اصطياد المنافع الدنيوية باسم الدين
اصطياد المنافع الدنيوية باسم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى: {وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [النحل: 95]، وضرب الله لهذه الأمة مثلًا بأهل الكتاب وذمهم بأنهم اشتروا بآيات الله ثمنًا قليلًا تحذيرًا لهذه الأمة أن تسلك مسلكهم، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن أكثر هذه الأمة سيتبع اليهود والنصارى، كما في الصحيحين ومسند الإمام أحمد: ” لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذرع، حتى لو أنهم دخلوا جحر ضب لسلكتموه“، فسأله بعض من سمعه من صاحبته، قالوا: يا رسول الله: منْ ! اليهود والنصارى؟ قال: ” فمن إذن“ أي: من غيرهم.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ـ، فلم ينته القرن السادس من الهجرة حتى ظهرت بوادر الوثنية ببناء الفاطميين وثنًا باسم الحسين في مصر، وبناء صلاح الدين الأيوبي وثنًا باسم الشافعي في مصر غير بعيد عنه في المكان والزمان، ووقفت عليهما بعد نحو ثمانية قرون، ورأيت عمائم الأزهريين تطوف عليهما، وتحت العمائم أجسام المشايخ الذين يتقربون إلى الله بمعصية أكبر معصية، ويقول المنفلوطي رحمه الله في كتابه (النظرات) 2/5: (إن علماء مصر يتهافتون على يوم الكنسة تهافت الذباب على الشارب)، للتبرك بكناسة ضريح الشافعي، ويقول رحمه الله: (لِمَ ينقم المسلمون التثليث من النصارى وهم لم يبلغوا من الشرك مبلغهم، ولم يُغرقوا فيه إغراقهم، فهم يدينون بآلهة ثلاثة ولكنهم يشعرون بغرابة هذا التعدد وبُعده عن العقل فيتأولون فيه، ويقولون: إن الثلاثة في حكم الواحد: (الأب والابن وروح القدوس إله واحد)، أما المسلمون فيدينون بآلاف من الآلهة أكثرها جذوع أشجار وجثث أموات وقطع أحجار)؛ فهل بعد هذا الاتباع اتباع؟! بل التنافس والتجاوز؟!!
ويضيع صوت المنفلوطي وصوت محمد حامد الفقي ود.الوكيل ود.جميل غازي ـ رحمهم الله وقبلهم ومعهم وبعدهم دعوة ابن عبد الوهاب وأئمة وملوك وأمراء آل سعود رحمهم الله جميعًا ـ، إذ يغلب على الأمة وسوسة شياطين الجن والإنس، وتسويل الأنفس الأمارة بالسوء وصيادوا المنافع الدنيوية باسم الدين من مشايخ الضلال والحزبيين والحركيين لصيد المال والسلطة أو الجاه ونحوها.
وإلى القارئ الكريم بعض الأمثلة الظاهرة اليوم بباطلها، لعلنا نتفكر ونتدبر ونعتبر:
أ– المتاجرة بدعوى المحبة والآثار النبوية:
جرب أحد صيادي المنافع الدنيوية باسم الدين زيادة رصيده الدنيوي (بغير طريق الوظيفة والتجارة المباحة المحدودة) ولو بخسارة رصيده من الخير الأخروي؛ فأقنع الشيخ ابن باز رحمه الله (وفي رواية أكبر مستشاريه: خدعه أكثر مما خدعه غيره) فكتب لبعض المحسنين برأيه إعانته لبناء مسجد، فأعانه أحد التجار رحمه الله ببضعة ملايين، ولما انتهى البناء طلب إعانته لبناء مرافق للمسجد، فأعانه أحد الولاة رحمه الله ببضعة عشر مليونًا، ولما انتهى بناء المرافق طلب شراء أرض وبناء وفق يصرف ريعه على المسجد، فأعانه ولي الأمر بنحو عشرين مليونًا؛ ثم ظهرت عليه آثار الثروة، فدخل تجارة العقارات وغيرها بعشرات الملايين، ثم تجاوز خانته (أو خيانته) الآحاد والعشرات إلى المئات. ثم رجع إلى تراث أجداده من المتصوفة، فأعجبه منهجهم البدعي الخرافي وأكلهم أموال الناس بالباطل باسم الدين دون حاجة إلى ألقاب الدراسة الحديثة ولا رسائل الشيخ ابن باز رحمه الله، فخرج (بعون من بعض الأثرياء المبتدعة، وبعض المفكرين الجاهلين بحاله) إلى مرحلة جديدة من صيد المنافع الدنيوية باستغلال العاطفة الدينية الجاهلة (أو لعلها الجاهلية) لأكل أموال العاطفيين الجاهلين، وهم الأكثرون في متديني الأمة اليوم فأجلب بخيل وحمير ورجل من عُرفوا بتمويل الابتداع في الدين؛ وآزرهم بعض خلطوا الفقه بالفكر، وسعى سعيًا حثيثًا لإقامة أول مزار في بلاد التوحيد والسنة التي جاهد أمراؤها وعلماؤها وجندها لهدم مزاراتها وأوثانها ثلاث مرات من العراق إلى عُمان، ومن الخليج العربي الفارسي إلى البحر الأحمر، منذ عام 1158هـ، إلى يومنا هذا، جزاهم الله رضاه وجنته.
