مبتدع دعوى: (الإسلام اليوم) بين الجهر بالسوء والشعوذة: التّحذير من فكر سلمان العودة
مبتدع دعوى: (الإسلام اليوم) بين الجهر بالسوء والشعوذة: التّحذير من فكر سلمان العودة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال عالم المدينة النبوية الشيخ عبد المحسن العباد (رئيس الجامعة الإسلامية حتى طلب التفرّغ للتدريس): (هذه التسمية عجيبة غريبة، فإن الإسلام [الحق] هو الإسلام اليوم وبالأمس وغداً ولا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، ولاشك أن الحق والهدى – في كل زمان ومكان – فيما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال الإمام مالك رحمه الله: لا يُصْلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها) تنبيهات في الحج على الكتابة المسماة (افعل ولا حرج) (ص:4)، ط (1) عام 1428هـ.
والشعوذة في اللغة: (ما يريك الشيء بغير ما عليه أصله).
وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء: 115].
(وبين ابن كثير رحمه الله في تفسيره أن (اتباع غير سبيل المؤمنين) ملازم (لمشاقّة الرسول) وأن معنى: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: 115]: (جازيناه [على سلوك طريق البدعة] بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجاً له).
وخير المؤمنين: الخلفاء ثم الصحابة ثم التابعون ثم تابعوهم في القرون الخيّرة، «ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون؛ فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» من رواية ابن مسعود في صحيح مسلم.
ومبتدع دعوى (الإسلام اليوم) ومؤسسها وكبير القائمين على موقعها ومؤسّستها ومجلّتها، ورائد ميلها عن الفقه في الدين إلى الفكر: (عن فقه أئمة القرون الخيرة إلى فكر سيد قطب الجاهل بشرع الله) تجاوز الله عنهما وكفى الإسلام والمسلمين شرهما؛ مرت حركته غير الموفقة بطورين؛ وإليك بيان حاله من مقاله:
أولاً: (طوْر الجهر بالسّوء من القول) خروجاً بذلك على ولاة الأمر (أمراء وعلماء) في خير بلد على وجه الأرض ضمّ أقدس البقاع: المسجد الحرام والمسجد النبوي، وولى الله عليه خير دولة أُخرجت للناس بعد القرون الخيّرة؛ أُسِّسَتْ من أول يوم على تجديد الدين والدعوة إليه بالعودة بهما إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فنشرت التوحيد والسنة، وحاربت الشرك والبدع، وهَدَمَتْ أوثان المقامات والمزارات والمشاهد في ولاياتها الثلاث منذ منتصف القرن الثاني عشر من الهجرة إلى اليوم، ثبتها الله على ذلك.
وفي بداية العِقْد الثاني من هذا القرن زادت بلوى المبتدع بالفكر حتى وصلَت إلى التهريج والقول على شرع الله بغير علم وتهييج غوغاء الشباب (ذكورا وإناثا، «حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام» كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم).
وقرر مجلس هيئة كبار العلماء وعلى رأسهم العلامة ابن باز رحمه الله (بالإجماع في دورته 41 من 1414/3/18هـ): (مواجهته بأخطائه وتجاوزاته فإن اعتذر عنها والتزم بعدم العودة إلى شيء منها أو مثلها فالحمد الله، وإن لم يمتثل مُنِع من إلقاء المحاضرات والندوات والخطب والدروس العامّة والتسجيلات حماية للمجتمع من أخطائه هداه الله وأرشده).
ولما لم يمتثل لأمر الله المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر أغلَقَت عنه دولة الدعوة إلى التوحيد والسّنة ما كانت فتحته له من منابر العلم وكراسي الدّروس وحلق الذكر، ولما استفحل شرّه وأصرّ على عناده عاقَبَته بالعَزْل في السجن خمس سنوات (حماية للمجتمع من أخطائه) كما يُعْزل السّقيم من المُصِحّ. وإليك أمثلة من (أخطائه وتجاوزاته) هداه الله وأرشده:
1 – فَهِم الكثيرون من طلاب العلم والعلماء من قوله الآتي محاولةً لتهييج الغوغاء على ولاة أمر المسلمين وتكفيرهم جميعاً: (الرقعة الإسلامية أصبحت نهباً للمنافقين الذين احتلوها بغير سلاح… باسم العلمانية والوحدة الوطنية والوطنية وباسم نظرية الحق التاريخي الذي يخوّلهم ذلك… ولا بكاء ولا دموع على هذه الأرض الإسلامية التي أصبحت تحكم بالمنافقين) مدارك النظر في السياسة الشرعية، ط(7) (ص:145)، وقال مؤلفه الشيخ عبد المالك رمضاني الجزائري: (ما سألت سعودياً عمَا يعني بنظرية (الحق التاريخي) إلا أجاب بالبديهة: النظام الملكي).
وجُل ولاة أمور المسلمين ينتمون إلى الإسلام والسنة ويعلنون الشهادتين ويقيمون الصلاة في ما (ومَنْ) ولاهم الله (بتأسيس المساجد والمناداة بالصلاة وتوظيف الأئمة والخطباء والمؤذنين وتوفير الماء والكهرباء والفرش). والحكم على قلوبهم بالنفاق منازعةٌ لله في وَحْدانيته بمعرفة ما في الصدور، وتكفيرهم – دون برهان – حريٌ بأن (يعود على صاحبه) كما في الحديث الذي رواه الشيخان. والخروج على الولاة كبيرة جزاؤها القتل. وما سمّاه: (نظرية الحق التاريخي) يتحقق (قبل أيّ أحد) في ولاة دولة التوحيد والسنة التي أحيى الله بها منهاج النبوة في الدّين والدعوة (في الثلاثة القرون الأخيرة) وأطعم بها الصالحين والأفاكين من مواطنيها (وغيرهم) من جوع، وآمنهم من خوف، وعلّمهم من بعد جهل، وهداهم من بعد الضلال) {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13].
