أول الخروج على الولاة معصيةٌ وآخره فوضى

أول الخروج على الولاة معصيةٌ وآخره فوضى

بسم الله الرحمن الرحيم

1- بدأت معصية الخروج على الولاة فيما سمي بالربيع العربي (تقليدًا للغربيين في وصفهم محاولة الثورة السيطرة الشيوعية في ربيع 1968 من براك التشيكية) بدأت في شتاء 2011 ببرده وعواصفه وقسوته المقدرة على الحياة والأحياء، لا في الربيع (كما حدث في تشيكوسلوفاكيا) بنداه وازدهاره وخيره المقدَّر من خالق كل شيء ومدبره سبحانه وبحمده. وثورة (براك) من النصارى على الشيوعيين، وثورة العرب من المنتمين إلى الإسلام على ولي أمرهم المنتمي إلى الإسلام. وثورة التشيكوسلوفاكيين على حِلف (وارسُو) ثورة على الغزو والاحتلال الأجنبي دينًا ووطنًا، وثورة العرب على ولاة الأمر منهم دينًا ووطنًا بتأييد من حلف الأطلسي لفرض ثقافته ونهجه المخالف لشرع الله في معاملة ولاة الأمر ونهيه عن الخروج عليهم وأمره بقتل الخارجين عليهم إلا من أهل الحل والعقد إذا رأوا كفرًا بواحًا معهم عليه من وحي الله والفقه فيه برهان.
2- بدأت ثورة الشتاء العربي الموافقة للفكر العلماني (المخالف للوحي من الله والفقه فيه من أهله الأول) برجل عصى الله ورسوله فقتل نفسه بشر وسيلة: الحرق بالنار إنكارًا لقَدْرِ الله عليه رزقَه وكفرًا بنعمة الله عليه بالحياة، ولا يحرق بالنار إلا الله وحده، وفي صحيح البخاري: ” من قتل نفسه بشيء عُذب به في نار جهنم، وفي الصحيحين: ” من تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تحسى سُمًّا فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، وحرق النفس سنة بوذيِّي فييتنام.
3- وبدأت ثورة الشتاء العربي (بعد كبيرة قتل النفس) بمظاهرة صغيرة تقودها امرأة تطالب بإطلاق زوجها الشيوعي من سجنه. وعلى عادة العرب اتباع السَّنَن السيئة، ركضت الغوغاء عامة إلى الشوارع والميادين تعلن تأييدها المعصية والعصاة في تونس، ثم عدد من بلاد العرب، ولما تغلبت الكثرة العاصية ركض الباحثون عن السلطة في أذناب الكلاب يقدمهم حزب الإخوان المسلمين والقوميون العرب، والله أعلم أيهم أكثر شرًّا على مستقبل الإسلام والمسلمين، كفانا الله شرهم.
4- وأكبر حجة يجأر بها الخوارج في الحاضر هي حجة الخوارج في الماضي منذ الخوارج على عثمان ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ: الأثَرَة في الأموال والإقطاع والوظائف؛ ظنًّا منهم أنه لا يجوز لولاة الأمور إلا المساواة في العطاء وفق فكر سيد قطب ـ تجاوز الله عنه وعنهم إذ جرأه جهله ـ على نقد ما سماه: (إيثار بعض المسلمين على بعض في أيام عمر)، وما سماه: (إباحة عثمان شراء الأرضين في الأقاليم)، العدالة الاجتماعية، ص175، ط: دار الشروق، عام 1415. ولم يساوِ الله تعالى بين خلقه في الرزق (ولا الخَلْق والخُلُق)، وقال الله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32]. ولم يُساوِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بين المسلمين في العطاء ولا في الأنفال، وإنما ساوى بين من شاركوا في الغزو في الغنائم: (للرَّاجل سهم وللفارس سهمان)، وقد يعطي الرجل الواحد الوادي من الغنم، وقد يقسم ما جاءه من المال بين ثلاثة، ولا يعطي الباقين شيئًا. وعلى هذا النهج اليقيني سار الخلفاء الراشدون ومن تبع سنتهم ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ، رضوا بقسمة الله ورسوله، ولم ينازعوهما بالفكر القاصر كما فعل سيد قطب ومن اقتدى به.
5- وكانت النتيجة في كل ثورة: الفوضى أو اختلال الأمن أو الهرج أو ما يسمى اليوم: الحرب الأهلية بين طرفين أو أكثر من المواطنين؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم (وصحابته وفقهاء الأمة) ينهى عن منازعة الأمر أهله بل كان يبايع أصحابه على ذلك، وكان يخبرهم ـ مما أوحى الله إليه ـ: (أنه ستكون أثرة)، ويوصيهم بالصبر على جور الولاة، وأن يعطوهم حقهم، ويطلبون ما لهم من الله.
6- ولكن الله سبحانه وتعالى قدر بفضله وإحسانه أن تكون ليبيا وحدها قدوة صالحة، فلم تسلم من الفتنة والفوضى، ولكن الله ميزها بأن وجَّه عددًا من الشباب السلفيين إلى هدم ما استطاعوا هدمه من أوثانها المسماة مقامات ومزارات ومشاهد وأضرحة بإذن وعون من بعض من ولاهم الله الأمر؛ فلم يشاركوا في المعصية وانفردوا بأعظم الطاعات والأمر بأعظم المعروف، والنهي عن أعظم المنكر، كما فعل كل رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم بأمر الله تعالى وقَدَره. أما المتاجرون باسم الدين لكسب السلطة فهم الضالون.

(1433/2/24هـ).