من حقّ الله ورسوله ودينه المحافظة على لغة القرآن والسّنّة
من حقّ الله ورسوله ودينه المحافظة على لغة القرآن والسّنّة
بسم الله الرحمن الرحيم
منّ الله على عباده بأن أرسل كلّ رسول إليهم بلسان قومه ليبيّن لهم، قال الله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه ليبيّن لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم}.
وكان آخر الرّسل صلوات الله وسلامه عليهم: محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلّم من جزيرة العرب التي اختارها الله لبناء بيته الحرام منذ إبراهيم وإسماعيل وهما من أجداده الأُوَل، وأمره الله باتّباع ملّة أبيه إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين.
وأنزل الله تعالى آخر كتبه بلسان العرب الذين بُعِث فيهم ومنهم خاتم الرّسل محمد صلى الله عليه وسلم، ووصفه الله عزّ وجلّ بقوله: {قرآناً عربيّاً غير ذي عوج}، وبقوله: {وهذا لسان عربيّ مبين}.
ولكنّنا أبناء جزيرة العرب لم نشكر نعمة الله عليهم حقّ شكرها (في هذا العصر بخاصّة)، بل استبدلنا الذي هو أدنى (لغة وسائل الاعلام) بالذي هو خير (لغة القرآن والسّنّة).
ولا شكّ أنّ هذه المصيبة بدأت منذ كَثُر دخول الأعاجم في الاسلام ثم منذ أمر المأمون رحمه الله بترجمة كُتُب الفلسفة اليونانيّة واستقدم المعتصم رحمه الله آلاف الأعاجم لمختلف الأغراض وانتهى الأمر بولايتهم.
وفي النّصف الثاني من القرن الأول بدأت محاولات الإصلاح واشتهر أبو الأسود الدّؤلي ببدايتها، وإن قيل بأن اهتمامه لم يتجاوز التّنقيط والتّشكيل، ثم اشتهر بوضع قواعد النّحو في آخر القرن الثاني الخليل بن أحمد وتلميذه سيبويه رحمهم الله جميعاً، ولعل الخليل وسيبويه اعتمدا في وضع قواعد اللغة العربية على الشعر الجاهلي أكثر مما اعتمدا على القرآن والسّنّة، وإن صحّ هذا فقد بدأ بهما استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، الأمر الذي نعاني منه إلى هذا اليوم.
القرآن والسّنّة أصفى وأصحّ وأثبت وأبقى مرجع للّغة العربية الفصحى، ولقد حاولت منذ 45سنة أن أقنع وزارة المعارف ومديرية التّعليم بالرّياض، واستعنت بالله ثمّ بالشيخ ابن باز وبالنّحويّين بالرّجوع إلى هذه اللغة التي اختارها الله لكتابه وسنّة رسوله وشَرْعه لتكون هي مرجع اللغة العربيّة إعراباً ورسماً وأسلوباً وتعليمها النّشء في المدارس منذ الابتدائيّة حتى نهاية الجامعة.
ولنعرف الدّرك الذي هوى إليه الجهل بالفصحى أذكر محاولةً لخير النّحويّين د. محمد المفدى لبيان أخطاء الجرايد فظنّ أنّه محتاج لأعداد كثيرة من كلّ الجرايد والمجلاّت السّعوديّة ليكتب كتاباً عن أخطاء الكتّاب ومنهم الدّكاترة لا العوام، ودُهِش عندما وجد أنّ عدداً واحداً من جريدة واحدة ملَأتْ أخطاؤه كتابه دون حاجة إلى البحث في عدد آخر ولا جريدة أخرى، وقرأه أحد أعضاء هيئة كبار العلماء ممن يجمع بين الفقه والفكر والامتياز في معرفة قواعد اللغة العربيّة، فقال لي: كلّما ذكره من أخطاء قد تعوّدت الوقوع فيها حتى قرأت هذا الكتاب.
