الصحوة الدينية؛ الأصل والتقليد
الصحوة الدينية؛ الأصل والتقليد
بسم الله الرحمن الرحيم
أ- أذن الله في الأربعين سنة الماضية بعودة الكثيرين من عباده الصالحين (وغيرهم) إلى التدين والانتماء إلى الفرق والمناهج الصالحة أو الطالحة.
وظن أكثر المسلمين أن الصحوة الدينية خاصة بهم، وادعى بعض فرقهم وأحزابهم وجماعاتهم أنهم سببها ومصدرها، وأنها إنما حدثت نتيجة لتحزبهم وتجمعهم ـ وبلفظ أصح: تفرقهم ـ.
والحقيقة التي شهدتها وتابعتها – منذ بدايتها – أنها أمر من أمر الله وقدره وحده لحكمة لا يعلمها إلا هو عز وجل.
ولم يظهر ما سماه العرب وحدهم: (الصحوة) في جماعات المسلمين وحدهم أو قبل غيرهم (من الأقوام والأديان) بل كانوا – فيما أعلم – آخرهم ورأى الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله أن (عنوان الصحوة) حادث لا يعرف في أحكام شرع الله ولا في لسان السلف وإنما جرى استعماله [بين الحركيين من المسلمين] في أعقاب عودة الكفار [إلى أديانهم] ثم تدرج إلى المسلمين (ولا يسوغ للمسلمين استجرار لباس أجنبي عنهم في الدين ولا إيجاد شعار لم يأذن به الله؛ إذ الألقاب الشرعية توقيفية: الإسلام، الإيمان، الإحسان، [المسلمون]، التقوى…) معجم المناهي اللفظية، دار ابن الجوزي ص209).
قلت: والمناهي في رسم الصحوة أعظم مما في اسمها كما سيأتي:
1) وأول ما شهدت من مظاهر العودة إلى التدين شهدته في أمريكا في العقد التاسع من القرن الرابع عشر من الهجرة وأول العقد العاشر، وكان في البداية حكراً لأتباع (كرشنا) من الهندوس و(كرشنا): أشهر مؤلهي ومتبوعي الهنادكة في الهند، ويعتقد أولئك أنه الحلول الثامن للمؤله الهندوكي الأعظم: (فشنو) في الجسد البشري لينقذ الناس من الشر، وربما أخذ منهم النصارى فرية حلول الله (تعالى) في جسد عيسى عليه السلام لينقذ الناس من مغبة آثامهم، وأخذ منهم المتصوفة المنتمون إلى الإسلام (وأشهرهم الحلاج وابن عربي وابن الفارض) فرية حلول الله (تعالى) في كل شئ (دون حجة الخلاص من الشر والإثم).
2) ثم رأيتها في انتشار حركة (إليجا محمد) باسم: (المسلمون السود) ثم باسم: (أمة الإسلام في الغرب). ومع أنها كانت حركة سياسية ثقافية لا صلة لها بالإسلام إلا شعاراً أو قليلاً من معاملات المسلمين (أو بسبب نهجها السياسي الثقافي) فقد نفع الله بها كثيراً من الأمريكيين السود، إذ نقلتهم إلى حال دنيوي أفضل من حيث تقبلهم خلقتهم ورغبتهم في إصلاح خُلقهم، وقد بدأت الحركة بعد منتصف القرن الرابع عشر من الهجرة، ثم ركبت موجة العودة إلى الدين فبلغ عدد أفرادها مئات الألوف وعدد مراكزها ومعابدها المئات وسميت مساجد، ومثل حزب الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي لم يكن أكبر همها: الدعوة إلى تصحيح الاعتقاد أو تصحيح العبادة فيما يظهر منها، وإنما كان أكبر همها ومبلغ علمها وعملها: الحياة الدنيا، والله أعلم.
وكان اسم مجلة الحركة: (محمد يتكلم، Mohamed Speaks)، وكان زعيمها يوصف بأنه رسول الله (Messenger of God), وقد يقول عنه بعض أتباعه ما قد يفهم منه ما يشركه في الربوبية، ومنه إعلان الملاكم محمد علي كلي: (كنت غبياً لا أفقه شيئاً فجعلني الزعيم ذكياً يحسبني من لا يعرفني من أساتذة الجامعات).
3) ثم شهدتها في عودة الشباب الأمريكي إلى النصرانية بعنوان: (ولدنا مرة أخرى Born Again)، وهو عنوان له صلة لغوية بسابقه الأوروبي: (النهضة أو اليقظة Kenaisance) ومعناها: الولادة من جديد Rebirth) وله صلة بلاحقه: (الصحوة الإسلامية).
ولا عجب من اتباع المسلمين النصارى واتباع النصارى الهندوس فقد أشرت من قبل قليل إلى نقل النصارى ثم المتصوفة فكرة الحلول، كما نقل الفريقان من الهندوس ما هو أهون من ذلك مثل الذكر بخرز المسبحة، ونقل منهم اليهود ثم المسلمون هز الجسم عند التلاوة والذكر.
وقال الله تعالى: {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} [التوبة: 30] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع“ متفق عليه.
4) ثم رأيتها في حركة الطلاب المسلمين في أمريكا في العقد الأخير من القرن الرابع عشر.
وكان حزب الإخوان المسلمين (بعد حركة المسلمين السود) أسبق فرق المسلمين إلى استغلال العودة إلى التدين في نشر فكره وتكثير سواده.
