الدعوة بالجهل والابتداع [جماعة التبليغ مثلاً]
الدعوة بالجهل والابتداع [جماعة التبليغ مثلاً]
بسم الله الرحمن الرحيم
تلقيت سؤالاً من الشيخ راشد المرّي من قطر بتاريخ 1411/9/19هـ عن جماعة التّبليغ فشكرت الله ثم شكرت أخي السائل على اهتمامه بصحة المنهج في الدعوة إلى الله، وهذا ما يسّر الله لي من الجواب:
1- تعلمون أن الدعوة إلى الله عبادة، والعبادة لا تكون إلاَّ وفق شرع الله في كتابه أو سنة رسوله.
2- الدّعوة على منهج التبليغ (وقد عايشتها تسع سنوات) ليست موافقة لشرع الله في أسلوبها ولا محتواها.
فإن ترتيب (الخروج) ثلاثة أيام وأربعين يومًا وأربعة أشهر، وتحديد موضوع الدعوة بالكلام في (الصفات السّتّ)، ثم قراءة السّور العشر القصار بعد صلاة كل فجر، والتّعريف بالجماعة بعد صلاة كلّ ظهر، والدعوة إلى (الجولة) بعد صلاة كلّ عصر، وبيان تفصيل الصفات السّتّ بعد صلاة كلّ مغرب، والقراءة في (حياة الصّحابة للكاندهلوي) بعد صلاة كلّ عشاء، وتوزيع الجماعة بين جالسٍ للذكر وقارئ لرياض الصالحين، ودليل ومتكلّم في الجولة، وتحديد الكلمات في الجولة والإعلان، كل هذا وأمثاله تحديد وإلزام والتزام لم يجيء به شرع الله ولم يُعْرف عن السّلف الصالح.. هذا في الأسلوب.
وفي المحتوى تخالف جماعة التبليغ رسالة الله لجميع رسله من نوح إلى محمد عليهم الصّلاة والسلام ولجميع عباده: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
إفراد الله وتوحيده بالعبودية أهم وأوّل قضية في محتوى الدّعوة لكلّ رسول، قبل الصلاة والزكاة والحاكمية والآداب والأخلاق، وجماعة التبليغ (مثل الجماعات الإسلامية المنظّمة الأخرى) لا تضع هذه القضيّة في أوّلياتها، بل لا تُعِيْرها أيّ اهتمام؛ بل هي لا تَعْرف ولا تُعرِّف بالكلمة الطيبة: «لا إله إلا الله» بمعناها الصحيح: أن (لا معبود بحقٍّ إلا الله)، وإنما (إخراج اليقين الفاسد من القلب على الأشياء وإدخال اليقين الصحيح على ذات الله بأنه الخالق الرّزاق المحيى المميت)، ولو كان هذا هو معناها لما ردّها مشركوا قريش وقد قال الله فيهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 9].
3- لِـخُرُوج منهج التبليغ في الدعوة عن شرع الله لجميع رسله، وعن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمْ تَسْعَ الجماعة في إصلاح عقيدة جيرانها من عبّاد أوثان القبور في منطقة أولياء [الشيطان] من [نظام الدين] بدلهي، وهي تقيم بينهم منذ بدايتها قبل ستِّين سنة ملاصقة لأوثانهم، بل لم تحاول إصلاح عقيدة أتباعها؛ وجميع مشايخها من المتصوِّفة،وتَظْهر روائح فساد المعتقد من (بياناتهم) جميعًا لأنها تقوم على القصص والرؤى والخرافات لا على الدّليل الصحيح من الكتاب والسّنّة بِفَهْم علماء الأمة الأُوَل.
وليس أظهر في الأدلة على ذلك من وجود القبور في مسجدهم الرئيس في (دلهي)، وبجوار مسجدهم الرئيس في (رائي وند) بالباكستان، وفي مسجدهم الرّئيس في السودان.
4- تعدّد الجماعات الإسلامية ـ في ذاتهـ خروج عن جماعة المسلمين الواحدة؛ بتميّزها باسمٍ، أو أميرٍ، أو مركزٍ، أو ـ أهم من كل ذلك ـ بمنهجٍ بشري، وَبِمِثْل هذا (التجمع) تفرّق المسلمون كما تفرّق مَنْ قَبْلهم شيعًا وأحزابًا {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53]، {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159].
5- كون جماعة التبليغ (أكثر الجماعات تَبـَعِيَّة) ـ كما ذكرتم ـ لا يعطيها أيّ ميزة شرعيّة، بل إن كثرة (التّبعيّة) دليل غالب على الضّلال الذي لا تقاومه النفس ولا يقاومه الشيطان قال الله تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116]، {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]، {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24]، {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106].
