تحريف الكلم عن مواضعه، تبكيت صحفيّ جاهل في جريدة الرّياض

تحريف الكلم عن مواضعه، تبكيت صحفيّ جاهل في جريدة الرّياض

بسم الله الرحمن الرحيم

قد يحرف الكلم عن مواضعه عمداً أو خطأ أو جهلاً بنية صالحة أو فاسدة، ومنذ انقطاع علم الغيب عن مدارك البشر بموت آخر الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، انقطع الحكم على القلوب وبقي الحكم على ظاهر القول والعمل مع أن صلاح النية لا يغني عن صلاح القول والعمل على أي حال.
ووسائل الإعلام الحديثة مباءة خطرة لتحريف الكلم عن مواضعه لأننا لا نصنع الآلة (ولا أهمية لذلك فبعض الناس مسخر لبعض) ولا نحسن استعمالها (مع قدرتنا على ذلك) وانظر إن كنت في شك إلى بيوت الله (التي يفترض أن تكون قدوة صالحة) كيف تتحول مكبرات الصوت وأجهزة التهوية إلى أدوات تعذيب تصم آذان المصلين وتصك رؤوسهم وصدورهم فالإسراف هو القاعدة اليوم.
وشر سوء استعمال وسائل الإعلام يتعدى منطقة الشهوات إلى منطقة الشبهات عندما يتجاوز الإعلاميون اختصاصهم الظني إلى اختصاص الموقعين عن رب العالمين (في لفظ ابن القيم رحمه الله) وهم العلماء بشرع الله، فتتحول الحرية الصحفية (التي ابتلينا بها) إلى إباحية فكرية فلا يتورع الإعلامي (ولايردع) عن القول على الله بغير علم فيحكم ويقضي ويفتي بالجهل ويجلد علماء الشريعة من أي طبقة (منذ عصر الخلفاء الراشدين المهديين) يجلدهم بلسان جهله المركب آمناً من العقوبة البشرية تحت مظلة حرية التعبير.
وحرية التعبير (اليونانية الوثنية الأصل) تعطينا مثلاً من تحريف الكلم عن مواضعه ومن سوء استعمال المستوردات (اللفظية هذه المرة)، فكالعادة استوردنا تقديس اصطلاح (حقوق الإنسان) مطلقاً ومن بينها حرية الفكر وحرية التعبير وحرية العمل وحرية الدين، وكالعادة ركضنا ندعي (زوراً) أن الإسلام سبق إليها وليس في الإسلام حرية مطلقة في أي من الحريات الأربع (وبخاصة الدين) فكلها مقيدة بأحكام الشريعة.
وما خلق (الإنسان) إلا للعبودية لله ولشرعه قال الله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} {وليبتلي الله مافي صدوركم وليمحص ما في قلوبكم} {ولكل درجات مما عملوا وليوفينهم أعمالهم وهم لايظلمون}.
واستوردنا كراهية اصطلاح (الإرهاب) وأضفنا إليه كراهية مصطلح (التكفير) مطلقاً وكالعادة ركضنا ننفيهما عن الإسلام (زوراً) كذلك، فالتكفير والإرهاب (بحدودهما الشرعية) من أمر الله وأحكام الإسلام قال الله تعالى: {ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} {وأعدوا لهم ماستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك.
وإساءة المسلم (وغير المسلم) وخروجه عن شرع الله باسم الإسلام كما حدث في أمريكا (وقبلها وبعدها في أرض القداسة والبركة وفي أفريقيا وفي آسيا وغيرها) لا يجوز أن تحكم فقهنا في نصوص الوحي كما فقهها أئمة القرون المفضلة المعتد بهم ـ وحدهم لا من بعدهم ـ وجرمه على نفسه والإسلام برئ من عمله والله يهديه أو يقطع دابره.
