مغازلة الابتداع في بلاد ميَّزها الله بمحاربته، نقد فكر د.محمد عبده يماني

مغازلة الابتداع في بلاد ميَّزها الله بمحاربته، نقد فكر د.محمد عبده يماني

بسم الله الرحمن الرحيم

ابتلاني الله بقراءة مقال صحفي (جاهل بشرع الله) في جريدة المدينة في 15/1/1429هـ بعنوان: (زاوية نائب الحرم) منسوبة للأستاذ محمد عبده يماني، وقبله بنحو أسبوعين بقراءة مقال مماثل منسوب للصحفي نفسه كأنما يغازل فيهما التصوف المبتدع جحودًا بنعمة الله علينا بالمقام في أرض التوحيد والسنة وإحياءً للموروث الأجنبي من أبواب ومسالك الشيطان التي أُحْدِثت في بلاد المسلمين منذ عهد الفاطميين والعثمانيين وما بينهما حتى ميَّز الله هذه الأرض المباركة بتجديد الدين والدعوة إليه بالعودة بهما إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، وهَدْم مظاهر الوثنية (بتقديس المقامات والمزارات والمشاهد بدعوى حب الأنبياء والأولياء وإحياء الآثار الدينية)، ومحاربة البدع عامة، ونشر علوم الشريعة، والحكم بما أنزل الله (عقيدة وعبادة ومعاملة).

أ- في المقال الأول أشاد بما يسمى (دَكَّة الأغوات) وكأنَّها من المناسك والمشاعر المقدسة، ولم يرد في شرع الله ذكر للدكة ولا للأغوات وإنما هي من تقرب الجهلة بما لم يشرعه الله قربة لهم، بل تعوَّد المبتدعة والمتصوفة والجهلة فتنة التسابق إليها (ولو هجروا الصف الأول والروضة المباركة بين البيت والمنبر) ليتمكنوا من استقبال القبر (مباشرة) في الصلاة التي لا يقبل الله منها إلا ما كان خالصًا له تعالى دون غيره ولو ملكًا أو رسولاً أو وليًّا غيرهما.

ب- وفي المقال الثاني ذكرٌ للزاوية (وفي الزوايا خبايا الشر) بلا مناسبة إلا أن يكون المعنى في بطن الصحفي لا يتعمد إبداء بعضه أو كله (كعورة الجاهلية في الطواف) وما بدا منه فلا يُحِلُّ لناقد فضحه، ولكنه لا يملك التحليل والتحريم، فما أظهر صحفي من عورته أو بدعته أو تعديه بالقول على شرع الله بغير علم، (ولو بدعوى المحبة أو الغلو فيها مع مخالفة الحبيب) فإنما ابتلينا بقراءة مثل هذه المقالات المبتدعة ليعلم الله منَّا أنشكره بإنكار المنكر أم نكفره بالسكوت على الباطل.

جـ- عرفت قبل نصف قرن طالبًا في مكة المباركة باسم: محمد عبده يماني، تميَّز بحرصه على لحس يد أستاذي في مادة البلاغة محمد متولي شعراوي تجاوز الله عنه، ولم نكن في بيئتنا الفطرية نألف مظاهر خضوع المريد لشيخه الصوفي (إذ طهر الله بيئتنا بتجديد الدين والدعوة في القرون الثلاثة الأخيرة بالمراحل الثلاث للدولة السعودية المباركة). ولأننا لمسنا من أستاذنا الشعراوي الميل إلى التصوف المبتدع، والميل إلى الفكر، والضعف في العلوم الشرعية (التوحيد والتفسير والفقه والحديث)؛ فقد حرصنا على ألا تتجاوز علاقتنا به حدود (مادة البلاغة) وكان درسه فيها شيِّقاً جذّاباً تستريح فيه النفس (45 دقيقة) من جِدِّية العلم الشرعي المبني على الوحي والفقه فيه، وفي الوقت نفسه ارتبط شخص الطالب اليماني في نفوس طلاب العلم الشرعي بالجانب الصوفي من شخص أستاذنا الشعراوي. وإذا كان طالب الأمس هو نفسه صحفي اليوم فلا عجب أن ذكَّرتني مغازلة المتصوِّف بالأمس بمغازلة التّصوف اليوم فبدون رحمة الله وهدايته لا يترك المبتدع موروث بدعته لأنه يحسب أنه يحسن صنعًا بخلاف العاصي فقد يتوب، وقد يغفر الله له.

وحمدت الله على أن عشاق التصوف المبتدع لا يملكون اليوم للتنفيس عن حرارة عشقهم المحرّم إلا ما يستره جدار الدار أو الصدر أو الألفاظ الرمزية (مثل الدكة والزاوية) أو لحس الأيدي (منذ ولى الله دولة التوحيد والسنة تطهير الجزيرة المباركة من الابتداع في دينه).

