إن الله يؤيد هذا الدين بقوم لا خلاق لهم

إن الله يؤيد هذا الدين بقوم لا خلاق لهم

بسم الله الرحمن الرحيم

أ– سألني خير إخواني في الدين والدعوة إليه على منهاج النبوة، هل قلتُ يومًا: إني أَعُدُّ أمريكا نعمة من نعم الله على هذه الأمة؟ فلم أتذكر تلفظي بهذه الكلمات، وإن كنتُ لا أستبعد معناها:
1) كان انتصار أسلاف الأمريكيين من الروم على الفرس (في العراق وإيران) نعمة من نعم الله على المؤمنين في القرن الأول، أفرحتهم بنصر الله أهل الكتاب على الملحدين.
2) قدر الله تعالى أن يكون أول لقاء بين المجدد الثالث في هذه الأمة للدعوة والدولة المباركة (الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى) وبين الرئيس الأمريكي (روزفلت)، وقبله باثنتي عشرة سنة: توقيع الاتفاق مع الشركات البترول الأمريكية للتنقيب عن النفط والمعادن في صحراء جزيرة العرب؛ فاتحة خير عظيم للدين والدنيا.
3) عندما احتل حزب البعث العراقي الاشتراكي الكويت أيده أكثر العرب الذين يصفون أنفسهم علمانيين أو لبراليين أو إسلاميين بل أكثر من يدعي السلفية (باسم محاربة الاحتلال الأجنبي)، ونفع الله دين الموحدين ودنياهم بجيوش أهل الكتاب تقودهم أمريكا، فرد بهم كيد الكائدين وظلم الظالمين وجهل الجاهلين، وفرح الموحدون مرة أخرى بنصر الله، ينصر من يشاء، وهو العزيز الحكيم. والحمد لله على نعمه.
4) وعندما تحولت أفغانستان وطالبان إلى قاعدة للإرهابيين الموصوفين زورًا بالإسلاميين أيد الله الإسلام الحق (والموحدين المنتمين إليه) بأمريكا رغم المعارضة الأوروبية فحطم بجيشها الإرهاب وقادته وقاعدته، وشتتهم في أقاصي الأرض، ثم قضى الله بها على البعث العراقي وقادته وشتت شملهم، وأرى الموحدين فيما صنع بهم جميعًا عجائب قدرته، والحمد لله.
ب- يظن أكثر العرب (ممن عقله في أذنيه، كما يقول شوقي رحمه الله) أن انتقال الحكم في بيت المقدس من أيدي المنتمين إلى الإسلام والسنة إلى أيدي المنتمين إلى إسرائيل مرجعه ومآله إلى أمريكا (ودولة اليهود)، وهذا الظن لا يغني من الحق شيئًا؛ وهو يخالف الوحي والفقه فيه، ويخالف الحقيقة والواقع؛ قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]، وقال تعالى ردًّا على سؤال بعض أفراد جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد: (أنَّى هذا): {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165]؛ فالله يرد الخطأ إلى نفس المخطئ ليستغفر الله ويتوب إليه، وشياطين الجن وأتباعهم من شياطين الإنس (الحزبيين والحركيين والفكريين) أعاذنا الله منهم يردون الخطأ إلى الآخرين: الحكام الأمريكيين..إلخ، ليبقى المخطئ على خطئه إلى يوم الدين عمدًا أو جهلًا.
1) عندما زرتُ بيت المقدس وما حوله عام (1385هـ) تذكرتُ قول أخ سوداني زارها قبلي بقليل: (سينزعها الله من أيدينا) بسبب ما رأى من كثرة المعاصي: الخمر والفواحش، وأعظمها وفوقها: (لعن الرب، ولعن الدين) الذي لا يدفع إليه من الغرائز الجبلية أو المكتسبة ما قد يدفع إلى المعاصي الأخرى (عدا الشرك والابتداع والإسراف، وهي القاسم المشترك بين الأكثرين).
2) ولعل الأخ السوداني لم يؤرقه ما أرقني من كثرة أوثان الأضرحة والمقامات والمزارات، وأكثرها للمنتمين للإسلام والسنة، لأنه أَلِفَ رؤية مثلها في السودان وبقية بلاد العرب، ولا وجود لشيء منها في السعودية بفضل الله ثم بفضل دولتها.