مِن أين أخذ هؤلاء الأفّاكون عدوى الضّلال؟ مِن سيد قطب الذي صدَّق عليهم ظنه بأنّ (وراثة الملك طعنة في قلب الإسلام) وأن (وجود الإسلام قد توقف منذ فترة طويلة)، وهذا ما لم يقل به غيره.
2 – وكّد سلمان هذا الإثم بقوله عن ولاة المسلمين: (هؤلاء المنافقون الذين حكموا في طول بلاد الإسلام وعرضها… طالما رفعوا شعار الدّين والحكم بالإسلام وتحكيم الشريعة الإسلاميّة وعدم الخروج عنها قيد أنملة فإذا بهم يُحْكِمون الضربة من خلال هذا الكلام) مدارك النظر (ص:146).
ومَنْ مِنْ دول المسلمين اليوم رفع شعار الحُكْم بالإسلام وتحكيم الشريعة (في الاعتقاد والعبادة وجل المعاملات) وعدم الخروج عنها قيد أنملة غير الدّولة السّعودية زادها الله توفيقاً وثباتاً؟
وقد أوغل الأفاكون في منازعة الله علم ما في الصدور، ومنازعة الحكّام ما ولاهم الله من رعاية للبلاد والعباد، وموافقة غلاة الخوارج خروجهم عن السنة والجماعة والإمارة حتى صاروا يرمزون لولاة الأمر من المسلمين بكلمة: (المنافقين)، وللعلماء العاملين بكلمة: (المداهنين) أو (علماء السلطان) أو(علماء الوضوء والغسل)، انظر: التصنيف لبكر أبو زيد رحمه الله.
3 – وكفّر (من غير الولاة، وإن كان يشملهم التكفير): المجاهر بالمعصية فقال عن مُغَنٍ يجاهر بفسقه: (هذا لا يغفر الله له إلا أن يتوب) ولما كثر الإنكار عليه حاول التراجع فلم تطاوعه نفسه فنفى التكفير بالمعصية وكرّر حكمه الجائر بتكفير المجاهر بمعصيته.
وزاد الطين بلة فعدل عن فقه السنّة إلى فكر البدعة واقتدى بإمامه سيد قطب في الحكم بالردة على غير المرتد، قال عن المجاهر: (هذه ردّة عن الإسلام، هذا مخلد والعياذ بالله في نار جهنم إلا أن يتوب)، مدارك النظر (ص:142). وأنساه التقليد الفكري الببّغائي قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وأنساه التقليد القطبي الجاهل ما أخرجه مسلم في صحيحه: «أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألّى عليّ ألا أغفر لعبدي؟ فإني قد غفرت له وأحبطت عملك».
4 – وانتقل من تكفير الولاة إلى رسم طريق الخروج عليهم: (زمن الشكوى قد انتهى أو كاد أن ينتهي، أعني: أن دور الخيّرين والخيّرات لا يجوز أبداً أن يتوقف عند مجرّد الشكاوى إلى الجهات المختصة… ضغوط الناس لا يمكن إهمالها بحال من الأحوال الآن ونحن في عصر صار للجماهير تأثير كبير؛ فأسقطوا زعماء كبار، وهزوا عروش وحطموا أسواراً وحواجز، ولا زالت صورة العُزَّل الذين يواجهون الدّبابات بصدورهم (في الاتحاد السوفيتي)… بالآلاف بل بعشرات الآلاف حتى استطاعوا وهم لا يملكون ولا رصاصة واحدة… لا زالت هذه الصورة ماثلة في الأذهان) مدارك النظر (ص:344).
واستمِع إن شئت إلى تسجيل لهذا الكلام ضمن بحث للشيخ/ عبد العزيز الريس على موقع بعنوان (الإسلام العتيق) على الانترنت، ويمكنك الحصول على نسخة منه من (مكتبة البينة) مقابل المعهد العلمي في السويدي بالرّياض، جزى الله القائمين عليهما خير الجزاء.
5 – وانتقل من تكفير ولاة الأمر من الأمراء إلى ثلب ولاة الأمر من العلماء، إذ نقَلَتْ عنه مجلة الإصلاح الإماراتيّة في عددها (223) عام 1992م (ص:11) أنه قال عن فتنة العراق في الخليج أنها كشفت عن (عدم وجود مرجعيّة علميّة صحيحة وموثوقة للمسلمين بحيث أنها تحصر نقاط الخلاف وتستطيع أن تقدّم لها حلاً جاهزاً صحيحاً وتحليلاً ناضجاً)، مدارك النظر (ص:301 – 302).
وهو لا يجهل وجود ما يسمّيه الشيعة (المرجعيّة العلميّة) ولكنه لا يراها (صحيحة ولا موثوقة) ولا قادرة على (حصر نقاط الخلاف وتقديم حلّ جاهز صحيح وتحليل ناضج) لانصرافه عما يسمّيه سيّد قطب (فقه الأوراق) إلى ما دَلَّه سيد قطب عليه من فكر الواقع والموقف والحركة والمرحلة، عياذاً بالله من الضلال.
وظل يبحث عن سراب مرجعيته الفكرية حتى انضم إلى عدد من أمثاله فيما سُمِّي (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) وليس فيهم من يوثق بعلمه، بل خيرهم من يخلط العلم بالفكر واليقين بالظن، هداهم الله لأقرب من هذا رشداً، وكفى الإسلام والمسلمين شرهم وفتنتهم وتخبطهم على غير هدى ولا سنّة ولا فقه بل ولا عقل.
