هل العرب في أسوأ أحوالهم؟

هل العرب في أسوأ أحوالهم؟

 بسم الله الرحمن الرحيم  

أ- ميَّز الله جزيرة العرب وعربها باختيار لغتهم لتنزيل أعظم كتبه إليهم وإلى الناس من بعدهم كافة، وباختيار أعظم رسله وخاتمهم منهم، وبذلك أَخْرج المؤمنين (منهم ومن غيرهم) من ظلمات الشرك والجهل إلى نور التوحيد والعلم الشرعي.
وبفضل الله عليهم وبهم تعرب كثير من الوثنيين والكتابيين في إيران والعراق والشام ومصر وإفريقيا، وفي تركيا وإسبانيا وما بينهما، ومن أهل شبه القارة الهندية فيما عُرف بعد بالهند وباكستان وأفغانستان وبنكلادش، ومن أهل الصين وجنوب شرقي آسيا وشرق أوروبا (بعد أن استسلموا لدين طوعًا أو كرهًا).
ب- ثم خَلَفَتْ بعد القرون الخيرة (بل بعد قرن النبي صلى الله عليه وسلم) خلوف:
1- منهم من خرج على ثالث ورابع خير هذه الأمة عثمان وعلي ـ رضي الله عنهم جميعًا وأرضاهم ـ عام 35 و40 من الهجرة، ومنهم من ابتدع القول في القدر، والإرجاء، وتأويل الصفات خلاف ما يعلمه العرب من معانيها في نصوص الكتاب المحكمة والسنة الصحيحة مما أنزله الله بلسانهم، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم: 4].
2- وجاء الأشاعرةُ ليصلحوا ما أفسده المعتزلةُ بوسيلتهم نفسها: (الفكر)؛ فزادوا الضلال انتشارًا؛ لأن الإصلاح في الدين لا يكون إلا بالوحي والفقه فيه من أهله الأُوَل: (الصحابة والتابعين القدوة) لا بالفكر ولو سُمي: إسلاميًّا.
3- وبدخول غير العرب في الإسلام والعروبة انحرف التدين عن الفطرة السمحة إلى التعقيد الأعجمي المعرب يونانيًّا أو هنديًّا أو روميًّا أو وثنيًّا.
4- وانظر علم الاعتقاد في حديث جبريل صلى الله عليه وسلم الذي رضيه الله ورسوله للثقلين إلى يوم القيامة، وانظره في (جوهرة التوحيد) وشرحها، وفي كبرى اليقينيات الكونية للبوطي، وانظره في مقرر العقيدة في مدارس اليمن ومعهد كِفنارو بدمشق لعبد المجيد الزنداني.
5- بل تذكر كيف كان الصحابة ومن سار على نهجهم (رضي الله عنهم) لا يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا معانيهن والعمل بهن، وكيف ينافس عرب اليوم على حِلق وجوائز التحفيظ السريع بدون تدبر، والتفاخر بعدد القراءات، والتشدق بما يسمى بأحكام التجويد مما لم يعرف عن النبي صلى الله عيه وسلم ولا أحد من أصحابه رضي الله عنهم تكلفه والتفيهق به.
6- ثم جاء العجم المستعربون بالتصوف الهندوسي باسم السلوك والتزكية والإحسان، ولم يسلكه النبي صلى الله عيه وسلم ولا زكَّى به نفسه ولا أمته، ولا صلة له بالإحسان وهو كمال عبادة الله وحده لا شريك له كأنك تراه ـ بما في الكتاب والسنة لا بما تهواه نفسك ـ.
7-  يسر الله علم الاعتقاد ويسر القرآن ويسر الذكر ويسر العبادة بفضله ومنه، فأبى المبتدعة من خلقه إلا مخالفة شرعه وقضائه، وتعسير كل ذلك.
8- ولم يكف الشيطان إلا أن يعيدهم إلى الوثنية الأولى: دعاء الأموات، وطلب المدد منهم، وبناء الأنصاب على قبورهم، واتخاذ القبور مساجد، ولم ير حاجة إلى تضليلهم إلا تغيير الأسماء وكانت أنصابًا وأوثانًا وأصنامًا فسماها لهم: مقامات ومزارات ومشاهد وأضرحة وأعتاب مقدسة.
