صالح الفوزان خليفة ابن باز أسكنهما الله الفردوس

صالح الفوزان خليفة ابن باز أسكنهما الله الفردوس

بسم الله الرحمن الرحيم

لقي ابن باز رحمه الله ربّه العليّ العظيم بعد نحو(80)سنة في العلم والعمل الشّرعي، في خدمة الإسلام والمسلمين بما لم أره أو أسمع به أو أعرفه عن غيره منذ القرون الخيّرة؛ علماً وعملاً وعبادة وثباتاً على منهاج النّبوّة والصّحبة والاتّباع وكَرَماً بوقته وماله ونفسه وحُسْنَ خلق في معاملته للجميع، وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ودعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وإلى أحكام شرع الله تعالى في الاعتقاد ثم العبادات ثم المعاملات الشرعيّة.

وتلفَّتُّ بعد وفاته رحمه الله لعل أحد كبار السّلفيّين من العلماء أو الأمراء يقوم مقامه في صِفَة واحدة من صفاته: الصّلة بين الرّاعي والرّعيّة، واعتَذَرَ اثنان ممّن كنت أحسبهم أهلاً لخلافته في بعض صفاته بما لم أره عذراً شرعيّاً ولا عقليّاً، وانحرف الثّالث (عفا الله عنّي وعنهم جميعاً) عن منهاج السّنّة في النّصيحة للرّاعي – خُفْيَةً – إلى منهاج الحركيّين في الفضيحة علناً وهو ما كان ينكره عليهم وَفْقاً لشرع الله تعالى.

ووجدت أنّ خير خليفة للشيخ ابن باز رحمه الله في العلم والعمل ونشر صحيح الاعتقاد والعبادة والمعاملة ومكافحة الابتداع في الدّين والثبات على منهاج النّبوّة في الدّين والدّعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالحسنى معالي الشيخ د.صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدّائمة للبحوث والافتاء.

فمنذ عرفته عام1397هـ، وهو يؤمّ المصلّين في مسجد الأمير متعب بن عبد العزيز وفقه الله ويخطب يوم الجمعة ويدرّس فيه أيام الأسبوع من السبت إلى الثلاثاء بين المغرب والعشاء ثم ضمّ إليها دروساً في مسجد حماد السّلامة أثابه الله في حي الفيحاء شرق الرياض يوم الاثنين والثلاثاء بعد صلاة الفجر إضافة إلى دروسه منذ عشرات السّنين في برنامج (نور على الدّرب) في إذاعة القرآن بالرّياض، ودروسه في القناة الأولى – تلفزيون القناة المملكة المباركة -، ودروسه في مساجد أخرى في الرياض وفي مكة لتوعية الحجاج في موسم الحج، وتتميّز دروسه أثابه الله باختياره لها من المؤلّفات الميسّرة التي يراعي فيها أن تكون على مستوى صغار طلاب وطالبات العلم من العرب وغير العرب أكثر، ويشرحها بأسلوبه السهل الممتنع  ليفهمها الجميع على مختلف مستوياتهم بمن فيهم العَوَامّ، إضافة إلى عمله الحكومي في رئاسة إدارات البحوث والإفتاء وقبلها في المعهد العالي للقضاء من جامعة الامام محمد بن سعود بالرّياض، ودخَلْتُ بيته أكثر من مرّة فكان أوّل ما أراه فيه مراجع البحث في العلوم الشّرعيّة، وكان في هذا مثل ابن باز أثابهما الله دائم البحث، ولم يكونا مثل أكثر علماء العصر (وأطبّائه ومهندسيّه) وغيرهم من أهل الفنون والمهن ينتهي عهدهم بالبحث فور حصولهم على شهادة التّخرج التي تفرضهم عالةً على الأمّة التي لا تحصل منهم ولا على الشكر اللفظي أو مجرّد كفّ الأذى، هدانا الله وإياهم لأقرب من هذا رشدا.