ب- استطاع حزب الإخوان المسلمين (بتنظيمه الإداري ونشاطه لجمع التبرعات وصرفها في الدعاية لنفسه) فرض سيطرة منهاجه على ما سمي (الصحوة الإسلامية) على نحو خطوات (المسلمين السود):
1- باهمال أول وأهم ما أرسل الله به جميع رسله (صلوات الله وسلامه عليهم وعلى جميع أوليائه) من بيان أعظم شرائع الله: إفراده وحده بالعبادة ونفيها عمن سواه ممن سميت بأسمائهم المقامات والمزارات (أوثان الجاهلية منذ قوم نوح إلى قيام الساعة)، والدعوة إلى التوحيد والسنة ومحاربة الشرك والبدع عامة.
2- الانشغال والإشغال بالمهم عن الأهم: بالصغيرة عن الكبيرة (كما يتضح ذلك في أجلى صورة من قراءة: الموبقات العشر والوصايا العشر لحسن البنا رحمه الله، ومؤلفات سيد قطب رحمه الله)، وبالنافلة عن الفريضة، (كما يتضح ذلك جلياً من حرص الحزب على مراكز ودور وجمعيات تحفيظ القرآن وما في باطنها من دخل مالي وتوجيه حزبي حركي، وإهماله تدبر القرآن والعمل به وتبليغه أعظم ما أنزل القرآن من أجله) وبأمر الشهوات عن أمر الشبهات مع أن الله تعالى قال في محكم كتابه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
3- الانشغال والإشغال بالأشكال والمظاهر والوسائل المحدثة بل بالمنهج المحدث عن الغاية من خلق الخلق وشرع الدين وإنزال الكتب وإرسال الرسل؛ فركبوا بدعة الاحتفالات الإسلامية (غير الشرعية) بالمولد والهجرة (لا البعثة) والإسراء والمعراج وذكرى الغزوات ونحوها.
4- الانشغال والإشغال بدعوى الإعجاز العلمي في القرآن (وهو قول على الله بغير علم وربط ليقين وحي الله وكلماته بنظريات الملحدين الظنية في أحسن أحوالها) عن الالتزام ببيان النبي صلى الله عليه وسلم ما أنزل إليه من ربه وتأويل الخلفاء الراشدين وخيرة القراء من الصحابة والتابعين وتابعيهم في القرون الخيرة.
ج- وحجب منهاج الصحوة (القاصر) ومنهاج الحركية والحزبية والفكر (المبتدع) منهاج النبوة الموحى به عن الله تعالى والمنزه عن النقص والخلل والاختلاف كما حجب منهاج الفكر اليوناني الهندي من قبل المتصوفة والمتفلسفة بما سمي (علم الكلام) بتعقيده وتشدقه وتنطعه وتفيهقه عن منهاج النبوة في (علم التوحيد) بيسره ووضوحه ونقائه ويقينه. وكما حجب منهاج الفكر البوذي الهندوسي أبا يزيد طيفور البسطامي بفكرة وحدة الوجود أو الاتحاد أو الفناء في الذات الإلهية (Nirvana) (وقيل بأنه أول قائل بها من المنتمين للإسلام) عن شرع الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيما سمي (علم السلوك) فكره وقوله وعمله:
1) حل الشكل والعاطفة والزَّبَد والظن والفكر البشري غير المعصوم (بل الخطّاء) محل اليقين من الوحي والفقه في الدين.
2) وإذا دعت المؤسسات الإعلامية الخاصة (وأبرزها: مؤسسة ومجلة وموقع: الإسلام اليوم) ومن سبقها أو لحقها من المؤسسات والأفراد، إذا دعت إلى اتباع الكتاب والسنة قولاً نقضت ذلك عملاً برفضها الالتزام بفقه الأئمة الأول من الخلفاء والأصحاب والتابعين وتابعيهم في القرون التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها خير القرون وحذر من قوم بعدها يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون كما في صحيح البخاري ومسلم.
3) وظهرت بعض المؤسسات الإعلامية القليلة التي لم تؤسس على الضلال الفكري من أول يوم مثل مجلة الأسرة وقناة المجد الفضائية واغتصبها التنفيذيون الحزبيون والحركيون والفكريون وأداروها إلى قبلتهم المنحرفة ومناهجهم المحدثة.
4) وبلغ سوء الحال والمآل بفضائية العربية (التي يملكها أحفاد أحد قادة جيش دولة التوحيد والسنة السعودية الذين طهر الله بهم جزيرة العرب من أوثان ذي الخصلة وأمثاله من المقامات والمزارات والأضرحة) بلغ بها جهل التنفيذيين وإهمال المؤسسين (في ليالي رمضان) إلى إحياء ذكر الأوثان المنسوبة للأنبياء في بلاد المسلمين الأخرى وفرية أن وجودها دليل على الإيمان في قلوب مؤسسيها وقاصديها مع أن الفضائية نفسها تعلن كل يوم وليلة عن عدم مسؤوليتها عما ينشر فيها من أخبار (ABC) الأمريكية.
5) وبلغ سوء الحال والمآل بقناة الجزيرة الفضائية إلى دعوى أن قرى قوم لوط خسف بها بسبب غضب (آلهة السماء) وأغلب ظني أن دعوى تعدد الآلهة (وهي أسوأ من فاحشة قوم لوط) نشأت من سوء تنفيذ القناة (إنشاءً أو ترجمة). رد الله الجميع إلى دينه رداً جميلاً وهداهم إلى صراطه المستقيم.
(1429 هـ)