من يبني الحضارة [2]

من يبني الحضارة [2]

بسم الله الرحمن الرحيم

قدوة المواطن للمواطن
في القسم الأول  من مقال بعنوان (من يبني الحضارة) ضربت مثلين من الواقع في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية شاهدين على أن المواطن في بلاد الحضارة الغربية الحاضرة هو الذي يبني مظاهر الحياة المادية والفكرية (لا الدولة) بانجازاته الفردية أو التعاونية من النظريات، والمخترعات، والجامعات، والمستشفيات، والمتاحف، والمنتزهات، ووسائل الإعلام والترفيه ومؤسساتهما، وإن شاركت الدولة في شيء من ذلك فعلى نفقته وجهده ولفائدة الجميع.
وبالمقارنة يصرف المواطنُ العربي المسلم أكبر همه وجهده في البحث عن طريق لانتفاعه هو من وطنه لا لنفعه إياه.
ولكن من العدل والشكر لله ثم لمن يستحق الشكر من عباده الإشادة ببعض الاستثناءات القليلة لهذه القاعدة:
أ‌- سنت شركة العبد العزيز ومحمد العبد الله الجميح سنة حسنة نادرة قبل خمسين سنة بمد مياه الشرب إلى كل بيت في (شقراء) وبكل ما يحتاج إليه هذا الهدف من حفر الآبار وتركيب المضخات والأنابيب، جزاهم الله خير الجزاء.
وقبل بضع عشرة سنة تميزت الشركة نفسها مرة أخرى (بل انفردت حتى اليوم) بكفالة ثمانين من دعاة التوحيد والسنة في الخارج على قائمة مكتب بيت الشيخ ابن باز رحمه الله، إضافة إلى أربعة وثلاثين من دعاة التوحيد والسنة في مختلف بلاد الشام ومصر، وأهم من التميز في عدد الدعاة: التميز في الحرص على تمسكهم بمنهاج الوحي والفقه وتحررهم من مناهج الفكر المبتدعة في الدين المفرقة للدين وأهله.
ب‌- وسنَّ وزير المالية الأول: عبد الله بن سليمان الحمدان رحمه الله سنة مماثلة بمد مياه الآبار في عنيزة إلى كل بيت فيها قبل خمسين سنة. وعند إنشاء جامعة الملك عبد العزيز في جدة قدم ورثته جزءًا كافيًا من أراضيهم ومبانيهم لإيواء نواة الجامعة.
ج- وفي السنوات الأخيرة ظهر اتجاه أشمل وأعم للاصلاح بظهور مؤسسات العمل التطوعي التعاوني تجمع بين أموال المحسنين ونشاط العاملين على تحصيلها وصرفها في مصارفها المشروعة، وكان لها الفضل بعد الله في توجيه المواطنين وتيسير مشاركتهم في أعمال البر والإحسان، ومن أبرز هذه الأعمال:
1) بناء المساجد، وهو أمر سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، ورغب فيه، وبين أن جزاءه بيت في الجنة.
ولضمان الاستفادة منه على الوجه الشرعي وقبوله عند الله يجب الحرص على مطابقة بنائه واستعماله لشرع الله بالتخلص من بعض المخالفات والبدع التي وسوس بها الشيطان وسولت بها النفس الأمارة بالسوء من الزخرفة والإسراف في الحجم والنفقة، واقتباس رموز العمارة الكنسية التي وصفت زوراً بالإسلامية مثل القبب التي تمنع الاستفادة من السطح والالتزام بزخرفة واستدارة المحاريب التي يغني عنها عند الحاجة أي تجويف في قبلة المسجد، والالتزام برمز الهلال الذي سبق إليه النصارى والمجوس وليس له مكان في شرع الله، وتعدد المآذن وبخاصة بعد أن توفرت مكبرات الصوت، والنقوش في الجدران أو السقوف أو الفراش ولو بكتابة لفظ الجلالة أو أسماء الأنبياء والصالحين، والإسراف في استهلاك الكهرباء بإضاءة الثريات الكهربائية لغرض الزينة في يوم الجمعة وشهر رمضان تقليداً للمبتدعة، وتكييف وإضاءة كامل المبنى كل وقت ولو لم يشغل المصلون غير حيز صغير منه، وتخصيص مكان منفصل لقراءة القرآن وآخر لصلاة النساء؛ خلافاً لما كان عليه سلف الأمة في القرون الماضية.
2) استقبال الصدقات والأضاحي والكفارات، وكفالة الدعاة والأيتام، وتفطير الصائمين، والأطعمة والملابس والحقائب المدرسية.
3) طبع وتوزيع الكتب والرسائل والنشرات الدينية وتعليم القرآن والسنة.
4) توعية الجاليات الأجنبية بتنظيم الدروس وتقديم الكتب بلغاتهم.
5) رعاية المسجونين وذويهم بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر؛ والإعانة على فك أسرهم أو إعانة ذويهم بالمال والمتاع.
6) إقامة المخيمات والمنتديات والملتقيات والمهرجانات باسم الدعوة إلى الله، وإن غلب على هذه ما يغلب على القائمين عليها من جنوح إلى التحزب والتعصب للأفراد والمناهج البشرية غير المعصومة، والدعوة بالقصص والشعر والأمثال والفكاهة، عوضاً عن الوحي والفقه في نصوصه: منهج النبوة ومنهاج التابعين له.
7) وأخيراً بدأت ـ بفضل الله ـ تظهر مؤسسات قليلة للدعوة إلى الله على منهاج النبوة بالوسائل العادية والفضائية زادها الله هدى وعددًا.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومتبعي سنته.