{إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس}

إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس

بسم الله الرحمن الرحيم

أنعم الله علي بنعم كثيرة لا تحصى في الدين والدنيا، أكثرها مشتركة بين مواطني هذه البلاد والدولة المباركة، وإن قل الشاكرون، وكثر الجاحدون، وهم: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُم يُنْكِرُونَهَا} [النحل: 83]؛ كان آباؤهم وأجدادهم وكان أكثرهم فقراء فأغناهم الله، خائفين فآمنهم الله، وأهم من ذلك كانوا ضالين فهداهم الله؛ ولكن شياطين الفكر والإعلام اجتالتهم عن طريق العدل، وإليك المثال من مقابلة الأستاذ تركي الدخيل في (العربية ـ إضاءات) للأستاذ محمد الدِّحَيِّم وفقهما الله لأقرب من هذا رشدًا.
وقد سمعت بالمقابلة من قبلُ، ولم أهتم بها، لأن الأستاذ محمد الدحيم هداه الله ليس إلا نسخة أخرى من نهج وأسلوب وفكر من يوصفون بالمفكرين الإسلاميين، وأبرزهم د.سلمان العودة، ردهم الله جميعًا إلى الحق: (نصِّ الوحي الأول).
1- الميزة الثابتة والقاسم المشترك بين المفكرين (الموصوفين بالإسلاميين) دعواهم: الالتزام بنصوص الوحي وعدم الالتزام بفقه السلف (في القرون المفضلة)؛ وعلى هذا سمى (العودة) مؤسسته ومجلته وموقعه: (الإسلام اليوم) بمعنى: أنه يتغير بتغير الزمان والمكان والحال والفرد كما أشار الدحيم في مقابلته ص3 و4، كفانا الله شرهم.
فهم هداهم الله يأخذون الأدنى: (فكر الخلف) وينبذون الذي هو خير: (فقه أئمة الفقه الأول) الذي نص الوحي على الالتزام النبي صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية بما كانوا عليه، في مثل قول: ” من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي، وقوله: ” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، وقوله: ” خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ـ ثلاثة أو أربعة قرون ـ ” ثم تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون. وفي رواية: ” يخونون ولا يؤتمنون.
ولو تُرك للخلف فهم النصوص على غير ما فهمها الصحابة ومتبعوهم وعلى غير ما بيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لضاع الدين والدنيا، ولم تبتل الأمة بالتكفير والتفجير والإرهاب باسم الدين إلا بسبب الفهم القاصر لنصوص الوحي، وبدعوى (الإسلام اليوم)، والقول على الله وشرعه بغير علم؛ والتنفير من علماء الأمة بوصفهم (أشباه الفقهاء) ص2 من المقابلة، و(فقهاء السلطان) ص5.
2- ويتكئ هؤلاء الذين اختاروا الفكر الظني ـ وهو غير شرعي ـ للهوى والعاطفة الذين نهى الله عباده عن الاعتماد على أي منهما في الدين، فقال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم: 23]، وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية: 23]، يتكؤن على ما سماه الخلف (علم المقاصد) الذي عُرف به الشاطبي رحمه الله في القرن الثامن، ثم ألف فيه ابن عاشور رحمه الله في القرن الرابع عشر (ص5)، وبلغ هذا الاتكاء من المهزلة أن ادعاه أحمد زكي يماني في آخر مقابلة له مع عبد العزيز قاسم هداهما الله في جريدة المدينة (الرسالة)، ويمكن أن يدعيه كل جاهل مثلهما بشرع الله.