6 – ولم يكفه الخروج عن شرع الله وسنة رسوله والفقه الأَوَّل في الدين فيما يتعلق بمسائل التكفير ومنازعة الأمر أهله من العلماء والأمراء، بل أمر بالمنكر ونهى عن المعروف وخرج عن منهاج النبوة وفقه السلف الصالح {سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] فيما يتعلق بفريضة من فرائض الله: (خطبة الجمعة) فقدّم ظنّه على يقين الوحي والفقه فيه من أهله بانتقاده خطيب السنة: (إما أن يتكلم تحت الأرض فيما يتعلق بأحوال الآخرة والقبر والموت وإما أن يتكلم فوق السّماء فيما يتعلق بأمور الجنة والنار والبعث والحساب وغيرها… فهذا في الواقع ذهول وغيبوبة لا يجوز أن يقع المؤمن أو العالم أو الدّاعي ضحيّتها) مدارك النظر (ص:326).
وما لم يُجِزْه (من جعبة فكره وهواه) هو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله مهما عظمت الحوادث والطوارئ وكثرت كما في صحيح مسلم عن أم هشام بنت حارثة ابن النعمان رضي الله عنها أن رسول الله كان يخطب بسورة {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] كل جمعة سنتين أو سنة وبعض سنة وفيها خبر ما نهى الفكر المبتدع عن التذكير به. ولم يُرْوَ عنه ولا عن خلفائه ولا أصحابه ولا متبعى سنته (مرة واحدة) صَرْف الخطبة أو جزء منها إلى أخبار الحوادث والطوارئ، لا الغزوات ولا غيرها، ومضت القرون على ذلك حتى ذرّ قرن الفكر المبتدع وتعالم جُهّاله بغير حق.
قال ابن القيم في (زاد المعاد من هدي خَيْر العباد 1/424 محقق) عن خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة: (إنما هي تقرير لأصول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وذكر الجنة والنار وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته وما أعد الله لأعدائه وأهل معصيته). فليُبْهت المبطلون ورحم الله ابن القيّم وأثابه.
7 – وفي مقابل هذه (الأخطاء والتجاوزات) المخالفة لشرع الله؛ إليك بعض نصوص الوحي تزهق باطل الفكر المبتدع {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء: 81]: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] لا إلى الفكر.
وروى الترمذي وابن ماجه والدارمي وغيرهم حديث العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه:«فإنه من يعش منكم فسيري اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة». أما رءوس الجهل والفكر فيَضِلّون ويُضِلّون.
وروى مسلم في صحيحه عن عرفجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه».
وروى مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعن يداً من طاعة».
8 – وهذا المبتدع المفتون هداه الله اشتهر بهذه الأخطاء والتجاوزات عند غوغاء الشباب، ولم يشتهر عند طلاب العلم الشرعي ودعاته ولا عند العلماء بعلم شرعي ولا بعمل شرعي، ولا باتباع لمنهاج النبوة في الدين ولا في الدعوة إليه، وإنما كان مبلغه من العلم لقباً دراسيّاً أعجميّاً حازه من مؤسسة تجارية حزبيّة بما يشبه (المراسلة)، ورسالة لفّقها من (قَمْش) بائت، وجمع لإقرارها من يُقِرّ منهجه فيما فهمت من متابعة حاله.
وابحث في سابق ولاحق صنيعه الفكري؛ فلن تجد أكبر همه أول أمر دعا إليه رسل الله بأمره: (إفراد الله بالعبادة) ولا أول أمر نهى عنه رسل الله بأمره: (الشرك بالله في عبادته)، ولا الأمر باتباع السنة ولا النهي عن الابتداع في الدّين، بل اتباع الظن من فكر حسن البنا وسيد قطب فمن دونهما، مع أن أكثر المنتمين إلى الإسلام والسّنة (فضلاً عن غيرهم) يتقربون إلى الله بالشرك في عبادته (بدعاء الأموات، والاستعانة والاستغاثة بهم، والطواف بأوثانهم، والذبح والنذر لهم، وطلب المدد منهم).
ولكن البنا وقطب والنبهاني والترابي وابْنَ بَيَّه لم يهدوه إلى طريق الحق بل طريق الضلال عنه جزاء مفارقته طريق علم الشرع وعلمائه.
ثانياً: (طوْر الشعوذة)، أو التلون، أو الوسطية، أو تطوير الخطاب، أوالشقشقة الحربائية التي لا تكاد تبين ربما لأنها لا تريد أن تبين ما تخفي فيما يظهر لي:
1 – لأن السجين المجرم بمعاصي الشبهات والخروج على السنة والجماعة في بلد ودولة التوحيد والسنة لا يخرجه من سجنه إلا التوقيع على تعهد بعدم العودة إلى اقتراف معاصيه فقد رأى المفكر المبتَدِع تغيير أو تطوير خطابه، (أو بلفظ أمير منطقة مكة المباركة: قَلْب جِلْدِه)؛ قال الأمير خالد الفيصل نصر الله به دينه: (روّاد ما يسمى بالوسطية هم الذين اتهموا المؤسّسة التقليدية: آل الشيخ وآل سعود، وتهجموا عليهم واستفزّوا الشباب لمقاومة كلّ حكومة وكل سلطة في مواقعهم [على الإنترنت] وفي أشرطتهم، ثم قلبوا جلودهم بعدما صار الناس ضدّ هذا التّيار فادّعوا الوسطية. وإذا كان هذا التراجع صحيحاً فيجب أن يعلنوا على الملأ أنهم أخطأوا في حق الأمة [وفي حق العلم والعلماء] وفي حق المواطن الذي فقد ابنه [أو ماله]، عليهم أن يعتذروا للوطن والمواطن والدولة عن تكفيرهم الدولة وتسفيه كبار العلماء، فهم الذين أثاروا الشباب ولما اضطروا إلى تغيير أسلوبهم اتهموا ولاة الأمر بأنهم السّبب ومن سمّوه بالمؤسسة التقليدية، وهي الدعوة السّلفية التي قام بها الإمامان محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب، فحاربت البدع والشركيات واجتثّت جذورها من ذلك الوقت والحمد لله).