9- ظنَّ الشيخُ د. بكر أبو زيد رحمه الله أن عرب الجاهلية خير من عرب القومية العربية، لأن الجاهليين الأول كان فيهم ما ليس في الجاهليين المتأخرين (من الطهر والعفَّة والأنفة ومكارم الأخلاق)، حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية، ص20، ط.دار ابن الجوزي، عام 1410، وهو خير كتبه على الاطلاق. ولعل المدافعين عن جاهلية العرب الجديدة (منسوبة للعروبة أو للإسلام) يردون بأن العرب اليوم بطولاتهم (في كرة القدم والتمثيل والتهريج والغناء والرقص، والصحافة التي تقود الأمة إلى الدمار دينًا ودنيا)، وتشهد لهم بالكرم أذناب الأغنام التي تزيِّن الموائد ثم تُرمى في الزبالة، ويشهد لهم بالنخوة والشجاعة والتضحية قتل أنفسهم، وقتل الأنفس التي حرم الله إلا بالحق، وتشهد لهم بالإصلاح ثوراتهم ومظاهراتهم واعتصاماتهم وخروجهم على ولاة أمرهم، ومهما نهى الله ورسوله عن ذلك فإن أكثر من لم يباشر الخروج مع الخوارج يدعوا لهم بالنصر في القنوت وخطب الجمعة، ولا يدعوا لهم بالهداية أبدًا وهم يُخلدون أنفسهم في النار انتحارًا أو شركًا.
ج‌- ويسمي المنتمي إلى الشيعة ابنه: عبد الحسين، ويسمي المنتمي إلى السنة ابنه: عبد النبي، ويدعوا الأول غير الله فيقول: يا أبا عبد الله، ويدعوا الثاني فيقول: يا محمد، و(الدعاء هو العبادة)، وقال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5-6].
1– بدأتْ عودة الوثنية بدولة الفاطميين من القرن الرابع إلى القرن السادس الهجري، وفي القرن السادس الهجري بنى الفاطميون وثنًا في مصر باسم الحسين، ومع أن آخر حكام الفاطميين في مصر العاضد استوزر صلاح الدين الأيوبي وعينه قائدًا للجيش وسماه الملك الناصر (واستوزر قبله عمه شيركوه)، ومع أن صلاح الدين ورث الحكم الفاطمي في مرض موت العاضد، آخر حكامهم، فلم يعرف عن الأيوبيين (وقد حكم صلاح الدين مصر بضعًا وعشرين سنة) إنكار منكر الشرك الأكبر، ولا يزال الوثن (باسم الحسين) قائمًا في بلد الأزهر، بل يقول السيوطي في تاريخ الخلفاء في (ص317) نشر مكتبة نزار الباز عام 1425: إن صلاح الدين الأيوبي عام (572) بنى على قبر باسم الشافعي، فيكون هذا هو ثاني أقدم وثن في مصر نقل التاريخ خبره، ومنذ نحو (900) سنة لم تنقل محاولة تذكر لتغيير هذا المنكر، وقد تولى وزارة الأوقاف في مصر ثلاثة من مشايخي في دار التوحيد بالطائف، وفي كلية الشريعة بمكة المباركة: محمد حسين الذهبي، ومحمد عبد المنعم النمر في التفسير، ومحمد متولي شعراوي في البلاغة، وتقول جماعة أنصار السنة المحمدية في مجلتها (التوحيد): إن نذور الوثن (البدوي مثلًا) تقسم أثلاثًا: ثلث للمحافظة على الوثن، وثلث للقائمين عليه، وثلث للوزارة.
وجماعة أنصار السنة في مصر هي وحدها من حمل هم نشر التوحيد والسنة والتحذير من الشرك وما دونه من البدع، وهما فريضة مهجورة أحياها مؤسس الجماعة محمد حامد الفقي رحمه الله وأسكنه الجنة وخلفه بخير في أهله.
