من حق السلفي على أخيه
من حق السلفي على أخيه
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصين: إلى أخي في الدين وفي وطن أسس من أول يوم على شرع الله من الكتاب والسنة بفهم أئمة السلف في القرون المفضلة والدعوة إلى الله على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، إلى أحمد الزهراني وفقه الله لطاعته وخدمة دينه على منهاج النبوة وهداه صراطه المستقيم.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد: فشكر الله لكم على هديتكم بعنوان: (عقيدة الشيخ ربيع في الإيمان وغيره هي عقيدة السلف الصالح) وجزاكم الله خيرًا فقد استفدت من تقرير الشيخ (نصر الله به دينه) عن مسائل الإيمان التي وفقه الله للكلام عنها، واستجابة لطلبكم هذه بعض ملحوظاتي على مؤلفكم لعلها تساهم في زيادة الانتفاع به:
أ- أقلها أهمية ما يلي:
1) حفظ حقوق الطبع للمؤلف؛ لا أصل له في الكتاب ولا في السنة ولا فقه سلف الأمة، ولم يعرف في بلاد النصارى قبل قوانين الثورة الفرنسية الضالة، ولم يعرف في بلاد المسلمين قبل القرن الماضي، بل اعتذر واضع القوانين العربية (السَّنهوري) عن تجنبه أخذه من الشريعة لأنها لا تُمَلِّك إلا المحسوس؛ فهو خارج عن سبيل الشرع، وعن سبيل العقل أيضًا لأن الكتاب إنما وجد لينتشر، وحفظ الحقوق الطاغوتية يعوق نشره، وتحجير العلم الشرعي معصية.
2) واستجداء مقدمة أو أكثر أمر محدث في القرن الماضي لم يكن عليه أمر السلف الذين ننتمي إليهم بفضل الله، جعلنا الله أهلًا لذلك، وقد يرى فيه مثلي تزكية للنفس بطريق مُلْتَوٍ مُبَطَّن، والله تعالى يقول: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32].
3) والسجع في العنوان وغيره (كما في آخر ص 29 وأول ص 30) حدث في عصر التراجع عن سبيل المؤمنين (في عصر النبوة والصُّحبة والاتِّباع) إلى سبيل الاهتمام بالشكل، ومنه المحسنات اللفظية وأبرزها السجع، فلن تجده في مؤلفات الأئمة في القرون المفضلة، كما لن تجد المقدمات ولا حفظ الحقوق المزعومة، وإنما الحق للأمة التي علمت الكاتب وقدمت له وسائل الكتابة والنشر، ولم يخترع الكتابة (لا لغتها ولا وسائلها) ولا عَلِمَ شيئًا دون أن تعلمه إياه بفضل الله.
4) والتكرار هو الذي كثر عدد الصفحات فأهدر النفقة على غير طائل، والمطلوب شرعًا: القصد في الغنى والفقر، وكلما كثر عدد الصفحات قلَّ القراء في عصر الملهيات وليس أقلها: شبكة المعلومات.
5) ومن السَّرف والخطل: نقل كل ما يقوله المنقول عنه ولو كان لا معنى له مثل كلمة: (يعني) ص 50 سطر 13 وتناقض: (ابن باز، ابن عثيمين حاربه، ابن عثيمين، ابن باز، الفوزان تكلم به، ص 85 سطر 15)، من حق المنقول عنه ومن تبصر الناقل ألا ينقل إلا ما يفيد.
6) وإذا كان لا بدَّ لمؤلف أن يحكم العادة ويستجدي التزكية أو التقريض فالأولى أن يكون على مثال مقدمة الشيخ د.محمد بازمول وفقه الله (فلا يحرم الضيف ولا تفنَى الغنم)، لا تترك العادة والتقليد المحدث ولا تهدر النفقة.