ولا يصحّ اتخاذ العدد دليلاً على أي حال؛ فإن النبيّ «يأتي يوم القيامة ومعه الرجل والرجلان ويأتي النبي وليس معه أحد»..
وأوّل أولوا العزم من الرّسل نوح عليه الصلاة والسلام {وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود: 40] بعد أن لبث في قومه {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14].
6- و(النشاط في الحركة والدّعوة) ـ كما ذكرتم ـ ليس دليلاً على صحة المنهج أيضًا؛ فأهل الضّلال ـ عمومًا ـ أنشط من أهل الحق لأن الشيطان والنفس الأمارة بالسّوء إلا ما رحم ربِّي يُزَيِّنان الباطل ويثبطان عن الحق. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة»، وهي الطائفة التي لا تزال على الحق الذي أُنْزِل به الوحي منصورة لا يضرّهم من خالفهم ولا من خذلهم (وإن كثروا).
وممّن عدّ الجماعات والأحزاب الدّينيّة فِرَقًا: الشيخ د.بكر أبو زيد في كتابه الفريد (حكم الانتماء إلى الجماعات والأحزاب الإسلامية).
7- أمّا (إن لهم فضلاً في هداية بعض الناس) فلا شكَّ أن المنهج الفاسد يلقى أقل مقاومةٍ من النفس والشيطان؛ وعلى هذا يلقى المتصوّفة والشيعة قبولاً أكثر من أهل السنة.. وإذا ضَمِنَت النفس والشيطان فساد المعتقد والمنهج فلا أهمية لصلاح غيره، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].
ولقد لمست أثناء خروجي مع الجماعة كثرة تساهلها مثل بقية الجماعات الإسلامية في المعتقد والتّشدّد فيما دونه، خلاف شرع الله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، ويكفي النفس والشيطان أن يطرأ الّلين في المعتقد على جزيرة العرب ـ ملاذه الوحيد اليوم ـ بأي مقابل.
ثم إن نشاط جماعة التبليغ ـ وغيرها من الفِرَق والأحزاب في العِقْدين الماضيين ـ نتيجةٌ لا سببٌ لما يُسَمَّى الصّحوة، وقد قضت أربعين سنة في الركود والخمول ثم نشطت مع الجميع، والفضل لله وحده في الاتجاه الدّيني الحاضر صالحًا أو طالحًا وإن ادّعاه كلٌّ لحزبه.
8- أما (إن بعض العلماء في السعودية أو غيرها قد أيَّد الجماعة)؛ فلا يُعرف عالِمٌ يُعتدّ به خرج مع الجماعة ثم زكَّاها، وإنما يؤخذ بعض العلماء بتزكية بعض أفرادها لها (ومبالغتهم في ذكر إنجازها وستر عيوبها) فيصدر منهم تأييد لها.
وقد حذَّر منها عدد أكبر من العلماء، ومنهم المشايخ حمود التوّيجري، وعبد الرزاق عفيفي، وصالح اللحيدان، وعبد الله الغديان، وصالح الفوزان، من هيئة كبار العلماء([1])، وحذَّر منهم كثير من طلاب العلم الذين رافقوهم شهورًا وأعوامًا وانقطعوا لدعوتهم حتى أَمِنَ مشايخُهم منهم فأظهروا الجانب الخفيّ من دعوتهم وبدعهم؛ وبايعوهم على التّصوف، ثم تبرّأ الذين اتَّبَعُوا من الذين اتُّبِعُوا ومنهم الشيخ عبّاس الشرقاوي، وأَطْلَعوا الناس على النصوص الشركية والخرافيّة والبدعيّة في مناهجهم وبخاصة (تبليغي نصاب)، وقد كنتُ وقعتُ في تأييدهم وتزكيتهم لدى العلماء ودافعت عنهم، حتى اطّلعت على ما خفي عليَّ من فساد الجماعة، هدانا الله وإياهم لأقرب من هذا رشدًا.
(1) وكذلك حذَّر من جهلهم بالعقيدة الشّيخ عبد العزيز بن باز في مجموع فتاواه جـ8 ص331، وأفتى (بعدم جواز الخروج معهم إلاَّ لطالب علم متمكّن من علم الاعتقاد لإصلاحهم) في آخر فتاواه عنهم عام 1414هـ، وأوصى بحذف أيّ رسالةٍ صدرت باسمه تأييدًا لهم.