من أئمة المساجد فتّانين ومنفرين
من أئمة المساجد فتّانين ومنفرين
بسم الله الرحمن الرحيم
حذر النبي صلى الله عليه وسلم خير أئمة المساجد (من كبار الصحابة فمن دونهم) أن يكونوا فتانين أو منفرين(كما في الصحيحين) بما يؤذون به المأمومين من تطويل القراءة في صلاة الفريضة مع أن قراءة القرآن والصلاة المفروضة من أفضل العبادات وخير نعم الله الدينية على عباده، ولكن لا يجوز أن تكون سببًا في تنفير بعض المسلمين عن عبادة الله في بيوت الله تعالى: «فإن فيهم الضعيف والمريض وذا الحاجة».
واليوم (بعد أن صار أئمة المساجد يختارون لمجرد استحسان صوتهم) صار منهم فتانين ومنفرين بغير تطويل القراءة المشروع بل بالمبتدعات مثل تكرار كلمة أو جملة أو آية مرة أو مرتين أو ثلاث أو أربع مرات تكلفًا لفرض التحزين والتطريب (بزعمهم).
ولقد عرفت من يهجر المسجد المجاور لبيته ويذهب إلى مسجد أبعد وأقل إزعاجًا منه (ولو ميزه الله بالقداسة والبركة)، ولقد عرفت من علماء الأمة من يسد أذنيه في الصلاة الجهرية وخطبة الجمعة لأن صوت الإمام والخطيب مكبرًا بمكبرات الصوت يتجاوز الحد الذي تحتمله الأذن البشرية، ولقد عرفت من يفرح لتغيب الإمام الراتب عن إمامة المصلين وينزعج لحضوره ويدعو الله أن يهديه للسنة والقصد أو يعجل بإبعاده عن الإمامة.
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه أو صحابته أو تابعيهم في القرون الثلاثة أو الأربعة المفضلة رضي الله عنهم جميعًا ولا عن ابن تيمية من المجددين في القرون الوسطى ولا عن محمد بن عبد الوهاب المجدد في القرن الثاني عشر ولا عن ابن باز المجدد في القرن الأخير رحمهم الله جميعًا تكرار آية أو جزء من آية في صلاة الفريضة.
وإنما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم تكرار آية واحدة (مرة واحدة) في صلاة الليل ما قص الله تعالى عن أخيه عيسى عليه الصلاة والسلام وعلى جميع أنبياء الله ورسله وأوليائه: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]، وشرع لأمته تطويل القراءة لغير الأئمة وأمر الأئمة بالتخفيف في صلاة الفريضة حتى لا ينفروا الناس ويفتنوهم عن عبادته وبيوته.
وقد حذر الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله مما يفعله أئمة المساجد المحدثون من التنافس في الإزعاج بمكبرات الصوت (ولم تكن بدعة الترديد والتحزين قد انتشرت بعد)، ولم يشرع الله في الكتاب ولا في السنة (بفقه سلف الأمة) تبليغ شئ من الصلاة خارج المسجد غير الأذان. ومع إزعاج (هؤلاء الفتانين المفتونين المنفرين، بالصياح والترديد والتحزين) من يبتليه الله بالائتمام بهم لم أجد في مجموع تصرفاتهم المبتدعة ما يعينني على حسن الظن بمقاصدهم (لو جاز لهم الخروج عن السنة والاستدراك على الشرع لأي مقصد)؛ فإنهم مع تظاهرهم بالخشوع والتباكي يستثنون من القرآن أعظم سورة فيه (فاتحة الكتاب) فتراهم يصلون الآية بالآية وقد فصلهما الله في كتابه، وفصلها الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته، فلم يرد عنه أنه وصل آية بآية مهما اتحدا في المعنى، بل ورد عنه أنه يقف على رأس كل آية وحاشاه أن يختار لنفسه وأمته غير ما قضى الله تعالى.
ولكن جهل بعض الأئمة وقلة فقههم يوقعهم ويوقع المفتونين بهم في استحسان البدعة والرغبة عن السنة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، والاستحسان بريد الابتداع السريع والدائم. ويزيد هؤلاء الفتانون المنفرون الأمر سوءًا بهذرهم سورة الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة بحيث لا يستطيع المأموم قراءة نصفها أو ربعها أو ثلثها أو ثلثيها وهي ركن من أركان الصلاة لا صلاة لمن لم يقرأ بها، فيتحمل الإمام وزره ووزر من حرمه فضل الله.
ووظيفة الإمامة من أعظم الوظائف التي من الله بها على من يشاء من عباده (إمامًا أو مأمومًا) لو كان الأئمة أهلًا لأدائها على الوجه الذي يرضي الله كما كان السلف الصالح منهم، ولكن خلفت من بعد القرون المفضلة خلوف ليسوا أهلًا ليكونوا قدوة صالحة للمؤتمين بهم (قضاءً وقدرًا كونيًا) فصاروا يقتدون بعوام المأموين وهم الأكثرون الذين قال الله تعالى عنهم وهو أعلم بخلقه: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40] و{لا يشكرون} و{لا يفقهون}؛ يقرأون على النحو الذي يرضيهم ابتداعًا لا اتباعًا، لا يستثنون من ذلك إلا أنهم لا يتلون كتاب الله كما تلاه رسوله ولا يصلون كما صلى رسوله في حالات كثيرة ولا يخففون على المأمومين كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بل يثقلون عليهم بالبدعة لا بالسنة وبالتكلف والتعسير لا بالفطرة والتيسير.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدي الأئمة ويردهم إلى دينه ردًا جميلًا، وأن يهدي القائمين عليهم لحسن اختيارهم من خير العالمين بشرع الله الفقهاء في دينهم، وألا يخضعوا في الاختيار لهوى من بنى المسجد، أو لهوى الحركيين من حزب الإخوان المسلمين كفى الله الإسلام والمسلمين شرهم، والله ولي التوفيق.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه.