خطبة الجمعة الصحفيّة؛ ردّ على الميمان في جريدة المدينة
خطبة الجمعة الصحفيّة؛ ردّ على الميمان في جريدة المدينة
بسم الله الرحمن الرحيم
في زاوية: (رزقي على الله) لأحد الصّحفيّين الجهلة بشرع الله بعنوان: (خطبة الجمعة) في العدد 14852 بتاريخ 1424/10/28هـ ظنّ:
1- أنّ خطبة الجمعة (درس)، وهذا صحيح، بل هي (الدّرس) الشرعي الوحيد المفروض في دين الله، وغايته: تعليم الناس دينهم من اعتقاد وعبادة ومعاملة بما ورد في كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بفهم الأئمة المعتدّ بهم في القرون المفضّلة.
2- أن خطبة الجمعة (متابعة لأحداث وهموم واحتياجات وقضايا الناس)، وهذا ما لم يقله الله ولم يسنّه رسوله ولا خلفاؤه ولا صحابته ولا متّبعوا سنته من فقهاء القرون المفضّلة، وإنما ابتدعته أهواء الناس بعدهم وبخاصة في القرن الأخير: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ} [النجم: 23]، وبخاصّة بعد عودة الأفغاني ومحمد عبده من أوروبا.
3- أنّه يأسف لأنّ خطب بعض الأئمة (لا تتجاوز قراءة قديمة لقضايا تقليديّة واستشهادات مكرّرة من الكتاب والسنة). وهذه القضايا التقليديَّة القديمة بَيَّن أمثلة لها: (نواقض الوضوء والدّعاء والتّخويف من النار).
ولولا أني أُحْسِنُ الظنَّ بالنية وأرى العُذْر بالجهل لخشيت على الكاتب الكفر، وعقاب الله له، أما (الرّزق) فلن يُقْطع إلا لو اعتدى على مهنة الطبّ ونحوها من المهن، أمَّا شرع الله والقول عليه بغير علم فقد صار حمًى مستباحًا يعتدي عليه الطّبيب والصّحفي والممثّل، والشكوى إلى الله.
4- خطبة الجمعة يا أخي عبادة مفروضة لا يصلح فيها إلاَّ الآية من الكتاب، والحديث الصّحيح من السّنّة، والحكم الشرعي من فقه الفقهاء الأُوَل في الدِّين، والدعاء، والتّذكير بالموت وما بعده والاستعداد له. قد يسمّيها الكاتب قضايا تقليديّة قديمة مكرّرة، ولكنها هي ما خُلِق الإنسان له، وهي ما يحتاجه في كل عصر، وهي التي يستوي الناس في الحاجة إليها. وهذا الدّرس الديني الذي فرضه الله مرّة في الأسبوع لا يستغنى عنه مسلم في حياته ولا بعد مماته، والظن لا يغني شيئًا. أمَّا (متابعة الأحداث) فلن يُسْال عنها كلّ مسلم في قبره ولن يحاسب على تركها، ومكانها الجرايد والإذاعات ووسائل الإعلام الأخرى، ولو وَلَغَ فيها خطيب الجمعة كما يفعل اليوم أكثر الخطباء؛ فلن تكون الخطبة إلا نسخة باهتة مكرّرة لما ورد في الجريدة والإذاعة أو الإشاعة، وهي في أحسن أحوالها ظنٌّ لا يليق بالعبادة المبنيّة على اليقين من الوحي والفقه في الدين.
وقد مرَّت أحداث عظيمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وحده القدوة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]؛ مرّت غزوة بدر وقبلها الهجرة والإسراء والمعراج، وبعدها الغزوات الأخرى وقضية الإفك، فلم يذكرها مرَّة واحدة قبل حدوثها ولا أثْنَاء حدوثها ولا بعده إلاَّ أن تكون آية تتلى أو حُكْمًا شرعيًّا مثل: (الوضوء والغسل والحيض والنّفاس) التي يسخر منها الصّحفيّون اتباعًا للحزبيين الضّالّين. وتكرار الخطبة سنة ثابتة؛ فالدّين لا يتغيّر بتغيّر الزمان أو المكان أو الحال، وأصحّ ما ورد عن خطب النبي صلى الله عليه وسلم ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أمّ هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنها: (كان تنّورنا وتنّور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدًا سنتين أو سنة وبعض سَنَه، وما أخذت {ق وَالقُرْآَنِ المَجِيدِ} [ق: 1]، إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كلّ جمعة على المنبر إذا خطب الناس).
وقال الشافعي رحمه الله في (الأم 1/203): (يخطب الإمام بحمد الله والصّلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والعِظَة والقراءة [من القرآن] ولا يزيد على ذلك).
وقال ابن القيِّم رحمه الله في (زاد المعاد ـ محقق 1/424): (من تأمّل خُطَب النبي صلى الله عليه وسلم وخُطَب أصحابه وجَدَها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد وذِكْر صفات الله جلَّ جلاله وأصول الإيمان الكلّية والدعوة إلى الله وذكر آلائه التي تحبّـبه إلى خلقه وأيامه التي تخوّفهم بأسه والأمر بذكره وشكره).
وقال الصنعاني رحمه الله في سبل السّلام 2/50: (وكانت محافظته صلى الله عليه وسلم على الخطبة بسورة {ق} اختيارًا منه لما هو أحسن في الوعظ والتّذكير، وفيه دلالة على ترديد الوعظ في الخطبة).
وقال سيّد سابق رحمه الله في فقه السنة 1/309: (وفي الروضة النّدية: ثم اعلم أن الخطبة المشروعة هي ما كان يعتاده صلى الله عليه وسلم من ترغيب الناس وترهيبهم، فهذا في الحقيقة روح الخطبة الذي لأجله شُرِعَتْ).
ونصيحتي لنفسي وإخواني أن يلزم كلٌّ حَدَّه واختصاصه؛ للصّحفيّين والكتّاب الانشغال بالتّحليلات الفكريّة، وللعلماء بشرع الله بيان الحلال والحرام والسنّة والبدعة والتوحيد والشرك، و(ترديد الآيات والأحاديث).
وفق الله الجميع لأقرب من هذا رشدا.