فهل اعتذر هذا المفكر المبتدع للوطن أو للمواطن أو للدولة أو للعلماء؟ ثم: هل اعْترف بأخطائه في حقِّهم وفي حق الدّين على منهاج النبوة؟ بل: هل تراجَعَ عن هذه الأخطاء وتاب وأعلن عن توبته وعزمه (على ألا يعود إليها أو إلى مثلها)؟ خذ الجواب من لسانه:
في مقابلة مع برنامج (إضاءات) في فضائية (العربية) سأله مقدّم البرنامج عن ردّه على من يتهمه بأن التغير الذي ظهر به بعد خروجه من السجن مجرد استراتيجيّة مرحليّة، وأنّه لم يتغير منهجياً، فقال: (من الذي قال إننا كنا نطرح أفكاراً منحرفة ثم تراجعنا عنها؟ نحن مثلاً لبثنا في السجن (5) سنوات سُئلنا فيها عن كل شيء، لم يكن هناك أيّ ملاحظة أنّه كان هناك نوع من تبنّي أفكار يصدق عليها أنها أفكار منحرفة، لكن في ظل انقطاع (5) سنوات تمّ تطوير خطابات معيّنة… كانت الصحوة تلجأ أو تستخدم أسلوب ما يسمى بالإنكار العلني وهذا الأسلوب له بُعْده ورؤيته الشرعيّة وإن كان هناك من يختلف معنا فيه، وربما في تلك المرحلة لم يتمّ هضمه اجتماعيّاً وسياسيّا وحتى علمياً). موقع (الإسلام العتيق) بحث للشيخ عبدالعزيز الريس أثابه الله.
إذن، هو بلسانه يؤكّد أنّه لم يتراجع عن شيء من (أخطائه وتجاوزاته).
وإذن، فما معنى قرار هيئة كبار العلماء في دورة المجلس (41): (مواجهته بأخطائه وتجاوزاته فإن اعتذر عنها والتزم بعدم العودة إليها فالحمد لله، وإن لم يمتثل مُنِع من الخطب والدّروس حماية للمجتمع من أخطائه)؟ وما معنى سجنه (5) سنوات في دولة الدعوة على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟
ألا يَرى في الخروج على ولاة الأمر والتحريض عليه فكراً منحرفاً؟ ألا يرى في تكفير جميع ولاة المسلمين باتهامهم بالنفاق فكراً منحرفاً؟ ألا يرى في اتهام جميع دول المسلمين بمحاربة الإسلام فكراً منحرفاً؟ ألا يرى في تكفير العاصي المجاهر بمعصيته ورَميه بالرّدّة فكراً منحرفاً؟ ألا يرى في نفي وجود مرجعيّة علميّة صحيحة وموثوقة للمسلمين فكراً منحرفاً؟ ألا يرى في تجويز الإنكار العلني على ولاة الأمر المتميزين بتحكيم شرع الله والدعوة إليه (بخاصة) وغيرهم (بعامة) وتزيين المظاهرات والاعتصامات (ومواجهة الدّبابات أسوة بالملحدين) فكراً منحرفاً؟ ألا يرى في الاستهزاء والنهي عن الخطبة على منهاج النبوة وتزيين مخالفتها فكراً منحرفاً؟.
2 – وهذا الموقع والمؤسسة والمجلة تحت مظلّة (الإسلام اليوم) تنفيذ علني لما يسمّيه شعوذيّها: (تطوير الخطاب) وما قد يسمّيه غيره: (الإستراتيجية والتكتيك لتنفيذ الفكر المنحرف نفسه) مستدلاً بإعلان الشعوذيّ (عدم تراجعه، وإنما طوّر الخطاب لأن الإنكار العلني لم يُهضم اجتماعياً ولا سياسياً ولا علمياً)، ولاحظ جرأته بباطله فهو يقرّر – فيما فهمت منه – عجْز الأمة كلّها (عامّتها وأمرائها وعلمائها) عن الوصول إلى ما أوصله الفكر المنحرف إليه من طرق الخوارج.
وأخشى ما أخشاه أن يكون قد سوّل له هواه وشيطانه أنّ أسلم وأنجع طريق لشق العصا وتفريق الجماعة في بلادٍ ودولةٍ قامت من أوّل يوم على منهج السّلف في القرون الخيّرة: زعزعة هذه القاعدة الشرعيّة العظيمة الثابتة ومزاحمتها بفكر وقول أيّ ناعق وناعب يدعي العلم ويستولي على منبر من منابر الدّعوة أو الإعلام بعد إزاحة المعيار الشرعي الثابت: (فَهْم الصحابة والتابعين وتابعيهم في القرون التي مدحها النبي صلى الله عليه وسلم لنصوص الوحي).
وقد ذكرْتُ لك طرفاً من حديث أحد ولاة الأمر من الجيل الجديد عن القاعدة السّلفيّة لدولة التوحيد والسنة (الأمير خالد الفيصل)؛ فاستمع إلى بيان قائد المرحلة الثالثة لتجديد الدين والدعوة (الملك عبدالعزيز رحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء) من خطبة في حج عام 1365هـ: (إنني رجل سلفي وعقيدتي هي السلفية التي أمشي بمقتضاها على الكتاب والسنة) وقال: (يقولون إننا وهابية، والحقيقة أننا سلفيون) كن سلفيّاً على الجادة د.السحيمي.
