الدعوة إلى الله على غير بصيرة
الدعوة إلى الله على غير بصيرة
بسم الله الرحمن الرحيم
أ) في أول النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري قام كل من حسن البنا في مصر ومحمد إلياس في الهند بتأسيس جماعة للدّعوة إلى الله سماها الأول: (الإخوان المسلمون) وسُمِّيت الثانية: (جماعة التبليغ) ولم يُغْنِ عنهما حُسْن القصد وسمو الهدف؛ فوقع كل منهما في مخالفة شرع الله:
1 – لم تُبْنَ دعوتهما على بصيرة من كتاب الله ولا قدوة من سنّة نبيه صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108].
2 – زادتا فِرَق المسلمين وجماعاتهم وأحزابهم وخرجتا بذلك عن جماعة المسلمين الواحدة (بالاسم والمنهج والأمير والشعار) و«يد الله على الجماعة».
3 – دخلتا في الثنتين وسبعين فرقة (في النار) كما أفتى بذلك الشيخ ابن باز رحمه الله أثناء شرحه المنْتَقى في الطائف قبل وفاته بأعوام (النصيحة لسعيد بن هليل العمر ص10–11) وكما أفتى بذلك الشيخ د.صالح الفوزان حفظه الله (الأجوبة المفيدة لجمال بن فريحان الحارثي ص35).
4 – أفتت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء برقم (1674) في 1397/10/7هـ بتحريم هذا التفرّق وأنه (مما نهى الله عنه وذم من أحدثه أو تابع أهله وتوعد فاعليه بالعذاب العظيم).
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159].
5 – وأفتى بتحريم التفرق الشيخ د. صالح الفوزان، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ الألباني، والشيخ د.بكر أبو زيد في كتابه (حكم الانتماء إلى الفِرَق والجماعات والأحزاب الإسلامية) وتفصيل ذلك في كتاب (الجماعات الإسلامية بين العاطفة والتّعقُّل لسعود بن ملوح العنزي ص103–112)، ولو سُمِّي هذا التفرق تجمعاً أو جماعة أو حزباً أو طائفة أو طريقة.
6 – وبقيت جماعة التبليغ على سنّة محمد إلياس حتى اليوم، وتفرقت جماعة الإخوان المسلمين إلى فِرَق: جماعة المسلمين (التكفير والهجرة)، حزب التحرير، حزب الجهاد الإسلامي، البنّائين، القطبيين، السّروريّين، جبهة الإنقاذ في الجزائر، حماس في فلسطين، الجماعة الإسلامية في لبنان وغيرها، بعضها على ارتباط صريح بالجماعة المبتدعة الأم وبعضها منفصل عنها ظاهراً أو باطناً.
ب) كلا المؤسِّسَيْن رحمهما الله نشأ على التصوف؛ تربى في أحضانه، وبايع عليه، وتعلق به، ولم يُعلِن مفارقته حتى فارق حياته، وإن لم يُعْلِن وجوب الالتزام به فيما أعلم.
ج) وكلا المؤسِّسَيْن خالف منهاج النبوة في الدعوة إلى الله منذ بعث الله نوحاً عليه السلام بقوله تعالى: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59] وقفّى الله على أثره بجميع رسله لا يتغير أساس دعوتهم مهما تغير الزمان والمكان والحال.
ومع أن المؤسِّسَيْن وُلِدا وعاشا وماتا بين أوثان المقامات والمزارات والأضرحة (وهي على قواعد أوثان قوم نوح وكثير من قوم محمد ومَنْ بينهما) فلم يجعل أي منهما للأمر بإفراد الله بالعبادة ولا النهي عن الإشراك به في عبادته مكاناً في منهاجهما العملي.
مع أن البنا نهى عن الإسراف في القهوة والشاي، وأن إلياس أمر بالنوم على الجَنْب بعد ركعتي الفجر؛ فانشغلا وأشغلا الناس بالمهم عن الأهم، بوسوسة من الشيطان.