وبارك الله تعالى في وقته فأضاف إلى أعماله الشرعيّة الحكوميّة وأعماله الشرعيّة التّطوّعيّة: التأليف في العلوم الشرعيّة طُبِع له منها نحو (100)، منها: نحو(20) مجلّداً في المعتقد الصّحيح الذي يتجنّب التّأليف فيه أكثر العلماء والدّعاة وكلّ مبتدعي الفِرَق والجماعات والأحزاب الموصوفة بالإسلاميّة والمتعصّبين لهم؛ وأخصُّهم: مؤسِّس وأتباع حزب الإخوان الضّالّ فقد سنّ لهم حسن البنّا رحمه الله (وهو خيرهم وأوّلهم ومتبوعهم) سنّ لهم سنّة سيّئة لعلّ الله أن يعذره بجهله فيجنّبه «وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة»؛ فنفى من كلّ تعاليمه العمليّة أيَّ إشارة إلى إفراد الله بالدّعاء وغيره من العبادات وأيّ إشارة إلى نفي التّعبّد بشيء من ذلك لغير الله تعالى، وقد وُلِدَ ومات رحمه الله بين أوثان الأضرحة والمقامات والمزارات وطلب المدد ممّن سُمِّيَتْ بأسمائهم، بل أعلن خليفته الثالث عمر التّلمساني رحمه الله في كتابه (شهيد المحراب) أنّه لا داعي للإنكار على هؤلاء فلجوؤهم إلى أضرحة الأولياء عند الشدائد مسألة ذوق (أنظر ص197-202) وضع حسن البنّا رحمه الله (38) واجباً على المبايعين ابتداعاً لحزبه منها: عدم الإكثار من شرب الشاي والقهوة والمشروبات المنبّهة، و(10)أركان للبيعة الاخوانيّة المبتدعة، و(50)مطلباً من ولاة الأمور، و(10)منجيات، و(10)مهلكات، و(10)موبقات، و(10)وصايا، حذف منها أيّ كلمة عن إفراد الله بالعبادة والنّهي عن الإشراك بالله في العبادة، مع أنّ الله أرسل كلّ رسله بذلك على اختلاف المكان والزمان والحال، ومع أنّه طالب الولاة بتوحيد الزّيّ وتنظيم المصايف، ومع أنّ أول الموبقات في الوحي: النّهي عن الشرك، ومع أنّ أوّل وثاني الوصايا العشر عند اليهود والنّصارى اليوم: 1) لا تعبد إلهاً غيري، 2) لا تصنع تمثالاً فتسجد له، فقد أخذ تجاوز الله عنه منهم العدد المبتدع وترك الوصايا المشروعة بالنّهي عن الشرك في العبادة إضافة إلى النّهي عن القتل والزّنى والسّرقة وشهادة الزّور…الخ.

وميّز الله شيخنا صالحاً بالتّأنّي والثّبات عند الفتن، وعدم الأخذ بالإشاعات والدّعايات الحزبيّة الثّوريّة كفانا الله شرّها، وإذا سأله سائل من أوزاغ الفتنة: ما رأيك في فلان أو هل فلان كافر؟ أو فلان يقول كذا، لم يتابعه على ما يريد الشيطان أن يشغل به السّائل والمسئول عن العلم والعمل الشرعي كما يفعل أكثر طلاب العلم والدّعاة بمن فيهم خيرهم (السّلفيّون) فيزيدوا فتنة التّهارش والمراء وتبادل السّباب اشتعالاً، بل يكون جواب الشيخ: لن يسألك الله عن غيرك، اهتمّ بتعلّم أحكام دينك والعمل بها والدّعوة إليها، ولا تفتح باباً للشّر على نفسك ولا على غيرك.

وليت إخواننا السّلفيّين (فمن دونهم) يقتدون بشيخنا وشيخهم فيتّقون الله فيما خوّلهم من نِعَمِه بالدّين والدّنيا ويشكرون الله على ما آتاهم من وقت وعلم فيحافظوا عليه وينفقوا كما ينفق ذا المال من ماله في سبيل الله، ولا يهدره في ما يضرّهم ولا ينفعهم.

وتميّز طلاب العلم الشرعي من دروس الشيخ صالح (بارك الله له في العلم والعمل والمال والأهل) باختيار دروس الأحكام الشرعيّة في الاعتقاد والعبادات والمعاملات بينما يختار أكثر المسلمين (الشباب بخاصّة) دروس القصّاص المزوّقة بالخيال والفكاهة والشعر، تحلّيها النّفس الأمّارة بالسّوء، ويحلّيها الشيطان لأنّ نتيجتها ضياع الوقت والدّين باسم الدّين والدّعوة.

وأكثر طلاب دروس الشيخ د. صالح الفوزان أثابه الله من خارج المملكة المباركة وبقية بلاد العرب، فجلّهم من روسيا وأمريكا، وألبانيا، والجمهوريات المستقلّة من الاتّحاد السوفياتي وبقية أوروبا.

وقد قال الله تعالى:{وإن تتولّوا يستبدل قوماً غيركم ثمّ لا يكونوا أمثالكم}.

حفظ الله شيخنا قدوة صالحة وذخراً وجزاه خير ما يجزي به الدّعاة إلى سبيله.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن في 1435/4/28هـ.