الدعوة إلى الله أهم وظائف المعلم؛ ردّ على صحفيّ في مجلّة الوطن

الدعوة إلى الله أهم وظائف المعلم؛ ردّ على صحفيّ في مجلّة الوطن

بسم الله الرحمن الرحيم

كتب صحفيٌّ جاهل بشرع الله في العدد (921) من جريدة الوطن بتاريخ 1424/2/6هـ داعيًا إلى إقصاء الدعوة إلى الله عن المدارس، لأنّ وجودها (سبب مهمّ في تدنّي مستوى التعليم) كما يقول، وإنِّي:
1- أوافقه في أن (كثيرًا من المعلمين الدعاة ينقصهم الفقه) لأن بضاعتهم لا تتجاوز ما سُمِّي ـ خطأً ـ بالفكر الإسلامي، وهو شيء آخر غير الفقه في الدِّين الذي يقوم على الوحي؛ فهو وحده اليقين من ربِّ العالمين، ولا يجوز نسبة شيء إلى الإسلام إلا ما تضمَّنه الوحي والفقه فيه.
2- وأوافقه في أن (مصطلح داعية) الخطأ أيضًا فقد وصف الله خير دعاته: نبيّه محمدًا صلى الله عليه وسلم بقوله: {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ} [الأحزاب: 46]، مذكرًا غير مؤنث ـ هذا المصطلح صار يطلق على الواعظين القصّاص والمفكرين والخطباء، وأكثرهم لا يستحقونه، إضافة إلى مصطلح العلامة والإمام إلخ.. وهذه خطيئة وسائل الإعلام قبل غيرها.
3- وأوافقه في أن (الدعوة الفكرية غير الشرعيَّة أفسدت وزاحمت أمر التعليم بل أفسدت وزاحمت أمر الدين الحق) في خير أرض الله وفي خير أهله فلم تنتج غير الفتنة لقلّة فقه أكثر القائمين على الجمعيَّات المدرسيّة الدينيّة والمراكز الصّيفية والرحلات وانشغالهم بمناهجها الضَّالة عن منهاج النبوّة.
4- ولكني أخالفه في ظنّه أن (المعلم لا يجوز له دعوة تلاميذه) إلى الله: (كأننا لسنا مجتمعًا مُسْلِمًا بالفطرة، أو كأن الإسلام الذي نحن عليه ليس كافيًا) كما قال؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو آل بيته وكبار صحابته والمسلمين عامّة، ويحذَرهم من الابتداع في الدِّين وأشنعه الشرك بالله في عبادته، وأكبر أبوابه منذ قوم نوح حتى تقوم الساعة: المزارات والمشاهد والمقامات والأضرحة، وهي أوثان الجاهليّة الأولى والحاضرة والمقبلة، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].
وقد ثبت في الصحيحين معًا، وفي كلٍّ منهما منفردًا، وفي مسند الإمام أحمد ـ رحمهم الله جميعًا ـ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم استمرَّ في دعوة خيار المسلمين وصفوتهم حتى الساعة الأخيرة من حياته وأن آخر ما أوصاهم به سدّ ذرائع الشرك في مثل قول عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حَضَرَتْه الوفاة جعل يلقي على وجهه طرف خميصة له فإذا اغتمَّ كشفها عن وجهه وهو يقول: «لعنة الله على اليهود والنّصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، قالت: (يحذّر مثل الذي صنعوا) [متفق عليه]، ومثل قولها رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع رأسه [في مرض موته] فقال: [عن مشركي النّصارى]: «أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا ثم صوّروا تلك الصّور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» [متفق عليه].
ولا يكاد بلد مسلم ـ خارج هذه البلاد والدّولة المباركة ـ يخلو من أوثان المقامات والمزارات؛ يختلف ويتقاتل المسلمون (أو يتّفقون) عليها مع اليهود والنَّصارى وفِرَق الضّلال الأخرى. وكانت أمثالها موجودة في هذه الأرض المباركة ـ شرقها وغربها وشمالها وجنوبها ـ حتى بعث الله هذه الدَّولة المباركة لتجديد دينه بالعودة به إلى أصله؛ فأزالتها الدّولة الأولى، ثم عادت تحت راية (الخرافة العثمانية) حتى أزالتها الدّولة الحاضرة حفظها الله قدوة صالحة.
وعن المستقبل قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تضطرب أَلَيَات نساء دوس على ذي الخلصة» [متفق عليه] وهو وثن في تبالة (قرب بِيْشَه) وفي (جبل دَوْس) من (زَهْران)،وقد هُدم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام فلم يُهدم حتى هدمته هذه الدولة المباركة (مرَّتين) مع أمثاله.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يذهب اللَّيل والنَّهار حتى تُعبد اللاَّت والعزّى» [رواه مسلم].
5- وأخالفه في ظنِّه أن النَّهي عن زيارة القبور للنِّساء يلزم منه عدم تذكيرهن الموت، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكّر خيار هذه الأمة الموت رجالهم ونساءهم، صغارهم وكبارهم، ويأمرهم وينهاهم في كل خُطَبِه يوم الجمعة (وهي أهمُّ مَثَلٍ وقُدْوَةٍ للدعوة والدعاة قبل أن يحوّلها المبتدعة إلى ملحقٍ لوسائل الإعلام)، وقالت أم هشام بنت حارثة ابن النّعمان: لقد كان تنّورنا وتنّور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدًا سَنَتَيْن أو سَنَةً وبعض سَنَة وما أخذت {ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1]، إلاَّ عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كلَّ جمعة على المنبر إذا خطب الناس. [رواه مسلم في صحيحه].
6- ولكني أوافقه في أنَّ (من أكبر أخطاء الدُّعاء المفكرين غير الفقهاء: صرف الاهتمام إلى المهمّ ـ أو عدم المهم ـ عن الأهم)؛ فَيُشغِلون النَّاس بما (فوقه أو تحته خطّ كما قال)، بل بالنوافل عن الفرائض وبالصّغائر عن الكبائر، بل بالفتنة والتكفير والجهاد الوهمي عن نشر توحيد الله تعالى وسنة رسوله والتحذير من الشرك والابتداع.
7- وأهم وظائف المعلم: الدعوة إلى الله تعالى على بصيرة من كتاب الله وسنة رسوله، على منهاج النبوة المعصومة (لا على المناهج القاصرة لحسن البنَّا أو سيّد قطب أو النّبهاني أو محمد إلياس أو أي بشر غير معصوم) وبخاصّة في الدّولة الوحيدة التي أُسِّست من أول يوم على منهاج النّبوّة منذ القرون المفضّلة ـ أدامها الله على صراطه المستقيم، مميزة بشرعه، هادية مهتدية.
8- (إحاطة الدّعوة والدُّعاة بنا من كل جانب) كما يقول الكاتب: مَنْقَبة لا مَنْقَصة، وتمييزٌ من الله للدولة والبلاد وأهلها، بل هي ميزتها الأولى والعظمى والوحيدة ثبَّتها الله على ذلك، ولكن لابد من اختيار القائمين على الدعوة في مؤسّسات التعليم العامّة والخاصّة على أُسُس صحيحة من العلم بشرع الله والفقه في دينه والتزام منهاج نبيّه، والموازنة بين الأوّليّات؛ فلا إفراط ولا تفريط، والله ولي التوفيق.