وتذكر ما قام به وما قام عليه الإمامان محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود، وما قام به وقام عليه عبدالعزيز بن محمد وسعود بن عبدالعزيز آل سعود رحمهم الله جميعاً وأسكنهم فسيح جناته. وتذكر ما قامت عليه المرحلة الثانية في عهد الإمامين تركي وفيصل من تجديد الدين والدعوة على منهاج السلف الصالح وتذكر ما قامت به المراحل الثلاث حتى اليوم من توحيد أكثر جزيرة العرب على الكتاب والسنة بفهم أئمة السلف وهدم أوثان المقامات والمزارات والمشاهد ومحاربة البدع، ولا تزال الجزيرة المباركة بفضل الله على آل سعود وفضله بهم عليها: نبراساً وقدوة في بلاد المسلمين ودولهم حاضرها وماضيها منذ القرون الأولى؛ لا يُبنَى فيها على قبر، ولا يتخذ القبر مسجدا، ولا توجد زاوية صوفية ولا كنيسة ولا ضريح، ولا يحتفل بمولد ولا ذكرى دينية مبتدعة؛ بل تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتدعو إلى صحيح الاعتقاد واتباع السنة في الداخل والخارج، وتحكم بما أنزل الله في كل مسائل الاعتقاد والعبادات وجلّ أحكام المعاملات، وتنشر الإسلام الحق الصافي بكل وسائل النشر.
3 – أما هذا الولد العاق لأمته (فيما أطعمته وما آمنته وما علمته وهدته إلى مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم) فهو يوجب (ألا نسمح لأي طرف حكومي أو دعوي أن يستأثر بالخطاب دون غيره) وإن كان يعي ما يقول وما يُفهم عنه فلا أجد معنى لهذا إلا الانعتاق من منهاج النبوة والصحبة والاتباع الذي (استأثرت) به دولة التوحيد والسنة في القرون الثلاثة الأخيرة إلى مثل منهاج الغزالي وسيد قطب المبتدع، ومن الفقه في الدين إلى فقه الواقع والموقف والحركة والمرحلة، ومن الولاء والبراء الشرعي إلى: (الانسجام النفسي والصفاء القلبي)، وإذا كان مرجع فقه الواقع والموقف والحركة والمرحلة) سيد قطب الجاهل بشرع الله القائل عليه بغير علم، فلعل مرجع (الصفاء النفسي والنقاء القلبي) رسائل إخوان الصفا وغيرهم من المتفلسفين المنحرفين عن الفقه في الدين، ولكنه لن يجد موضعاً لها ولا منزلة في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا سنة الخلفاء الراشدين المهديين ولا فقه الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم في القرون المفضلة.
وهو يظن (ظنّ الإثم) أن (الانسجام النفسي والصفاء والنقاء القلبي)كفيل بزوال نحو (60% من الخلافات بين المسلمين) هذا بميزان الهوى، ولم يُبْد اهتماماً بقول الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59] (وهذا في الأمور القطعية فيما يظهر من بقية تخريفه لأنه صرف (40%الباقية [إلى] اختلافات في الرأي والاجتهاد تدعو الروح النقية والنّفسيّة السليمة والقلوب الصافية إلى عدم الانشغال بها عن جوانب الاتفاق الكثيرة).
وهو يوكّد لنفسه ولمن ينخدع بزُخْرُفه القولي والفكري جواز الانخزال (بلفظ الشيخ د.بكر أبو زيد رحمه الله) عن فهم السلف وفقههم وَحْيَ الله ودينه بقوله (إن أفهام الرجال ليست وحياً والمدارس الفقهية أو الدعوية ليست هي الإسلام وإن كانت تنتسب إليه وترجع إليه) وهو يعرف مثل غيره أن لا أحد يدّعي أن (أفهام الرجال وحي أو أن المدارس الفقهية والدعوية هي الإسلام)، ولكن ترك الوحي لفهم الخلف مثله أو مَن دونه أو أعلى منه كفيل بضياع الدين في غياب المعيار (سبيل المؤمنين، فقه السلف في الدين) الذي أمر الله تعالى باتباعه.
ويستدل بنقل عن ابن تيمية رحمه الله بأن (مذهب أهل السنة عدم تأثيم المجتهد إذا استفرغ وسعه في معرفة مراد الله عز وجل وكان أهلاً لذلك) ولا يفقه أو لا يبالي بشرطه: (استفراغ الوسع في معرفة مراد الله) ولا يتحقق ذلك إلا بمعرفة تأويل السلف، واتباع فقههم في الدين؛ وذلك بعيد عن سيّد وابن بَيَّهْ وعن تلميذهما سلمان العودة، ولا يفقه أو لا يبالي بالشرط الآخر: (الأهلية للاجتهاد) بالعلم الشرعي الشامل؛ وهو بعيد عن متناول الأستاذ سيّد وابن بيّه وعن متناول تابعهما سلمان العوده.
4 – وضاق بفكر هذا المبتدع ووسطيته وتعدديته وتميعه وتلونه وانحرافه بعض من انخدعوا بزخرف الفكر والقول وتأرجحوا بين اليقين والظن. فقال أقربهم إلى الحق وأنصرهم له وأشدهم على بعض شطحات الفكر، (مثل قليل ممن احتفظوا بشيء مما عرفوه من مؤسسات دولة الدعوة إلى التوحيد والسنة رغم تأثرهم بفكر سيد قطب ومتبعي منهاجه، وأبرزهم محمد سرور زين العابدين قبل هجرته من أرض البركة والقداسة إلى أرض النصرانية والعلمانية، تجاوز الله عن كل موحد منهم ومن غيرهم)؛ قال في رده فرية (سلمان العودة) في (مجلة الإسلام اليوم – العدد 33): لو اقتصر [سلمان العودة] على مدح شيخه [المبتدع] عبدالفتاح أبو غدّه [مرشد الإخوان المسلمين في سوريا والمخدوعين بهم في السعودية] لم نلمه فهذه مشاعره، والأرواح جنود مجندة، ولكنه في تصويره مظلومية أبي غدة [المزعومة] تحامل على إمامين من أئمة أهل السنة في هذا العصر وصوّرهما في صورة الظالم: العلامة بكر أبو زيد رحمه الله ورسالته: (براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة) بيّن فيها ما يحمله [أبو غده وشيخه الكوثري] من غلٍّ على أهل السنة، والإمام ابن باز رحمه الله (شيخ شيوخ أهل السنة في هذا الزمان) الذي قدم للرسالة؛ قال [هذا التلميذ المبتدع عن شيخه المبتدع]: (ألّف رسائل سلفية! فلم يقبل منه) وقال عن مخالفي شيخه المبتدع من أعلام السنة: (لابدَّ عند الموغلين في الخصومة أن يتبرأ [أبو غدة] من شيخه [الكوثري] ومن كتبه وأن يَرُدّ عليه وأن يُعْلن ذلك على الملأ، ولو حدث هذا فالظن أنه سيقال بأن الأمر لا يعدو أن يكون ذرًّا للرماد في العيون). [انظر: إفك الولاء للمبتدعة والبراءة من خير علماء ودعاة السنة].