ب- وأكثر الملحوظات أهمية في رأيي ما يلي:
1) السلفيون حقًّا هم الفرقة الناجية (بإذن الله وفضله)؛ وعلى هذا فهم الأقلون (اليوم) الأكثرون (يوم القيامة)، وهم أهل لأن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن لا يتعاونوا على الإثم ولا على العدوان أبدًا، ولا يجوز أن ينشروا أخطاءهم ليستفيد منها الشيعة والصوفية والقبورية والفكريون والحزبيون والحركيون، فيخربوا بيوتهم بأيديهم وأيدي أعدائهم. وإذا كان للمنقول عنه حق للرد على (منتقده بالباطل) فليس لغيره أن ينفخ في نار الفتنة بين السلفيين كمثل الوزغ ينفخ في نار إبراهيم عليه السلام، وقد ابتلي علماء السلف اليوم بتوظيف الشيطان عددًا من الشباب المتحمس الرابض حولهم، يسيء إليهم وإلى السلفية بما يظن أنه دفاع عنهم، والأولى ألا ينتصر أي منهم لنفسه بل يعفو ويصفح ويحتسب الأجر والدفاع والنصر عند الله {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34-35]. وفي الحديث: ” إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملَّ“ لمن قال: (إن لي أبناء عمٍّ أكرمهم ويهينوني، وأحسن إليهم ويسيؤون إليَّ، أو نحوه). وبما أننا نوالي في أصل الاعتقاد والاتباع، فإن أخانا السلفي أولى ببِرِّنا وعفونا، ولنا (بل علينا) أن نبين الحق ونرحم الخلق فيما نختلف معه فيه.
2) قال الشيخ د. عبد الله البخاري وفقه الله في مقدمته: (وليس من العلم في شيء السفه والطيش والاستخفاف والسباب ونحوه من مسالك أهل الظلم والهوى) ص 22 سطر 7. وهذا هو الحق والحمد لله على توفيقه، ولكن ألا يعد من الاستخفاف أو السباب..الخ.. وصف مسلم سلفي المعتقد بأن (قلمه لا يرعف إلا بالشر)؟ ص 23 سطر 3. لا أتصور أن قلمه (كائنًا من كان) لم يكتب بسم الله أو الحمد لله أو أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. وهل يجوز الاستدلال على ذلك بكلام ابن تيمية رحمه الله عن الخرافيين والقبوريين؟ فضلًا عن اتهام طالب علم سلفي بالإفك والخيانة والكذب والتحريف، بل بالرفض والتصوف وما لا يمكن ذكره: (أسوأ من الرفض والتصوف والإفك؟).
3) ونقل الشيخ د. عبد الله البخاري وفقه الله عن الشيخ الألباني رحمه الله حكمه على مخالفي الشيخ ربيع وفقه الله والشيخ مقبل رحمه الله بأنهم بين اثنين: جاهل فُيَعلَّم، أو صاحب هوى فيدعى له بالهداية (ص 21 سطر 4-6)، وهكذا بعث الله جميع رسله (أفضل ولد آدم) يعلمون الجاهلين ويدعون لعباد الأوثان بالهداية (بل بالمغفرة) حتى لو ضربوا الرسول فأدموه، ولم يدع نوح عليه السلام على قومه (بعد ألف سنة إلا خمسين عامًا) حتى أوحي إليه {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: 36]؛ أفلا يستحق السلفي المخالف معاملة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم للمشركين واليهود والنصارى؟
ج- لطالب العلم السلفي أن يدافع عن العالم السلفي (لو تورع عن الدفاع عن نفسه) دون سب سلفي آخر، وفي حال الشيخ ربيع نصر الله به دينه يتحقق ذلك على النهج السلفي الحق بمثل ما يلي:
1) نشر تقريره لمسائل الإيمان (بخاصة) وغيرها (بعامة) ولا مانع من الإشارة إلى الخلاف دون ذكر اسم المخالف فضلًا عن سبه.
2) التنويه بمؤلفاته جميعها بايجاز غير مخل ولا مسرف، فلا يكفي الإحالة (ص 291) إلى (ثبت مؤلفاته بتوسع في مؤلف خاص بها قد لا يسهل الوصول إليه لمثلي، ومثلي كثير)، والناس في حاجة إليها.
3) بيان ما ميزه الله به (هو وإخوانه: السحيمي، وفالح، ومحمد بن هادي، وصالح بن عبود، ومحمد أمان) من الوقوف في وجه فتنة الفكريين الحركيين الذين استغلوا استعانة الدولة بالقوات الدولية بعد الله (بفتوى من أكبر علماء الأمة لإنقاذ الكويت ودول مجلس التعاون من ظلم وبغي حزب البعث العراقي وخطره على الدين والدنيا) استغلوا ذلك للخروج على الجماعة والإمارة بل حث بعضهم الغوغاء من الشباب المتحمس (صراحة) على إسقاط دولة الدعوة على منهاج النبوة التي جدد الله بها دينه في كل قرن من القرون الثلاثة الأخيرة، وإسقاط علماء التوحيد والسنة بحجة عدم معرفتهم فقه الواقع، أو بحجة موالاتهم الكافرين؛ جاهلين أو متجاهلين الفرق بين الفقه والفكر والولاء والمعاملة.
