افتراء مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوى محبّته
افتراء مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوى محبّته
بسم الله الرحمن الرحيم
جزى الله الشيخ د.صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء) خير ما يجزي به الله الدّعاة إليه على منهاج السّنة، النّافين عن العلم تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين؛ فقد اصطفاه الله في هذا العصر لردّ باطل الكتّاب والصّحفيّين والحزبيّين والمتصوّفين وعامّة المبتدعين، وإلى القارئ الكريم مثالاً واحداً على تمييز الله واصطفائه له:
أ) في صحيفة الجزيرة العدد (12604) في 1428/3/14هـ كذّب الشيخ د.صالح دعوى للأستاذ د.محمد عبده يماني مفهومُ عنوانها: أن حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدأ من الاحتفال بمولده، وحثّه المسلمين على اقتراف هذه البدعة المحْدَثة، وبيَّن الشيخ د.صالح بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن: (أن حبّ النبي صلى الله عليه وسلم من مقتضى الإيمان به وبرسالته)، وأن (مقتضى [زعم الأستاذ د.محمد بداية حبّ النبي صلى الله عليه وسلم بالاحتفال المبتدع بمولده] أن الذي لا يحتفل بمولده لا يحبّه ابتداءً بأصحابه وآله والقرون المفضلة التي أثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يحتفلوا بمولده)، وبيّن أن الاحتفال بالمولد بدعة محدثة في الدّين وقد نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن البدع فقال: «وإيّاكم ومحدثات الأمور»، وقال: «وشر الأمور محدثاتها وكلّ بدعة ضلالة»؛ فاجتنابها طاعة للرّسول ودليل على محبّته.
ب) ومع أن ذاكرتي لا يُعْتَمَد عليها بعد بلوغها الخامسة والسبعين فلربَّما تذكرت طالباً بهذا الاسم في مكة المباركة قبل نصف قرن عرفه الزّملاء بميزتين:
1 – الميل إلى المبتدعة وأوّل مظاهره تعظيم أحد المتصوّفة من المعلّمين المصريّين والانحناء له وتقبيل يده، والله أعلم بما تخفي الصدور.
2 – محاولة التّسلّل إلى قلوب من يخالفهم من أهل التّوحيد والسّنة بالتّمسكن وتليين القول خوفاً أو طمعاً أو غير ذلك ممَّا يعلمه الله.
وقد أثمرت هذه الحيلة بعد ربع قرن فرشَّحه أحد أصدقائه من طلبة العلم (بعد توليه منصباً عالياً) لأكثر من وظيفة لم يكن أهلاً لأي منها فضجّ طلاب العلم والعلماء والدعاة من سوء أدائه الوظيفة التّوجيهية في بلادٍ ودولةٍ أُسِّسا من أوّل يوم على الدعوة إلى الله على منهاج النبوّة.
وقد روَى لي أخي إبراهيم (وكان أقرب العاملين مع الشيخ ابن باز رحمهما الله إليه وألصقهم به) أن الشيخ أعلن إنكاره سوء عمل اليماني وأنه بمخالفته منهاج السّنة يعمل على تقويض القاعدة التي قامت عليها البلاد والدولة (طاعة الله ورسوله واتّباع سبيل المؤمنين من الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان) فهو خطر على البلاد والدّولة والمنهاج الدّيني الذي ميّزهما الله به في القرون الثلاثة الأخيرة.
ويقول الراوي رحمه الله: أن الموظف المعني ربما خاف على وظيفته فركض يستغيث بأحد ولاة الأمر نصر الله بهم دينه، وجاءه الجواب يحمل في طيّاته السخرية منه والتبكيت له: (الشيخ ابن باز والدنا وشيخنا، ولو أنه ضرب أحدنا بعصاه ما كان منه إلا الرّضا والتّسليم لشرع الله ثم الطاعة لأكبر حَمَلة شرعه والدّعاة إليه على بصيرة). وما هي إلا أيام حتى فرّج الله للنّاس من سوء فكره وعمله وأدائه الوظيفي.