وإلى القارئ مثلاً أو أكثر من أمثلة تحريف الكلم عن مواضعه وسوء استغلال حرية الصحافة وحرية التعبير وتحويلهما إلى إباحية فكرية تخالف الشرع والعلم والعقل وتهدم الأساس الذي قامت عليه خير أمة أخرجت للناس في القرون الثلاثة الأخيرة على أقدس بقعة على وجه الأرض:
أ‌ -بمناسبة عقد المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب حاول أحمد الجميعة محرر بإحدى الصحف اليومية أن يقدم لقراء الصحيفة بحثاً عن الإرهاب بدا لي أنه بلغ من التوفيق ما يبلغه الثور الهائج إذا ما أطلق في مستودع للأواني الصينية أو الزجاجية:
1) حشد عدداً كافياً من ألفاظ اللغة الصحفية المولدة ليكون بحثه أهلاً للاستهلاك الصحفي مثل (محدودات الإطار المرجعي ـ القفز على التعاليم ـ التنظير للممارسات السلوكية للفكر ـ تأطير الفكر ورسم السلوك ـ الانعكاس ـ التداعيات ـ جربت فكرة التكفير تمرين نفسها على حالات متباينة ـ اتساق فكر المسلم مع إطار الإسلام والحدود التي يسمح بها اجتهاده في الفروع للارتقاء بمستوى تفكيره دون الحجر عليه).
وأشهد على نفسي أني عجزت عن فهم ما يقول على أساس دراستي العربية والشرعية منذ ستين سنة ولا أظن أن علماء اللغة والشريعة منذ القرن الأولى سيكونون أوفر حظاً مني أنا الذي ابتليت بشر الإعلام وخيره وأنجاهم الله منه.
2) ظن أن جذور الإرهاب التكفيري الآثم في هذا العصر موجودة في تاريخ المسلمين منذ العقد الثاني للقرن الأول الهجري (الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه خير القرون) مستدلاً بحروب الردة.
3) هداه (استقراؤه) فكر الخوارج والمكفرين والغلاة المتطرفين والمنظرين لفكر الإرهاب (الجديد) إلى سبق صحفي لم يهتد إليه ـ فيما أعلم ـ مسلم ولا وثني يبحث عن الحقيقة فجعل (أهم وأول واقعة تاريخية عبرت عن ميلاد فكرة التكفير في الإسلام هي حروب الردة التي خاضها أبو بكر الصديق في مطلع عهده حيث عنى تكفيره المرتدين وقتالهم بالسيف حكماً قاطعاً بتراجعهم عن ملة الإسلام وخروجهم عن عقيدته… وبذلك تكون حروب الردة أول بيان رسمي يعلن ميلاد أيديولوجيا التكفير ويقرن التعبير عن حكم التكفير بقتال الجهة التي يشملها الحكم إياه).
وجعل (الطور التاريخي الثاني للتكفير ظهور فرقة الخوارج الذين رفعوا شعار لا حكم إلا لله فكانت النتائج المتسارعة لهذا الفكر في هذه المرحلة تكفير الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وقتله ثم تكفير علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتله).
وليصل إلى الطور الثالث الحاضر أعاد ترتيب نتائجه (وبرز فكرهم (الخوارج) ظاهراً ليتسلل إلى فكر الأمة في أطوار متعددة من تاريخها فمن تكفير المرتدين إلى تكفير مرتكب الكبيرة إلى تكفير بعض الفرق من الباطنية والطرق الصوفية وأصحاب البدع حيث تدرجت فكرة التكفير والإرهاب الحاضرة) ثم قال: (والواقع أن عناصر الشبه والتقارب بين أفكار التكفير القديمة وأفكار التكفير الحديثة قائمة ومتكررة وثابتة على نحو لا لبس فيه حتى وإن تباينت في الشكل والإخراج والعبارة والسبب في ذلك أن التكفير واحد في النوع وإن اختلفا في التفاصيل).
