معنى التّوحيد والشّرك يجهله أو يخالفه أو يتجنّبه الدّعاة
معنى التّوحيد والشّرك يجهله أو يخالفه أو يتجنّبه الدّعاة
بسم الله الرحمن الرحيم
أوّل وأعظم ما أمر الله به وأرسل به رسله مبشّرين: (إفراد الله بالدّعاء وغيره من العبادات)، وأوّل وأعظم ما نهى الله عنه وأرسل به رسله منذرين: (دعاء غير الله معه وغير ذلك من عبادة غير الله).
قال الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلاّ أنا فاعبدون}، وقال الله تعالى: {ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطّاغوت}، وقال الله تعالى: {وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلاّ هو سبحانه وتعالى عمّا يشركون}، والآيات مثلها كثيرة جدّاً.
وكان أكثر عبادة المشركين غير الله تعالى: دعاءهم غير الله معه أو بدونه؛ قال الله تعالى: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدّين فلمّا نجّاهم إلى البرّ إذا هم يشركون}، وقال الله تعالى: {وأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا}، وقال الله تعالى عن ابراهيم صلى الله عليه وسلّم: {وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعوا ربي عسى ألاّ أكون بدعاء ربي شقيّاً}، وقال الله تعالى: {ومن أضلّ ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون}، وقال الله تعالى عن الذين يدعون الملائكة والرّسل والصّالحين: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه}، وقال الله تعالى: {ذلك بأنّ الله هو الحقّ وأنّ ما يدعون من دونه هو الباطل}، والآيات مثلها كثيرة جدّاً.
ولكنّ أكثر الدّعاة وخطباء الجمعة إذا ذكروا هذا الأمر – ولا يكادون يذكرونه – فبمجرّد لفظ التّوحيد والايمان، ولفظ الشّرك والكفر دون تفصيل.
ومجرّد لفظ التوحيد والايمان يظنّ أكثر النّاس أنّهم ملتزمون به ولو دعوا غير الله سواء كانوا قبوريّين (منتمين للسّنّة أو للشّيعة أو الدّروز أو لليهودية أو النّصرانيّة)، فيعكفون على القبر طالبين من صاحبه المدد.
والتّوحيد عند جلّ دعاة التّبليغ يعني: الرّبوبيّة، وعند دعاة حِزْبَي الاخوان المسلمين والتّحرير يعني: الحاكميّة، ويسمّي الدّروز والنّصارى أنفسهم: (الموحّدون) بهذا اللفظ، وإن كان الجميع يدّعون التّلبّس به.
ويقع أكثر المسلمين في دعاء غير الله متقرّبين به إلى الله ويحسبون أنّهم مهتدون.
ولهذا حَرِصَ دعاة التّوحيد (منذ عادت الوثنيّة إلى بلاد المسلمين بعد القرون الخيّرة) حرصوا على البيان والتّفصيل بتقسيم التّوحيد إلى: إفراد الله بالألوهيّة وإفراده بالرّبوبيّة وإفراده بالأسماء والصّفات الثّابتة بالوحي.
ومنذ سمعْتُ بشَغْب الجاهلين والمبتدعة على هذا التّقسيم اخترْتُ: (إفراد الله بالدّعاء وغيره من العبادات، وإفراد الله بأسمائه وصفاته وأفعاله)، ويجمعها قول الله تعالى: {إيّك نعبد وإيّاك نستعين}، أي: لا نعبد إلاّ الله ولا نطلب المدَدَ إلاّ منه (إلاّ فيما أقْدَرَ اللهُ عبدَه الحيّ عليه).
وأكثر ما نُقِلَ من العقائد – من أبي حنيفة – إن صحّ النّقل عنه – إلى ابن عثيمين رحمه الله – قُصِرَتْ على: (الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه)، ولا أظنّ صوفيّاً ولا قبوريّاً يرفض مثل هذا النّصّ إلاّ إذا أضفنا إليه بيان الشّرك الأكبر على حقيقته منذ قوم نوح: تقديس نُصُب ومقامات ومزارات وأضرحة الأنبياء والصّالحين ودعاء أصحابها مع الله أو بدونه كما بيّنها ابن تيميّة وتلامذته في القرون الوسطى ثمّ ابن عبد الوهّاب وأمراء وعلماء دولة آل سعود منذ منتصف القرن الثاني عشر الهجري فجافاهم وحاربهم المنتمون للسّنّة والشّيعة.
وأثناء تهذيبي تفسير الجلالين وابن كثير وابن جرير وابن سعدي رحمهم الله رأيت أكثر المفسّرين (الأقدمين منهم والمحدثين) يسمّون آلهة المشركين بعد مشركي قريش: (أصناماً وأوثاناً وأنصاباً)، والمشركون المنتمون للإسلام يسمّونها مقامات ومزارات ومشاهد وأضرحة، ويظنّون أنّهم بعيدون عن مماثلة عبّاد الأشجار والأحجار، والله تعالى سمّى معبودي مشركي الجاهليّة بصريح اللفظ: أولياء، في مثل قوله تعالى: {والذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلاّ ليقرّبونا إلى الله زلفى}، وسمّى الله تعالى عبادة مشركي الجاهليّة بصريح اللفظ: دعاء كما في الآيات السّابقة، وهذا ما يفعله أو يقرّه أو لا ينهى عنه أكثر المنتمين للإسلام والسّنّة والشّيعة وغيرهم، فالواجب تسمية الأشياء بأسمائها حتى يُسْتفاد من الدّعوة إلى إصلاح المعتقد، ويُنْقَذ المسلمون من وثنيّتهم.
كتبه/ سعد بن عبد الرّحمن الحصيّن
من مكّة المباركة في 1434/11/8هـ