فمن هم الموغلون في الخصومة الذين طالبوا (أبا غدة) بالتبرؤ من شيخه القبوري الهالك (الكوثري) عدو السلف؟
إنه الشيخ (ابن باز) رحمه الله الذي كتب في مقدمته لرسالة (أبي زيد) رحمه الله: (أثابكم الله؛ فضحتم فيها المجرم الآثم محمد زاهد الكوثري بنقل ما كتبه من السب والقذف لأهل العلم والإيمان [ابن تيمية وابن القيم والبخاري بل بعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم] وأوضحتم أثابكم الله تعالى تعلق تلميذه [أبي غدة] به وولائه له وتبجُّحه باستطالة شيخه [الكوثري] في أعراض أهل العلم [والاعتقاد الصحيح والعمل] ومشاركته له في الهمز واللمز. وسبق أن نصحناه بالتبرؤ منه وإعلان عدم موافقته له على ما صدر منه وألححنا عليه في ذلك، ولكنه أصرّ على موالاته له، هداه الله للرجوع إلى الحق وكفى المسلمين شرَّه).
والموغل في الخصومة: الشيخ (بكر أبو زيد) رحمه الله؛ قال عن المبتدع
أبي غدة [الذي وصف سلمان العودة بعض رسائله بالسلفية وهي منهما براء]: (أثقلها بالحواشي انتصارًا [بل تعصبًا] للمذهب الحنفي [ومذهب الأشاعرة]، والتّذرّع بكلام لابن تيمية وابن القيم في ضروب من التعسف والحطّ عليهما حينًا، ونَقْل كلام [لا يليق بهما] وانتقاد مسلكهما إلى آخر ما أفضت إليه النوبة عن شيخه بقلمه الهمَّاز في هذا المهيع، مثل نقله ترجمة اللكنوي لابن تيمية ومنها قوله: (وقد نُقِل عنه عقائد فاسدة) ولم يتعقبه. كما تابع شيخه [المبتدع] في التنقص من الإمام البخاري رحمه الله في باب الإرجاء.
وكما أورد طعن [شيخه] الكوثري في الإمام ابن القيم رحمه الله. ثم يأتي [أبو غدة] فلا ينفي ذلك بل يقبض قبضة من آثار أستاذه فينبذها في حواشيه وتعليقاته محتفيًا بهذا الكتاب ممجّدًا له ولمؤلفه فيقول: (وتجد نماذج كثيرة من هذا النوع في نونيته المسماة: الكافية الشافية، وقد استوفى نقد ما فيها الإمام السبكي في كتابه: السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل، وشيخنا الإمام الكوثري في تعليقه عليه الذي سماه: تبديد الظلام المخيّم على نونية ابن القيم).
قلت: [وأذكر أن الشيخ بكراً رحمه الله وصف (أبا غدة) بالبطانة ووصف شيخه (الكوثري) بالظهارة؛ فهل صار (سلمان العودة) هداه الله بطانة لظهارة شيخه المبتدع (أبي غدة)؟] بئس المولى وبئس العشير.
قال الشيخ (بكر أبو زيد) وكأنَّه يبكّت (سلمان العودة): (وما التمدح بمن يرمي المسلمين في صميم علمائهم إلا ممن يسرُّه كثرة سواد المنسلخين من اعتقاد السلف). [وهذا ما يظهر لي من اتجاه سلمان العودة فقد جمع إلى التمدح بشيخه المبتدع رمي المسلمين في صميم علمائهم، ونفي الثقة والصحة بل مجرد الوجود عن مرجعيتهم].
5 – بل ضاق بفكر هذا المبتدع بعض من تعلم من دروسه وأشرطته الخروج عن منهاج النبوة (كما فهمه أئمة السلف) في معاملة ولاة الأمر منا وفي معنى الفقه عامة والجهاد خاصّة بل الخروج على الجماعة:
نشر منبر المقدسي (أحد رؤوس الفتنة) رسالة موجهة إلى: سلمان العودة (عن أحد الذين قتلوا في التفجيرات الإجرامية)، في 1421/5/15هـ بعد خروجه من السجن بنحو (8) أشهر، ذكر كاتبها أنه ما تعلّم المنهج [الضال] إلا منه وأنّه يريد تذكيره بما قال قبل تغيُّر المنهج والميوعة.
وأنكر عليه قوله: (لا ينبغي أن ننشغل بمعركة جانبية مع الشيعة) وعدم ممانعته متابعة قناة الجزيرة [الفتّانة] وقناة إقرأ [الصوفية] وأنكر عليه أسفه لرده على الغزالي [تخبطه في التفريق بين أهل الفقه وأهل الحديث] واعتذاره للأفغاني ومحمد عبده عن [تهمة] دخولهما الماسونية (فظروفهما ربما كانت تقتضي ذلك) في مقابل قوله: (كُتُب أئمة الدعوة النجدية فيها تشدد، وتُجَرِّئ على التكفير، وننصح بعدم قراءتها). إذن لا تعجب من مدحه (أبا غدة) ومدافعته عنه في تأييد شيخه (الكوثري)! وقد ذكر لي الشيخ نسيب الرفاعي رحمه الله (حامل لواء الدعوة السلفية في حلب) أنه دافع عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله فرية: (عصاي هذه أنفع لي من الرسول محمد) فانتفض أبو غدة ونهره: (صِرتَ ذنباً للوهابية؟) ولكنَّه تعلم حيلة (البطانة والظهارة) تبعًا لسياسة حزبه المبتدع خوفاً من فقد المال والأمن بعد ابتلاء السعودية به وبحزبه وبمتبعيهم على الباطل كفانا الله شرّهم.