2– ولم تقم دولة مسلمة منذ فتنة الفاطميين بهدم أوثان المنتمين للإسلام (وأكثرها للمنتمين للسنة) غير دولة آل سعود (ثلاث مرات) حفظها الله ذخرًا للإسلام وقدوة للمسلمين؛ إلا أن الملك أحمد بن يحيى (الزيدي) هدم عددًا من أوثان المنتمين للسنة في اليمن، وأشهرها وثن ابن علوان، وهدم أحد قضاة الإباضية ثلاثة من أوثان المنتمين للسنة في منطقة الباطنة من عُمان، وكل أوثان عُمان للمنتمين للسنة، وهدم عبد المجيد الطرابلسي رحمه الله وزير أوقاف سوريا في عهد حافظ الأسد عددًا من الأوثان في حي القزازين (أمام مقبرة الدحداح) في دمشق بطريق شارع بغداد، وبنى مكانها مسجدًا، والمسجد منزه عن ذلك.
3– وابتُليتْ الأمة بفتن المنتمين للشيعة، وأولها: في عهد خير من ينتمون إليه: الخليفة الراشد المهدي علي بن أبي طالب، وثانيها: في عهد خير من ينتمون إليه بعده: الحسين بن علي رضي الله عنهما وأرضاهما.
وابتُليتْ الأمة بالقرامطة وبالإسماعيلية النزارية من عصابة حسن الصباح، وكلهم يقضي الله عليهم في بضعة أعوام أو عقود أو قرون قليلة، ويكفي الإسلام والمسلمين شرهم.
د- ولم تنقص الفتن وأمد البلوى بها في ولاية المنتمين للسنة:
1– بعد انتهاء عهد الأئمة الاثني عشر من قريش: الخلفاء والحسن ومعاوية وجُل ولاة الأمويين رضي الله عنهم جميعًا، غلب علماء الضلال من المعتزلة على عقول ثلاثة من ولاة العباسيين: المأمون والمعتصم والواثق (في بداية القرن الثالث، واستمرت الفتنة خمس عشرة سنة) سجن وجلد فيها الإمام أحمد بن حنبل (28) شهرًا، وقتل أحمد بن نصر الخزاعي، وسجن وجلد عدد يحصى الله وحده، رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته.
وهي أول مرة وربما آخر مرة يُجبر الناس على فساد المعتقد في بلاد المنتمين للإسلام والسنة وولايتهم ولا غيرها (عد إسبانيا بعد طرد المسلمين منها).
2– غلب علماء الضلال في بلاد الشام ومصر على عقول ولاة أمر المسلمين، فنُفي ابن تيمية رحمه الله وسجن مرارًا وضيق عليه بسبب تمسكه بالقرآن والسنة ومجانبته التقليد، ثم سجن في قلعة دمشق حتى مات عام (728) رحمه الله تعالى وجمعنا به في الجنة.
3– وبعد ظلم العثمانيين (دينًا ودنيا) بضعة قرون ختموا ولايتهم المظلمة بمحاولتهم طمس الحقِّ الذي بعث الله به محمد بن عبد الوهاب وآل سعود في القرن الثاني والثالث عشر لتجديد دينه بالعودة به إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم؛ فأرسل محمود الأول بن عبد الحميد الثاني مرتزقتهم بقيادة ولاة مصر، فهدموا الدرعية وقتلوا ونفوا مئات العلماء والأمراء، وقتلوا الإمام عبد الله بن سعود وخادمه صبْرًا، بعد أن طافوا بالإمام أرجاء عاصمة السلطنة على حمار، وجعلوا وجهه إلى دبره. والله غالب على أمره، فعادت الدولة التجديدية والدعوة في بضع سنين، وجدد الله بها الدين مرتين بعد فتنة العثمانيين المنتمين إلى الإسلام والسنة، ثم أتم الله النعمة بزوال الدولة العثمانية فلم تقم لها قائمة، والحمد لله على فضله وإحسانه.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه في 1433/06/13هـ.