جـ) ولما كان – بفضل الله – عاجزاً عن إظهار حقده وضغينته تفرّغ لمخالفة منهاج السّنة الذي ميّز الله دولة الدعوة بتجديده (بعد أن كدّرته البدع بضعة قرون منذ العهد الفاطمي)؛ تفرّغ في الفضائية الصّوفيّة وفي المقالات الصّحفيّة يمدح النبي صلى الله عليه وسلم بما يشبه الذّمّ: الدّعوة إلى محبّته بما لم يكن عليه ولا أصحابه؛ بمخالفته. وكأنه ترك لزميل له (جاهل مثله بشرع الله وسنة رسوله) حافظ معه على إرث أسلافهما من البدع التي وفدوا بها إلى الأرض المباركة (تجاوز الله عنّا وعنهم جميعاً)؛ ترك له من صريح الجهر بالسّوء ما سوّد به مقالاً في إحدى جرائد السوء عنوانه: (سيّدهم رغم أنوفهم) يردّ به على نهي بعض العلماء عن مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بإضافة لفظ (سيّدنا) إلى الصّلاة الإبراهيميّة في التّشهد الأوّل أو الأخير من الصّلاة مع تأكيدهم جواز ذلك في غير الصّلاة لأنه صلى الله عليه وسلم «سيّد ولد آدم يوم القيامة» تقيّداً بقوله وعمله. وختم سوء مقاله بقوله: (الله يعلم أنا لا نحبكمو * ولا نلومكمو إن لم تحبّونا). فرد عليه طبيب سعودي (لم يوصف زوراً بالكاتب ولا الرّوائي ولا الدّاعي الإسلامي) يرشده إلى أنه لا يجوز بغض عالمٍ عاملٍ بشرع الله داع إليه لمجرّد أمره بطاعة الرّسول والالتزام بسنته بل الواجب محبّته لموافقته الآيات المحكمة التي قرن الله فيها طاعته بطاعة رسوله في مثل قول الله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54]، وحذّر فيها من مخالفته في مثل قول الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
د) أما الأستاذ د.محمد، فمنذ سمعت باسمه وعرفته لم يقترن اسمه بالدعوة إلى إفراد الله بالعبادة أو التّحذير من الشرك في عبادة الله بتعظيم أوثان المقامات والمزارات ولا بإحياء السنة ولا إماتة البدعة مع أن ذلك أوّل ما أمر به أو نهى عنه كلّ رسول بأمر الله تعالى.
بل قرأت في جريدة المدينة رواية لفؤاد عنقاوي عن رحلة قام بها معه ومع عبد الوهاب أبو سليمان ـ هداهم الله جميعًا ـ بين المدينة ومكة لم يكن الهدف المعلن لها إقامة شعائر الله بل تتبُّع أماكن البدع التي يُعصى فيها أمر الله ورسوله وتُخَالَف فيها الشريعة والسنة باتخاذ زيارتها ديناً لم يكن عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
هـ) وهو هنا ـ هدانا الله وإياه ـ يناقض فكرُه فكرَه (كعادة من يتبع هواه أو هوى غيره)؛ فهو يتمنَّى (تخصيص يوم للسّيرة النّبويّة) لم يشرعه الله ولا سنّه رسوله ولا عمل به صحابته وأتْباعه في القرون الأولى بل لا أعرف له أسوة فيه إلا تخصيص اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد للعبادة وتركها بقية الأيام، وتخصيص النصارى يوماً في السَّنة مولداً لعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام وعلى جميع رسله وأوليائه.
وقد شرع الله محبّة رسوله والتأسِّي به كلَّ أيام العام بل كلّ لحظات العُمر، وشرع الصّلاة على رسوله في كلّ صلاة فريضة أو نافلة، وبعد كلّ أذان، وعند دخول المسجد والخروج منه، ويوم الجمعة.
و) ثم هو في آخر مقاله الخاطئ يتذكر بعض ما تعلّمه في هذه البلاد وهذه الدّولة المباركة فيكذّب هو سابق دعواه بقوله: (الحبّ الحقيقي لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إنما يبدأ باتّباع سنّته والسّير على هداه وجعله الأسوة والقدوة في كل أعمالنا) نعم، أما الحب الوهمي فيبدأ من الاحتفال بمولده، وليس فيه اتّباع لسنّته ولا سنّة خلفائه ولا آل بيته ولا صحابته ولا متّبعي سنته، وليس فيه سير على هداه، ولا اتخاذه أسوة ولا قدوة في هذا العمل المحدث بعد موته صلى الله عليه وسلم بعدّة قرون، وبعد أن أكمل الله دينه وأتمّ نعمته: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3].
ز) ويصل التّناقض والتخبّط الفكري بالكاتب إلى الاستدلال على مشروعيّة بدعته التي لم يأذن بها الله ولا سنّها رسوله بما يفعله من لا خلاق لهم في الدّنيا والآخرة من الوثنيّين والملحدين من (الاحتفال بذكرى العظماء من رجالهم ومفكريهم وقادتهم) فينسى أن هذه الأمة أخرجها الله لتكون شاهدة على (أمم الأرض) وهادية لا متّبعة لهم، وأن:
1 – ما كان من هذا الاحتفال دنيويّاً (وهو الأكثر) فلا يؤخذ به في الدّين.
2 – وما كان منه دينيّاً فليس من الإسلام {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85].
3 – ولا خير فيمن يدّعي حبّ النبي صلى الله عليه وسلم بالتّقديم بين يديه ومخالفة سنّته والاقتداء بأمم الأرض وترك الاقتداء بخير أمّة أخرجت للناس: الصّحابة وتابعيهم وتابعي تابعيهم ومنهم الأئمة الأربعة رضي الله عنهم وأرضاهم.
ح) لا أتّهم نيّة الأستاذ/ د. محمد ولكنه أُتِيَ من جهله بشرع الله ولعل الله أن يتجاوز عنَّا وعنه ويهدينا ويهديه لأقرب من هذا رشدًا، باتّباع طريقةِ علماء السّنة، وعدمِ الاكتفاء بالقناعة التائهة وحسن النية فقد قال الله عن شر خلقه: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103 – 104]، وما توفيقي إلا بالله.
(1428هـ).