واتّهم سلمانَ تلميذُه الخارجي بأنه: (عندما أيقنْتَ أن أوراقك قد حرقت في داخل [السعودية] فكَّرتَ أن تكون عالميًّا، والعالمية تقتضي منك التوسع في الطرح ونوع من التساهل حتى تُقبَل في الخارج كما قُبل القرضاوي والغزالي وغيرهما ممن تدافع عنهم… وهذا ما سعى إليه (الإخوان) قَبلك… فهدموا الولاء والبراء، وميَّعوا العقيدة) بل لم يكن لها حساب في منهجهم أصلاً وإنما ميعها وتهاون بالدعوة إليها أتباعهم من السعوديين الذين غُذّوا بها فعقّوها. (والمصيبة أنك كلما قُبِلت في الخارج… كلما نُبذت في الداخل… بل أحدثْتَ فتنة بين الشباب فاتق الله فإنه سائلك).
6 – وقال آخر: (رحّبَ بتعايشك: العلمانيون والرافضة والحداثيون واللبراليون والقوميون في الخارج [وأكملت النقص] بالتعايش مع الصفّار الرافضي وفدعق الصوفي والغذامي الحداثي وغيرهم من حثالات المجتمع الداخلي.
أصبحت من أقل الذين يتكلمون عن العقيدة الصحيحة، وتتذرع بأن الساحة تسع الجميع ولا نريد الاختلاف والتّفرّق، ونسيت أن (72) فرقة إسلامية في النار… وحتى مصطلحاتك لم تعد شرعية بل هي اجتماعية إعلامية وأحيانًا ليبرالية… هل الذي تغير عقيدة الولاء والبراء أم سلمان العودة؟) محمد بن عبداللطيف التويجري 1428/4/13هـ، الانترنت.
ويقول الشيخ عبدالعزيز الريس في شريط (سلمان العودة بين التشديد والتيسير) تعليقًا على محاولة سلمان (ومِنْ قبله قدوته حسن البنا) تجميع الناس حوله بتجنُّب النهي عن الشرك وما دونه من البدع: (لن تكون نهايته والله أعلم إلا مثل نهاية حسن البنا: لم يشيِّع جنازته إلا اثنان بعكس ما تهاون فيه من الدين لأجله) موقع (الإسلام العتيق) ومكتبة البينة. [وشيّع جمال والخميني الملايين].
7 – وقال بعض العائدين إلى الكويت من سجن كوانتنامو (عادل الزامل وسعد العازمي) حسب رواية جريدة الوطن الكويتية في 2007/12/24م: (مفكروا الجهاد السابقون والداعون إليه أمثال سلمان العودة وسيد إمام الشريف أخطر من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري… وفكر سلمان أقوى من فكر أسامة في [التحريض على] الخروج على ولاة المسلمين، وأكثر الأرواح التي أزهقت والدماء التي سالت وأهدرت كلها بسبب فكر (سلمان العودة) المحرض على القتال). قلت: وهل يستوي المختفي في جُحْره والمنفلت بين وسائل الإعلام يختار منها ما يشاء بل يجمع بينها على اختلاف أنواعها؟
8 – وقال ناصر البحري (أبو جندل، الحارس الشخصي السابق للخارجي ابن لادن) في لقاء مع العربية (إضاءات) بتاريخ 2007/5/4م:
(ما حصل في 11 سبتمبر وما حصل في أفغانستان والبوسنة [ولا تنس الشيشان والعراق وغيرها] إنما هو تفاعلات لفتاوى [سلمان وعصابته وهو شرهم من قبل ومن بعد] وتحريضاتهم لنا، لما خرجت ما خرجت عن هوى، بل خرجت على ضوء فتوى [رؤساء جهال ضلوا وأضلوا] على ضوء تذكير في مثل شريط (صناعة الموت لسلمان العودة)، ولما احتدم الصراع وأصبح السوط على الجميع والبندقية وجهت للكل تقول لي: فهمت كلامي خطأ.
لما حرضتني حرضتني بآيات وأحاديث [فسرتها لي]، ثم جاءت مرحلة التخطئة [وما سمي التراجع] بعبارات منمقة فأدخلتني في مسائل فلسفية واجتهادات فقهية [بل فكرية أجنبية عن الفقه].
أعدني إلى الأساس الذي حرضتني به، أو اعترف بخطئك فالاعتراف بالحق فضيلة) ولكن الشعوذة أفضل عند أهلها.
وأخيراً:
فإن كنت في شك من انحراف هذا المشعوذ (ومن رَبَط رقبته بحبله هداهم الله جميعاً) عن الفقه إلى الفكر فاسمع ما يقوله عن سيد قطب تجاوز الله عنه وقارنه بما قاله عن ابن باز وبكر أبو زيد وبما قاله عن العلماء بشرع الله عامة وعلمائنا الأعلام خاصة:
1 – (حمل لواء الجهاد في سبيل الله بالكلمة الصادقة ـ كما نحسبه والله حسيبه ـ، ومات وهو على كلمة الحق التي دعا إليها) وكأنّه علم ما في صدره عندما لقي أجله؛ وهل من كلمة الحق سبه موسى عليه السلام أو إسقاط الخلافة عن عهد عثمان رضي الله عنه أو قول الزور في معاوية وعمرو رضي الله عنهما أو لمزه خمسة من المبشرين بالجنة بدعوى الثراء الفاحش، أو وصف كلام الله بالسحر والشعوذة والتصوير والرسم والموسيقى، ومثل ذلك كثير؟ أم يقصد بكلمة الحق {لا إله إلا الله} [الصافات: 35] كما فسرها سيد قطب بقوله: (أي لا شريك له في الخلق والاختيار) وأن (الإله هو المستعلي المستولي) في الظلال (ص:2707 و4010)؟.