وأفهم من التقرير ـ على مافيه من ركاكة وتعقيد وتخبط وخلط ـ أن الصحفي يرى أنه لا فرق بين تكفير الخليفة الأول (ومعه بقية الخلفاء والأصحاب رضي الله عنهم أجمعين) المرتدين وبين تكفير الخوارج ” حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يمرقون من الدين كما تمرق السهم من الرمية في هذا العصر غير (الشكل والإخراج والعبارة).
4) ومع أنه ـ تجاوز الله عنا وعنه ـ قدح في أول وأهم حكم بدأت به الخلافة الراشدة المهدية التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم باتباع سنتها وهو الحكم الذي أجمع المسلمون على صحته وعدوه مع إنفاذ جيش أسامة بن زيد من دلائل توفيق الله أبا بكر للحق والثبات عليه (رغم مخالفة من خالفه في أول الأمر) وزعم أنه عده فاتحة التكفير والإرهاب الذي نألم منه الآن فإنه لم يشر ـ فيما فهمت منه ـ ولو إشارة إلى أسوأ أمثلة الإرهاب والتكفير المنتمين للإسلام ـ أفراد أو فرق أو دول ـ مثل الفاطميين الذين بنوا أول أوثان المقامات والمزارات والمشاهد ونشروا ما دون ذلك من الفساد في الأرض واغتصبوا ولاية المسلمين في المغرب ثم في المشرق، ومثل القرامطة الذين اعتدوا على الإسلام والمسلمين واعتدوا على بيت الله الحرام وأرهبوا الطائفين والعاكفين والركع السجود، ومثل العثمانيين الذين جمعوا بين ظلم المسلمين في دينهم وظلمهم في دنياهم واغتصبوا الولاية عليهم ونشروا الشرك والبدع في كل مكان من بلاد المسلمين واقترفوا أكبر موبقاتهم بتحريك مرتزقتهم لمحاربة الدعوة والدولة التي جدد الله بها الدين في جزيرة العرب وما صحب ذلك من تدمير وقتل بغير حق وهتك للأعراض ونفي لولاة أمر المسلمين وعلمائهم وكان ذلك أشبه شئ بالحرب الصليبية كما يقول د. صالح العبود رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة ود.زكريا بيومي أستاذ التاريخ الحديث في جامعة المنصورة بمصر، ومثل حسن الصباح وعصابته من الإسماعيلية النزارية الذين نشروا الرعب والفساد في الأرض من قلعة آلاموت في بلاد فارس، ومثل سيد قطب الذي حكم على جميع المسلمين بالردة بمن فيهم عباد الله الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها (أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله) في كتابيه (معالم في الطريق) ص101-103 و(في ظلال القرآن) ص1057.
5) وإذا كان الكاتب (ردنا الله وإياه إلى دينه رداً جميلاً) يعي أو يعني ما فهمت من ذكره (والحدود التي يسمح بها اجتهاده في الفروع للارتقاء بمستوى تفكيره دون الحجر عليه) أن له أو لمن يخالفهم أو يوافقهم (من غير علماء الشريعة) حق الاجتهاد ليقولوا على الله وشرعه ما لا يعلمون دون الحجر عليهم من قبل ولاة أمر المسلمين حرس الدين الذين أعزهم الله به فليعلم أن بمثل هذا الظن والاعتداء على حدود الله ضل من ضل عن الوحي (من الله) والفقه (من أهله) إلى الفكر والهوى {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه}.
ب- أبوبكر الصديق رضي الله عنه شهد له الله في كتابه بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وشهد له النبي بالصحبة والجنة واستخلفه في إمامة وإمارة المسلمين في أعظم شعائر الدين وشهد له بأنه أكمل هذه الأمة إيماناً وفي رأي جمهور العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر رضي الله عنه على ولاية الأمة بعده نصاً أو إيماءً وبين أنه لو اتخذ خليلاً من المخلوقين لكان أبا بكر، وأعتق الله على يديه من الشرك عدداً من الصحابة والمبشرين بالجنة وأعتق الله على يديه من الرق والفتنة من الدين عدداً من رقاب كبار الصحابة وجند نفسه وأهله وماله في خدمة الإسلام وأهله ورسوله وكان أثبت الصحابة عند النوازل والشدائد مثل الهجرة والإسراء ويوم الحديبية وعند موت الرسول صلى الله عليه وسلم وإنفاذ جيش أسامة رضي الله عنه وقتال مانعي الزكاة وقتال المرتدين بجحدها وهي قرينة الصلاة أو بالنكوص عن دين الله بالكلية.