د) وكلا المؤسِّسَيْن خالف منهاج النبوة في الدعوة إلى الله فتجنب النهي عن منكر الابتداع في الدين؛ منكر التقرب إلى الله بشرع لم يأذن به الله، منكر التقديم بين يدي الله ورسوله، بل منكر إشراك غير الله معه في دعائه وعبادته، وهو أعظم الظلم وأشنع الابتداع وأكبر الموبقات، وهو الشرك الأكبر الذي لا يغفر الله لمن مات عليه وإن شاء المغفرة للزاني وشارب الخمر وغيرهما ممن مات على كبيرة دون الشرك كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48] وفي الآية الأخرى من سورة النساء: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 116].
هـ) وبمخالفة هاتين الفرقتين شرع الله وسنة رسوله في الدعوة إلى دينه وخروجهما عن الجماعة والولاية وعن منهاج النبوة في أهمّ وأخصّ وظائف النبوة والرسالة (الدعوة والتبليغ) فإنهما (وأمثالهما) مشاقّتان للرسول من بعد ما تبين لهما الهدى ومتّبعتان غير سبيل المؤمنين، بل هما حاكمتان بغير ما أنزل الله مختارتان لغير ما قضى الله ورسوله من أمر الدعوة.
كيف يعامل مقترفوا هذه المعصية الكبيرة؟
أ) أفتى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بما يلي: (الواجب على المسلم توضيح الحقيقة ومناقشة كل جماعة، ونصح الجميع بأن يسيروا في الخط الذي رسمه الله لعباده ودعا إليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن تجاوز هذا أو استمر في عناده فإن الواجب التشهير به والتحذير منه ممن عرف الحقيقة, حتى يتجنب الناس طريقهم وحتى لا يدخل معهم من لم يعرف حقيقة أمرهم فيضلوه ويصرفوه عن الصراط المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه في قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] ومما لا شك فيه أن كثرة الفرق والجماعات في البلد المسلم مما يحرص عليه الشيطان أولاً، وأعداء الإسلام من الإنس ثانياً) مجموع فتاوى ابن باز (5/202 –204).
ب) كنت أرى من وجهة تنظيمية أن مجرد قرار منعهما لن يضمن استئصال شرّهما وفسادهما، والذي حدث أن جماعة التبليغ تحولت عن المساجد إلى البيوت وعن الاجتماعات الظاهرة في الداخل إلى الاجتماعات في الخارج، أما جماعة الإخوان المسلمين الممنوعة أصلاً فقد اغتصبت المؤسسات العامة والخاصة: المنابر يوم الجمعة، المدارس، جمعيات الإغاثة، الندوة العالمية للشباب، مجلة الأسرة (الوقف الإسلامي)، المراكز والرحلات والجمعيات المدرسية، جمعيات تحفيظ القرآن، المسابقات، المهرجانات ومعارض الكتاب وأي شئ يوصف بالإسلامي إلاّ ما ندر.
جـ) وكنت أرى أن يبقى مَنْع تعدد الفرق والجماعات والأحزاب وَفْق شرع الله، ويعالَجَ وجود هذه الفِرَق (التبليغ والإخوان خاصة) فعلاً بتأمير أحد العلماء أو كبار طلاب العلم الشرعي عليهم وبالتالي: تصحيح مناهجهم حتى تتّحِدَ في منهاج النبوة، وقَطْع اتصالهم بقياداتهم في الخارج مصدر فسادهم، وإبطال حُجّتهم المفتراة التي تعينهم على جذب العامة: بأن الدولة تمنع الدعوة إلى الله.
وهذه الدولة بفضل الله قامت في مراحلها الثلاث في القرون الثلاثة الأخيرة على الدعوة إلى الله على بصيرة وجددت الدين في كل مراحلها الثلاث بالعودة إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهي ميزة لم ينافسها فيها أحد من دول المسلمين منذ القرون المفضلة.
ومع ضيقي بكثرة الأنظمة وكثرة الإدارات والوزارات وكثرة الموظفين، فإني أرجو الله أن يوفق ولاة الأمر لإنشاء وزارة للدعوة إلى الله تضم إدارات الدعوة في الداخل والخارج، وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحوها.
وتتولى الإشراف الفعلي (لا النظري أو الاسمي وحده) على النشاط التطوعي والتعاوني بمختلف عناوينه وأسمائه ومظلاته، بهدف إخضاع الجميع لمنهاج النبوة.
(1427هـ).