د- كعادة أكثر الصحفيين المطالَبين بملء فراغ (زواياهم) ولو بفارغ المقال روى الكاتب قصة خيالية ظننته اخترعها لتخدم غرضه الذي ابتدأ التعبير عنه (أو الدوران حوله) بكلمة (زاوية) وليس فيها من الحقيقة (كما أعرفها) إلا أنه تقرر قبل بضعة عقود نقل الحجر المعروف بمقام إبراهيم عليه السلام (بمعنى يخص الحجر الذي رقى عليه إبراهيم عندما ارتفع بناء جدار الكعبة وليس بمعنى المسجد الحرام كله كما أخرج ابن أبي حاتم من رواية مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهم) لتوسعة المطاف، وادعى (هداه الله لأقرب من هذا رشدا): أن الشعراوي لم يوافق على نقله فأقره الملك سعود رحمه الله على ذلك.

وروايته بعيدة عن الحقيقة كما شهدتها:

1) أفتى الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي المملكة المباركة رحمه الله بذلك، وما قيمة موافقة أستاذي الشيخ الشعراوي أو عدم موافقته (ولم يعرف بعلم ولا دعوة على منهاج النبوة، ولم يكن الإعلام قد نفخ في شهرته تجاوز الله عنه).

2) ما تستند إليه رواية اليماني الخيالية عن بعض السِّيَر لا يُعْتمد عليه في مقابل ما صح سنده أن عمر رضي الله عنه هو الذي نقل الحجر من مكانه (في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر بل منذ عهد إبراهيم عليه السلام) أسفل جدار الكعبة حيث انتهى البناء المبارك، وبقي مكانه حفرة إلى زماننا يسميها بعض العوام: (جفيرة التوبة). وأورد ابن كثير في تفسيره عدة روايات مسندة تؤيد هذا، وقال عن رواية أخرى عن مجاهد بأن الذي نقله عن مكانه نبي الله صلى الله عليه وسلم: (هذا مرسل عن مجاهد وهو مخالف لما تقدم من رواية عبد الرزاق عن مجاهد أن أول من أخر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب وهذا أصح من طريق ابن مردويه)، وقال عن أثر عائشة رضي الله عنها: (أن المقام كان زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر رضي الله عنه ملتصقًا بالبيت ثم أخَّره عمر ابن الخطاب رضي الله عنه) وهذا إسناد صحيح مع ما تقدم. ورَوَي عن 
ابن أبي حاتم قولاً لسفيان (يعني ابن عيينة وهو إمام المكيين في زمانه) قال: ذهب السيل به (الحجر) بعد تحويل عمر إياه فردَّه إليه (إلى مكانه الذي حوله إليه).

3) أما الذي أنكر نقله فهو الشيخ سليمان الحمدان وهو أحد علماء وقته واشتهر رحمه الله بشده إنكاره البدع من الشرك والتصوف والموالد وبخاصة المدائح المبتدعة (وبخاصة ميمية البوصيري لما فيها من أبيات الشرك وما دونه من الابتداع والتخريف) مثل كثير من الماضين وقليل من الباقين.

وردّ العلامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني على الشيخ الحمدان لأن نَقْل عمر الحجر من مكانه الذي كان عليه من قبل دليل شرعي على جواز نقله، فنحن مأمورون باتباع سنته وسنة غيره من الخلفاء الراشديين المهديين، وهو رحمه الله من أصل يماني أيضًا (لكن موروثه العلم والدعوة والاتّباع ومحاربة الابتداع).

4) ولكن ولي الأمر بعد التشاور مع العلماء رأوا بقاءه مكانه (وإزالة ما وضعه عليه الولاة السابقون من بناء قد ينخدع به بعض الوافدين فيظنوه ضريحًا مما ألفوه في بلادهم) تفاديًا للخلاف عليه، كما أن ولاة الأمر (حفظهم الله قدوة صالحة ورحم أمواتهم وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء) بعد أن هدموا جميع أوثان المقامات والأضرحة والمزارات أول القرن الثالث عشر ثم منتصف القرن الرابع عشر من الهجرة قرروا ترك ما بناه المبتدعة على الحجرات تفاديًا للخلاف والفتنة، والتعويض عن إزالتها بتعيين مراقبين ومعلمين يبينون للناس وجه الحق ويدعونهم إليه ويحذرونهم من الابتداع في الدين والإساءة لأنفسهم وللدّين والرسول بالتقرب إلى الله بغير شرعه.

وانتهى الصحفي إلى بيت القصيد (فيما يظهر لي منه) فلوّح (بتأييد العالم الإسلامي لإبقاء كل أثر وموقع على ما كان عليه) وأضاف: (وفق ما أمر الله به عز وجل وجاءنا على لسان وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ ولم يأمرنا الله ولا سن لنا رسوله إلا حماية بيت الله ومسجد نبيه من مظاهر الشرك وما دونه من البدع المنتشرة في بلاد المسلمين ويغازلها بعض الإعلاميين بحجَّة المحافظة على الآثار الدينية، ردَّ الله كيدهم في نحورهم. (1429هـ).