والطعن فيه طعن في اختيار النبي صلى الله عليه وسلم وتربيته وصحبته بل هو طعن في دين الله الذي عرف جزءاً عظيماً منه بروايته وفعله وسنته وقد قال الشيخ د. بكر أبو زيد شفاه الله وأثابه: (أطبق أهل الملة الإسلامية على أن الطعن في واحد من الصحابة رضي الله عنهم زندقة مكشوفة) (تصنيف الناس بين الظن واليقين ص26).
ونقل عن أبي زرعة الرازي رحمه الله في فتح المغيث (4/94) (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق وذلك أن القرآن حق والرسول حق وماجاء به حق وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة) (المصدر نفسه).
قال الشيخ بكر: (وقد أجرى العلماء هذا الحكم بمن قدح في أحد من حملة الشرع المطهر لأن القدح بالحامل يفضي إلى القدح بما يحمله من رسالة البلاغ لدين الله وشرعه ولهذا أطبق العلماء على أن من أسباب الإلحاد القدح في العلماء) (ص 26-27).
وكأنما كان يحذر من سبق أحمد الجميعة إلى استغلال وسائل الإعلام بوضع الكلم في غير مواضعه وبالتالي التلبيس على الأمة {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً}.
منهم خالد الغنامي الذي سبق (صحفياً) إلى اكتشاف أن ابن تيمية رحمه الله هو منشأ فكر التكفير في بلادنا ووازن بين (نقده أو سقوطه) وبين المحافظة على الوطن ولم يعلم (أو لم يأبه) أن من أعظم منن الله على وطن الدعوة إلى التوحيد والسنة ومحاربة الشرك والبدعة أن خصها الله بجمع ونشر وطبع فقه ابن تيمية بل أسسها عليه من أول يوم.
ومنهم (د.عوض القرني) و(د.محسن العواجي) اللذين سبقا (صحفياً وفضائياً) إلى اكتشاف أن علماء تجديد الدين على منهاج النبوة أساس هذه البلاد والدولة المباركة هم أساس التكفير والإرهاب العصري مستدلين برسائلهم في (الدرر السنية).
وقد أتي الثلاثة من جهلهم بشرع الله وبالتالي عدم تفريقهم بين التكفير والإرهاب والجهاد الشرعي بشروطه وضوابطه الشرعية وبين التكفير والإرهاب والجهاد العدواني الغادر الإجرامي .
الأول عبادة ودافعه ” لتكون كلمة الله هي العليا.
والثاني كبيرة ودافعه الحقد والحسد والهوى وإن ظن أصحابه أنهم مهتدون.
ج) أرجوا الله أن يهدينا جميعاً لنرى الحق حقاً فنتبعه وأن يرينا الباطل باطلاً فنجتنبه وأن يهدي الإخوة الكتاب والواعظين للاستجابة لأمر الله تعالى {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون} وأن يتوبوا إلى الله بالاعتراف بالخطأ علانية بالدرجة التي أعلن بها الخطأ والعزم على تجنب الوقوع فيه، وأن يتقي الله جميع القائمين على وسائل الإعلام فيحذروا أن يؤتى الإسلام والمسلمون من قبلهم أو يجعل الدين وسيلة للتسلية أو الرواج.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد عبد الله ورسوله وعلى آله وصحبه ومتبعي سنته والداعين إليه والذابين عنها إلى يوم الدين.