسّ وعقد اجتماعاً طويلاً انتهى: بوعد فيصل بتعيينه حاكماً على الدّرعيّة، وتبعيّة فيصل للقيادة العامّة لجيش إبراهيم، وتزويده بوسائل النقل والمؤن، وتبعيّة قبيلة مطير للجيش التّركي، وبذل فيصل كلّما في وسعه (ومعه غانم بن مضيّان) لجعل البدو ينفضّون عن الإمام عبد الله بن سعود (ص140-143).

وبدلاً من أن يفي إبراهيم بوعده بعد انتهاء الحرب طالب فيصل بدفع ضرائب عن الخمس سنوات الماضية وأرسل معه اثنين من حراسه لاستلامها، ولما وصل فيصل إلى مأمنه طرد حرّاس إبراهيم وقال:

قولا له: إنّ إسهامي في سقوط عبد الله لا يقلّ عن إسهام جيشه ولكنّه قابلني بأسوأ أنواع الجحود، وإذا كان يريد منّي شيئاً فعليه أن يأتي لأخذه مني عند قبيلتي)، قال فلكس مانجان: (كان باستطاعة فيصل أن يهزم الأتراك ويخلّص بلاد نجد من أعدائها ولكنّه فضّل الاعتزال في الصّحراء)ص188و189. وما مثله فيما ذكر فلكس إلاّ كمثل غالب بن مساعد شريف مكّة المباركة كان شوكة في جنب الدّولة السّعوديّة وخانها بالانضمام إلى جيش العدوان ولما انتهوا منه كافأوه بالنّفي في سالونيكا ومصادرة أمواله وأملاكه ثمّ شُفِع له عند سلطان الخرافة العثمانية فردّ عليه ماله ولكنّه مات في المنفى بضع سنين (ص68-79).

ومن الطرائف ما ذكره فلكس عن حملة طوسون أنّ جيشه هاجم تربه بقيادة مصطفى بيك فخرج أهلها بقيادة امرأة من قبيلة البقوم اسمها غالية فهاجموا فرقة المدفعية التركية وأجبرتهم على الفرار تاركين وراءهم مدفعيتهم وأمتعتهم وسبعمائة من القتلى، وذكرها الجبرتي ومحمود فهمي.

وهذه نادرة فالمسلمون لا تقودهم النّساء في عهد النّبوّة والصّحبة والاتباع، ولا في العهد السّعودي الذي مشى على نهجهم.

ولم يبرئ فلكس مَنْجان محمد علي وقادة جيشه من القسوة والفرحة والاحتفال بهزيمة الدّولة والدّعوة السّعوديّة، ولكنّهم بلا شكّ كانوا خيراً من السّلطان، وحصل منه محمد علي على الثّمن: مُلْك مصر.

وذهب الجميع وبقيت دولة آل سعود ودعوتهم والحمد لله حمداً كثيراً مباركاً.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن في 1435/2/7هـ بمكة المباركة