وأبرز هذه الأوثان ما بُني عليه معبد أوثان يسميه المنتمون إلى الإسلام والسنة: (الحرم الإبراهيمي الشريف) ولا حرمة له ولا شرف، ولا تصح نسبته إلى إبراهيم عليه السلام محطِّم الأوثان، بل هو معبد وثني ابتدعه اليهود وبَنى عليه الصليبيون كنيستهم بدعوى أنه يضم أربعة قبور لإبراهيم عليه السلام وآله، ثم أخذه المنتمون للإسلام والسنة بقيادة صلاح الدين الأيوبي وبنوا فيه سبعة أوثان باسم إبراهيم وآله صلوات الله وسلامه عليهم، فلم يكتفوا باتباع أسوأ سنن اليهود والنصارى، بل فعلوا وزادوا.
ج- ويظن أكثر العرب والمسلمين العجم أن أمريكا بشركات البترول الأمريكية تفعل في السعودية ما فعلته في بلادهم قوات الاحتلال الأوروبي (الذي لم تسلم منه غير السعودية بفضل الله ورحمته ورعايته) وما أبعد هذ الظن عن الحق والعدل:
1) منذ وُقع العقد للتنقيب عن النفظ عام (1353هـ)، وأنشئت شركة أرامكوا (العربية الأمريكية) حتى اليوم عام (1433هـ)، بعد أن تحولت إلى: (أرامكوا السعودية) لم تُبن كنيسة في جزيرة العرب للأمريكيين ولا لغيرهم بل لم تظهر منهم مخالفة واحدة تذكر لشرع ولا لنظام الدولة خارج منطقة سكنهم الخاصة بهم خلال (80) سنة.
2) عندما أمر الملك سعود رحمه الله أن توقف شركة تصدير النفط  إلى انكلترا وفرنسا ومؤيديهما في الاعتداء على مصر عام (1376هـ)، لم تتلكأ الشركة لحظة واحدة في التنفيذ مع أنه لا سابقة لهذا الأمر، بل لم تتلكأ لحظة واحدة في تنفيذ أمر الملك فيصل رحمه الله بإيقاف شحن النفط إلى أمريكا نفسها عام (1393هـ)، لتزويدها إسرائيل بالسلاح أثناء معركة سيناء بطريقة استفزازية لا مسوغ لها.
3) واسمع هذه الرواية ليتبين لك الفرق بين الاحتلال والتعاون: الأستاذ محمد أبا الخيل مثقف سعودي استردت عائلته الجنسية السعودية مثل أكثر العائلات الزبيرية النجدية كان يزور لوس انجلس في إجازته السنوية زيارة خاصة لا علاقة لها بوظيفته وزيرًا للمالية السعودية، وبتوجيه من الملك فهد رحمه الله اتصل هاتفيًا بوزير الخزانة الأمريكي في واشنكتن وأخبره أنه في كلفورنيا يقضي إجازته، ولكن الملك فهد يتساءل عما إذا وجدت محاولة لحل مشكلة الدولار (أي: لما لانخفاض سعره من تأثير داخل المملكة)، فطلب الوزير الأمريكي إمهاله بضع ساعات لتقديم تقرير متكامل يجيب على سؤاله من جميع الجوانب، وبعد التشاور بين الوزير والرئيس الأمريكي طار الوزير بالطائرة الرسمية بضع ساعات نحو (5000) كيلو بين العاصمة الأمريكية وولوس انجلس ليطمئن محمد أبا الخيل (وفوقه خادم الحرمين) أن أمريكا جادة في الحل.
4) واعْجبْ للفرق بين خيال الغوغاء وبين الحقيقة والواقع في العلاقات الدولية وتبادل المصالح. واعجب لرد سمو الأمير عبد العزيز بن فهد آل سعود على سؤال عن خير يوم مر عليه؟ قال: يوم تحرير الكويت. وبين أكثر العرب الذين عدوا اليوم نفسه شر يوم مرَّ عليهم! ولولا أن أكثرهم لهم قلوب لا يفقهون بها لتقطعتْ كمدًا وحزنًا وغيظًا وحقدًا.
5) قد يُعزي العرب أنهم ليسوا وحدهم الأغبياء، وهم على أي حال مقلدون يتبعون كل ناعق في هذا العصر، ولا يتبعون دعاة الهدى إلى مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم: كتب سفير أمريكي سابق لدى السعودية بأن أمريكا إذا انتهتْ فتنة العراق في الكويت لن تعطي السعودية أكثر من ستة دولارات للبرميل من نفطها، وفعلًا نزل سعر البرميل من (34) إلى (8) دولارات، ولكن لعله عاش حتى يدرك سخافته بعد أن ارتفع السعر بين (70) و(140)، وفي أمريكا نزل من (39) إلى (9) دولارات، فباع جورج بوش شركته.

(1433/6/7هـ).