ويروي أستاذي في الفقه الشيخ علي هندي (الأستاذ في أوّل كلّيّة أسِّست في المملكة المباركة عشرات السّنين ثمّ المدرّس في المسجد الحرام حتى توفاه الله) يروي أنّه كان في زيارة للشّيخ السّلفي محمد نصيف رحمه الله مع الشّيخ صالح بن عثيمين (والثلاثة لا يحملون غير شهادة أن لا إلاه إلاّ الله وأنّ محمداً عبده ورسوله) فوجدا عنده ثلاثة من الدّكاترة أساتذة الجامعة، فلمّا تعارفوا سأل ابن عثيمين د. العربيّة عن إعراب هذا البيت: (بثينةَ شأنها سلبَتْ فؤادي=بلا ذنب أتيْتُ به سلاما) فقال: لا أدري، ثم سأل د. التّاريخ عن الفرق بين الغزوة والسّريّة فقال: لا أدري، ثم سأل د. الحديث عن الفرق بين المرسل الخفي والمرسل المطلق، فقال: لا أدري، فالتفت إلى محمد نصيف قائلاً: دكتور! فضحك حتى استلقى على كرسيّه، وكان محمد نصيف أسكنه الله الفردوس من الجنّة إمام السّلفيّين في الحجاز يؤمّونه للضّيافة (ومنهم الملك عبد العزيز رحمه الله عندما فتح الله عليه جدّة كان بيت نصيف أول منزل له، ويؤمّونه للشفاعة ويؤمّونه للحصول على الكتب، وكان عضواً في وفد أرسله الملك علي بن الحسين للتّفاوض مع الملك عبد العزيز، ولما عاد إلى جدّة اتّهمه بعض أعضاء الوفد بأنّه مالأ الملك عبد العزيز رحمهما الله، فنُفِي إلى العقبة، ولم يَبْق الملك علي رحمه الله بعده في مُلْكه القصير إلا قليلاً ثم نفاه الله تعالى وأعاد محمد نصيف إلى منزله.
وزار بعض عوامّ جماعة التّبليغ دكتوراً في الشّريعة وعميداً لكلّيتها بضع عشرة سنة ويلقّب بالدّاعية الاسلامي الكبير ومن قادة حزب الإخوان المسلمين، في بلد عربي مجاور، وفي أوّل عشر ذي الحجّة، فسألوه عما يسنّ أو يكره للمضحّي، فلم يهتد إلى جواب، فسأله أحدهم: لا يأخذ من شعره ولا من ظفره شيئاً؟ فضحك الدّكتور عميد الشّريعة من جهله وعلّمه ما لم يعلم: لا يأخذ من شعر الخروف ولا ظفره شيئاً.
إذن فالشّهادات الدّراسيّة لن تُصْلِح حال اللغة العربيّة لو أنّها اهتمّت بذلك يوماً، وإنّما الأسهل والأيسر والأصحّ والأقرب للشّرع والعقل: أن نُحَكِّم لسان القرآن والسّنّة الذي اختاره الله عزّ وجلّ لكتابه ولرسوله ولدينه، ولأمّة محمد من العرب ديناً ودنيا، ولأمّة محمد من العجم دينا.
وليت هذا يبدأ من السّنة الأولى الابتدائيّة بتلقين الأطفال كلام ربّهم أكثر اليوم الدّراسيّ لتتعوّد ألْسِنتهم وعقولهم على تلاوة وتدبّر القرآن منذ بدء التّعليم نظاماً وشرعاً: ” مروا أبناءكم بالصّلاة لسبع“، وقد كان ماضي مدارسنا أقرب إلى ذلك من حاضرها إذا صحَّتْ رواية سعوديٍّ عاد من بعثته في أمريكا وكان ابنه قد جرّب المدرسة الابتدائية الأمريكيّة، ولكنّه لما سأله عن يومه الأول في المدرسة السّعوديّة قال بغضب: قرآن، قرآن، قرآن، قرآن، مطالعة.
ثمّ تغيّر الاتّجاه تبعاً لهوى الأطفال وقبله هوى الغرب والمتغرّبين.
وقد حاولت – على ضعفي – أن أدلي بدلوي مع دلاء الاصلاح القليلة، فلما أسّسْتُ المدرسة الابتدائية المتوسّطة في الرياض أبعدْتُ عنها أحكام التّجويد التي شُرِعَت بغير إذن الله كما فهمْتُ بَعْدُ من الشيخ ابن باز وابن عثيمين وابن سعدي وابن تيمية وابن حنبل وغيرهم لأنها تزاحم تعليم القرآن في المدارس باسم الدّين، وطلبت من معلّم القرآن تعريضهم للتّلاوة الصّحيحة من تسجيلات إذاعة القرآن، ولا أدري عما حدث بعدي، والله وليّ التّوفيق.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن- بمكّة المباركة في 1435/02/15هـ