3- ولن يحفظ الله على الأمة المباركة دينها ووحدتها على التوحيد والسنة إلا بتوحيد مأخذها من الكتاب والسنة بفهم فقهائها في القرون المفضلة، ومنع سفهائها من القول على الله وكتابه ورسوله بغير علم؛ وتشتيت الأمة على سبل الأهواء والأفكار وقد قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]، وسبل الأهواء متعددة بتعدد المفكرين، وكل آدمي مفكر ومعجب بفكره، وكل جني كذلك؛ وما ضلَّ إبليس (أعاذ الله الجميع منه) إلا بفكره، وما خدع آدم وحواء عليهما السلام إلا باسم المقاصد: {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ} [الأعراف: 20]، وهذا لا يعني إلغاء الفكر والمقاصد، بل وجوب ربطهما بالفقه الأول في الدين وعدم تركهما لعبث المتأخرين، وهم ينشغلون بذلك عن أهم وأوضح أمور الدين: نشر إفراد الله بالعبادة ومحاربة الشرك بالله في عبادته، ونشر السنة والتحذير من سائر البدع؛ فلا تعرف عن محمد الدحيم ولا عن شيخه سلمان العودة (وبقية المفكرين) اهتمام بهذين الأساسين العظيمين من أسس الدين، رغم تفشِّي الشرك. والابتداع فيما عدى السعودية.
4- الأستاذ محمد الدحيم هداه الله يناقض نفسه؛ فهو يستشهد بابن تيمية رحمه الله ويلوم غيره على الاستشهاد به (ص13ـ ملاحظة المذيع، و: ص16 آخرها)، ويدعي أن قراءته لابن تيمية نقدية ثم ينفي ذلك (ص: 13 و17) في دأبٍ على التدليس والتلبيس.
ومن تلبيس محمد الدحيم روايته عن الذهبي رحمه الله أن ابن تيمية قال بأنه لا يكفر أحداً من أهل القبلة، ويستدل بذلك على رجوعه عن التكفير مطلقًا.
وابن تيمية رحمه الله يكفِّر القول ولا يكفر القائل، إلا من بلغته الحجة الرسالية وأصر قول الكفر، ومع ذلك فهو لا يحكم على مُعين بأنه مات كافرًا، ولو كان ابن عربي مثلاً فلعله تاب قبل الغرغرة، وكل علماء الأمة يكفرون القول والعمل الكفري ولا يحكمون على الغيب.
الأستاذ محمد الدحيم يناقض نفسه كما أشار المذيع (ص10) فيتصدر الفقه ويضع نفسه فوق الفقهاء، ويحكم بأن اللجوء للفقهاء شكل من أشكال التخلف، وأن الفتوى على هذا قد تعيق التنمية كاملة (ص9)، وأن الفقهاء تعودوا القيام بدور اللاعبين لا المشاهدين (ص8).
5- الأستاذ الدحيم هداه الله يبالغ في وصفه إعمال الفقهاء لقاعدة سد الذريعة أكثر من فتحها؛ والحقيقة أن الفقهاء يعدون ما سماه المفكرين الخلف (فتح الذريعة) هو الأصل، ولذلك لا يكاد يذكر في الفقه الأول، ويعد الفقهاء سد الذريعة: الاستثناء عند الضرورة، اهتداءً بقول الله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، ونحو هذه الآية من نصوص الوحي والآثار (ص: 1ـ4).
6- الأستاذ الدحيم هداه الله (مثل شيخه العودة) يحاول (فيما أرى منهما ومن أمثالهما اليوم) السيطرة على الساحة بإقصاء الفقه و الفقهاء، وتلميع الفكر والمفكرين بعد أن أخفق (العودة) وعصابته في محاولتهم الصريحة لتهييج الغوغاء على ولاة الأمر (أمراء وعلماء) قبل سجنه، ثم قلب جِلْده (في لفظ الأمير خالد الفيصل وفقه الله) وغيَّر أسلوبه (لا هدفه) كما يتبين من مقابلته مع تركي الدخيل (العربية ـ إضاءات)، وكتبتُ مقالاً نشر عنها.
وكما يحاول (سلمان هداه الله) جذب الناس إلى منهجه الفكري التائه بقناته ومجلته ومؤسسته وموقعه وعضويته في مجلس الفتوى الأوربي ومجلس العلماء العالمي؛ يحاول محمد الدحيم هداه الله جذب الناس إلى المنهج التائه نفسه بعضويته في (الجمعية السعودية لذوي الفاعلية العالمية) ومركزه (للتجديد الثقافي)، (كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد).
هدى الله الجميع للثبات على شرعه، وأوزعهم شكر نعمه عليهم بالدين والدنيا، وحفظنا الله وحفظ هذه البلاد وهذه الدولة المباركة ذخرًا وقدوةً صالحة للمسلمين في كل زمان ومكان. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سعد الحصين – مكة المباركة- 1432/10/10هـ.