2 – (كتابه الظلال يعتبر إضافة كبيرة لدراسة التفسير، واستطاع فيه أن يستوعب كثيراً مما كتبه المتقدمون وأن يبني عليه رؤيته الخاصة المتميزة، وفهمه الثاقب، ودرسه الغزير، وأن يقرن آي الكتاب بحياة الناس المعاصرة حتى يشعر قارئه أن القرآن ليس كتاباً نزل لبيئة خاصة) ألم يبين الرسول صلى الله عليه وسلم للناس كافة إلى يوم القيامة ما نُزِّل إليهم كما أمره الله تعالى؟ أما الإضافة الكبيرة على بيان الرسول وأصحابه وعلماء التفسير في القرون الأولى فهي: التلاعب بزخرف اللفظ مما سماه سيد: (التصوير الفني في القرآن) وبيّن أنه أُهْمِل في زمن النزول بل في القرون المفضلة كلها حتى جاء الجرجاني النحوي الأشعري في القرن الخامس بأسرار بلاغته والزمخشري المعتزلي في القرن السادس بكشافه الفكري واكتمل الانحراف بظلال (وضلال) سيد وتصويره الفني.
وما أفهمه من ادعاء (سلمان العودة) أن سيداً وحده (قرن آي الكتاب بحياة الناس ليشعر قارئه أن القرآن ليس كتاباً نزل لبيئة خاصة): أن القرآن (بدون إضافة سيد) غير كاف لهداية أهل عصره، ولا أعلم أن سيداً أضاف للقرآن إلا (أحدية الوجود التي هام بها الصوفية) وإن أنكر (وحدة الوجود) في موضع وأثبتها في مواضع كما فعل ابن عربي في (الفتوحات المكية) وكما هي عادة الفكر وأهله: التناقض.
وأضاف سيد: أن الإسلام اضطر إلى الرق إلى أن يتعارف الناس على نظامٍ غيره، ومثل ذلك كثير من التخبط والخرص قولاً على الله بغير علم.
3 – (كتب بعاطفة مشبوبة ولغة قوية) ولم يقل: بعلم، إلا أن يكون من باب (حدثني قلبي عن ربي). قال: (حملها بعض قارئيه ما لا تحتمل من المعاني واللوازم).
كيف يحمل (سلمان العودة وما أثقل حمله إلا أن يتداركه الله) قول سيد: (ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وجور الأديان وإن ظل فريق منها يردد على المآذن {لا إله إلا الله} في الظلال (ص:2009) دار الشروق.
وكيف يحمل (سلمان) قول سيده: (يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة… لا لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله ولا لأنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله، ولكنها تدخل في هذا الإطار لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها) معالم في الطريق، (ص:101)، ط. دار الشروق، وإنما تعبدنا الله بتوحيده وعبادته.
4 – وقال (سلمان العودة): (الذي أدين الله به أن الأستاذ سيد قطب من أئمة الهدى والدين ومن دعاة الإصلاح ومن رواد الفكر الإسلامي) قلت: أئمة الهدى والدين ودعاة الإصلاح (الشرعي) يلتزمون بأمر الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بل جميع رسله على اختلاف الزمان والمكان والحال: الالتزام والأمر بأول ما أمر الله به: إفراد الله وحده بالعبادة، وتجنب والنهي عن أول ما نهى عنه: إشراك غيره معه في عبادته؛ وقد ولد سيد وعاش ومات بين أوثان المشركين منذ قوم نوح (المقامات والمزارات والمشاهد والأضرحة) فأين أمر (سيد أو سلمان) بأول ما أمر الله به؟ وأين نهي (سيد أو سلمان) عن أول ما نهى الله عنه بين زخارف القول والفكر؟
أما (ريادة سيد للفكر الإسلامي) أو تبعيته فلن ننازع (سلمان) في أمرها فاللفظ والمعنى محدث ومتكلف بل مفترى على الإسلام كما بين الشيخ
ابن عثيمين والشيخ الفوزان والشيخ بكر أبو زيد أثابهم الله.
5 – وتواضع (سلمان) بسيده فجعله من أهل العلم الذين (إن حرموا أجر المصيب فلعلهم ـ بإذن الله ـ ألا يحرموا أجر المجتهد). وهذا ما لم يقله ـ فيما قدمت ـ عن ابن باز وبكر أبو زيد رحمهما الله ولا عن بقية علماء المسلمين الذين أسقط عنهم الصحة والثقة والمرجعية، ولا عن أئمة الدعوة التجديدية قبلهم.
وكأن درجة (الاجتهاد) معروضة للبيع في الحراج أو للنهب والسلب والغصب في منتدى الفكر القطبي؛ متى صار سيد عالماً بشرع الله بل طالب علم شرعي إلا أن يكون الأمر كما قال حمزة شحاته في طاهر زمخشري تجاوز الله عنهما: (ما زال هذا الغلام يهذي حتى قال شعرًا!).
6 – ولعل (سلمان) يأخذ بحكم شيخه وزميله في عضوية (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) و(المجلس الأوربي للإفتاء) يوسف القرضاوي (وهو أقرب الأعضاء للعلم بشرع الله): (ظهرت كتب سيد قطب التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره تنضح بتكفير المجتمع وإعلان الجهاد الهجومي على الناس كافة) أولويات الحركة الإسلامية (ص:110). وكذلك فعل تلميذه في (طور الجهر بالسوء من القول، رد الله الجميع إلى دينه رداً جميلاً وهداهم صراط الفقه في الدين وجنبهم مزالق الفكر المنحرف ولو وصف زوراً بالإسلامي. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه ومتبعي سنته.
(1429 هـ).