ولقد نبهني سمو الأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله (وزير الداخلية اليوم) إلى أنه لا يجوز الترخيص لحزب أو جماعة أو منهاج ديني أو دعوي في هذه البلاد والدولة التي أسست من أول يوم على منهاج النبوة في الدين والدعوة، ومن رغب في نشر الدين الدعوة فليس عليه (ولا له) إلا أن يُثبت أهليته لذلك لدى جهة الاختصاص (ابن باز في ذلك الوقت قبل بضع وثلاثين سنة).
وعلى هذا يجب على جهات الاختصاص التحقق من صحة ما أوردته من رواية من أثق به عن محاولات الصيد الأولى والثانية، ووضع اليد على الوقف الأول، والمشروع الثاني، وتولي القيام عليه بما يليق بدولة تجديد الدين والدعوة وإزالة منكراته.
ب- اغتصاب السلطة باسم الدين:
منذ أسس حزب الإخوان المسلمين قبل سبعين سنة وهو يُصر على أمرين:
1– الوصول إلى الحكم باسم الحاكمية، أو الحكم بما أنزل الله، وهو يخالفهما؛ فلقد أصر على حذف النهي عن الشرك الأكبر (دعاء أصحاب القبور) من واجباته العملية 38، ومطالبه من الولاة 50، وأصوله 20، ومنجاته 10، ومهلكاته 10، وواجباته المطلقة 10، وموبقاته 10، ووصاياه 10، ومن كل دروسه وندواته. وعندما قدر الله (كونيًّا لا شرعيًّا) أن تنجح بعض حركات الخروج على من ولاه الله الأمر (وهو من الكبائر) سعى الحزب كعادته إلى استغلالها باسم الدين (وهو أكبر خطر عليه)، وكان عند سوء الظن به فسلِمتْ أوثان الجاهلية الأولى في مصر وتونس واليمن وسوريا من إنكارها باليد واللسان، وعلم ما في الصدور لخالقها وحده. واستغل الشباب السلفي في ليبيا انهيار الدولة فهدموا عددًا كبيرًا من أوثانها جزاهم الله خير الجزاء وأجزل له الثواب.
2– الإنكار على الولاة واسترضاء غوغاء الرعية بالسكوت عن منكراتهم، وأعظمها: الشرك بدعاء غير الله ممن سميت باسمهم أوثان المقامات والمزارات والمشاهد والأضرحة، وما دون ذلك من الابتداع في الدين.
ولقد لبسوا على الأمة دينها: بثقافتهم وتربيتهم وتوعيتهم الإسلامية المبتدعة، فنحوا عن الدين والدعوة أعظم ما أمر الله به رسله وعباده: إفراد الله بالعبادة؛ وأعظم ما نهى الله عنه رسله وعباده: الشرك في عبادته، ونحو الأحكام الشرعية عن الدعوة، وأهمها: خطبة الجمعة بل سخروا بها وبعلمائها باسم أحكام الحيض والنفاس، وعلماء الحيض والنفاس؛ فصرفوا الدعوة والخطبة المفروضة إلى السياسة الرخيصة الإعلامية، وافتروا أنها من الدين، وشغلوا الناس بها عن السياسة الشرعية الربانية من الكتاب والسنة.
وانظر إلى الفتنة في سوريا اليوم تعرف شيئًا من لعب هذه الحزب بالألباب؛ فقد بدأ الحزب إشعالها قبل ثلاثين سنة فأخفق، وهو ينتظر نجاح الفتنة ليفوز بشيء، أو بكل شيء من نتائجها، وتسأل عن قائد الفتنة غليون، فيقال: علماني. وتسأل عن خلفه سيدا؟ فيقال: علماني. وبالرغم من هذا يُسخرُ القنوت في الفريضة والتراويح، وتسخر خطبة الجمعة الفريضة للدعاء بالنصر للخوارج بقيادة العلمانيين والحزبيين المتاجرين بالدين بحجة عودة الحكم لأهل السنة العلمانيين منهم والخرافيين والقبوريين وهم الأغلبية.
(مكة المباركة: 1433/11/21هـ).