داء الشقاق من القدر الكوني

داء الشقاق من القدر الكوني

بسم الله الرحمن الرحيم

كتبت لبعض دعاة التوحيد والسّنّة بعد ظهور الشقاق بينهم ما يلي:

الحمد لله الذي اصطفانا للثّبات على منهاج النّبوة في الدِّين والدّعوة الذي ارتضاه الله تعالى أساسًا لوحدة هذه الأمّة على التّوحيد والسنة، وجنبنا الانتماء للأسماء والمناهج والشّعارات المُحْدَثة التي زيّنها الشيطان للأكثرين (الأقلين) من الدعاة سببًا للتَّفرق في الدّين، ومعصيةً لأمر الله بالاعتصام بحبله جميعًا ونهيه عن التفرّق والاختلاف في دينه.

ورأيي فيما حدث من خلاف بين المنتمين لمنهاج السّلف الصالح وعلاجه يتلخّص فيما يلي:

أ ـكل ابن آدم خطَّاء والكمال لله وحده، والعصمة من الخطأ (في أداء شعائر الله أو تبليغها) لرسل الله وحدهم.

ويزيد عدد  الأخطاء الظّاهرة من قول ابن آدم وعمله بزيادة نشاطه وإنتاجه وكثرة قوله وعمله، وعِلْم ما خفي لله وحده.

ب ـ وتأتي المبالغة في تكبير الأخطاء ونشرها بسبب الجهل أو الحسد أو العناد، أو  القناعة من العلم والعمل بحبّ الجدل: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54] .

جـ ـ والشقاق والمنازعة من قدر الله الكوني على عباده، لا يحبه الله ولا يرضاه لهم بشرعه. ولم يُعْطَ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُؤْله ألاَّ يجعل بأس هذه الأمة بينهم إلا ما شاء الله: ولكن في التحريش بينهم. وانشقّت فِرَقٌ وثنيَّة عن فرق وثنيّة كالبوذية عن الهندوسية وافترق المسلمون إلى سُنَّةٍ وشيعة ومتصوّفة، وافترق كلٌّ من هذه الفرق إلى فرق كما افترق النّصارى واليهود قبلهم من بعدما جاءتهم البيّنات بغيًا بينهم.

د ـ ولا تعْجَبْ لاختلاف أهل الأهواء؛ فالوحي وحده يُوحِّد لأنه اليقين من ربّ العالمين، والفكر يُفرِّق لتعدّد مصادره: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53]، ولأنّه الظن: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}[يونس: 36]، ومنهاج النبوّة من الوحي يجتمع عليه كلّ مسلم، ومناهج الفكر الموصوف بالإسلامي تُفرِّق المسلمين إلى فرقٍ وأحزاب بعددها.

هـ ـ ولكن العجب من اختلاف أهل الحديث مع وحدة منهجهم ووحدة مرجعهم: كتاب الله وسنة رسوله وفقه الأئمة الأُوَل في نصوصهما. ولا شكَّ أنّه نزغٌ من الشيطان ليصدّ عن الصّراط المستقيم، ويأبى الله إلاَّ أن يتم نوره.

و ـ وكان الخَطْب أهون عندما تصدّى القاعدون من مختلف الفِرَق للقائمين على الدّعوة إلى منهاج النبوّة حسدًا من عند أنفسهم، وكراهيةً لفضل الله عليهم وتمييزه لهم، أو جهلاً وتلبيسًا وتسويلاً من الشيطان ومن الأنفس الأمَّارة بالسّوء الحاكمة بالهوى.

ز ـ ولكنّ العدوى انتقلت إلى بعض الدّعاة إلى الله على بصيرة فانشغلوا عن هذه الوظيفة العظيمة التي يصطفى لها الله خير خلقه بثلب إخوانهم في الدين والدعوة والمنهاج، وتَصَيُّد أخطائهم ونشرها، وجَرِّهم إلى الانشغال عن الدّعوة بالرّد عليهم وتبرئة (أو تزكية) أنفسهم.

حـ ـ ولا أرى علاجًا ناجعًا لهذا المرض العضال غير:

ـ تَدَبُّر المعتدي وعمله بقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58]، وقوله تعالى: {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[البقرة: 190].

ـ تَدَبُّر الـمُعْتَدَى عليه وعمله بقول الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[فصلت: 34]، وقوله تعالى: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 126 – 128].

ـ نبذ الانتماء (وشدّ الوسط في لفظ ابن تيمية) لبشر غير محمد صلى الله عليه وسلم ولا لجماعة غير جماعة المسلمين، ولا لحزب غير حزب الله المفلحين، ولا لمنهاج غير الوحي والفقه فيه.

ـ النّصيحة (لا الفضيحة) لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامّتهم، والدّعوة لدين الله الحقّ على منهاج النبوّة بالحكمة (وهي الوحي) والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.

ـ الموالاة في صحّة الاعتقاد والاتّباع، والمعاداة في فساد الاعتقاد والابتداع، ومعاملة النّاس (وبخاصّة أهل الحديث) بما نحبّ أن يعاملونا به لا بمثل ما يعاملوننا به: وخيرهما البادئ بالسلام،  ومِنْ شُكر العبد نعمة الله عليه بالإيمان والإتباع والعلم وحسن الخُلُق أن يحرص على الاحتفاظ بهذه النعم والتّعامل بها مع الجميع، وألاَّ يتنازل عن شيء منها في مواجهة من حُرِم بعضها أو كلّها.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه.

1423/6/29هـ