4) بيان ما ميزه الله به من كشف عوار الفكر القطبي الذي قامت عليه الفتنة، وأشهد لله شهادة حق أنني وأمثالي وهم الأكثرية من طلاب العلم الشرعي في الداخل والخارج لم نعرف حقيقة فكر سيد قطب رحمه الله وبعده عن منهاج السنة حتى قيضه الله بفضله ورحمته لبيان الحق للراغبين في معرفته واتباعه.
نعم سبقه الشيخ عبد الله الدويش رحمه الله إلى بيان أخطاء في كتابه: (في ظلال القرآن)، ونعم، سبقهما الأستاذ محمود شاكر رحمه الله إلى بيان أخطاء في كتابه: (العدالة الاجتماعية)، ولكن أيًا منهما لم يوفق إلى ما وفق إليه الشيخ ربيع المدخلي من الشمول والعمق وسرعة وسعة انتشار مؤلفاته في التحذير من خطر الفكر القطبي على الإسلام والسنة وعلى شرع الله وكتابه وعلى جماعة المسلمين وأئمتهم وعامتهم. جزى الله الشيخ المدخلي وسابقيه الشيخ الدويش والأستاذ الشاكر خير ما يجزي به الله الدعاة إلى سبيله الذابين عن كتابه وسنة نبيه زيف الفكريين، ومحدثات المبتدعين، وتأويل الجاهلين، وأقوال القائلين على الله بغير علم، واعتداء الصحفيين على شرع الله وحدوده. ولا أظن أحدًا يجهل الفرق في معاملة السلفي المخطئ والفكري المبتدع ولا الفرق في معاملة العاصي الواقع في أي من معاصي الشهوات ومعاملة المبتدع الواقع في أي من معاصي الشبهات (إذا انتشرت ضلالاته بخاصة)، وقد حرصت دائمًا على بيان الفرق بين حسن النية وسوء العمل.
5) وإني لا أختار ولا أحب لإخواني إلا ما اخترته وأحببته لنفسي وأعده من أعظم نعم الله عليّ: موالاة إخواني السلفيين أهل الحديث (أو الأثر أو الدليل) على أساس من صحة معتقدهم واتباعهم مهما اختلفنا في التفاصيل الفرعية، وعدم الانتصار للنفس لو حصل بغي من بعضهم أو سوء معاملة أو سوء خلق؛ فالأخ في الإسلام والسنة أولى بالعفو والصفح ومقابلة سيئته بالحسنة، وهو ما أمر به محمد (سيد ولد آدم يوم القيامة) في معاملة الجميع وهو ما اتصف به حتى لقي ربه، وإذا غضب أو عاقب فإنما ذلك لله وبأمره وشرعه لا لحظ نفسه، وإذا وفقني الله لما هو خير فعلي حمد الله وشكره. وأشكر الله عظيم الشكر على أن منحني صفة التذلل لإخواني في الدين والدعوة على منهاج النبوة وجعلني على صلة طيبة بكل فرد منهم مهما اختلفوا ومهما اختلفت مع بعضهم، لا أفضل أحدًا منهم إلا بمقدار ثباته على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإلا بمقدار سعيه لنشر ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، والتحذير من وثنية المقامات والمزارات والمشاهد وما دون ذلك من البدع وهو ما أرسل الله تعالى به كل رسله منذ نوح عليه من الله الصلاة والسلام والبركة وعليهم جميعًا، ولعل الله أن يحفظ علينا نعمة اتباعهم والدعوة إلى ما دعا إليه جميعهم، ولعل الله أن يرزقنا نعمة مرافقتهم في الجنة فضلًا منه ورحمة.
وأحذر نفسي وإخواني من الخلط بين حظ النفس أو عصبيتها لفرد أو فئة أو رأي خاص وبين حق الله ورسله وأوليائه المشهود لهم بالولاية والجنة وحيًا من الله على قلب رسوله لا مجرد ظن أو عاطفة. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وهداهم للتي هي أقوم. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومتبعي سنته.
كتبه/ سعد الحصيّن مكة المباركة، 1430/09/12هـ