خطبة الجمعة الفكرية؛ ردّ على د.صالح بن حميد

خطبة الجمعة الفكرية؛ ردّ على د.صالح بن حميد

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلني العدد 240 من مجلة التّوعية من منشورات وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة، وقد لاحظت أن منهج الكاتب في إعداد خطبة الجمعة ص92-134 مخالف لمنهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو الأسوة بأمر الله تعالى)، ومنهاج خلفائه الراشدين المهديين (وهم القدوة بأمره صلى الله عليه وسلم) وفقه أئمة الهدى في القرون المفضّلة بخبره:
1- وُفِّق وفقنا الله وإياه إلى إدراك الحقيقة في أن (حياة الناس وأحوالهم في كلّ زمان ومكان صورة واحدة فأحداث اليوم هي أحداث الأمس والبواعث والمثيرات في الماضي هي ذاتها في الحاضر)، (ينبغي الانطلاق من المسلّمات في الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم… وبهذا تؤدي الخطبة دورها في جَمْع الكلمة والتّمسك بشُعب الإيمان)، (من أغراض الخطبة تثبيت العقيدة وتقوية الإيمان والدعوة إلى الإسلام ومسائل الإسلام).
2- ولم يُوفِّق هدانا الله وإياه إلى وزن بقية مقاله بميزان شريعة الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه وورثة عِلْمه في أغلب رأيه؛ فمع إشارته إلى العقيدة والأحكام الشرعيّة، وَضَعَها في أسفل سلّم الخُطب بعد الخُطب النيابيَّة والانتخابيّة والثقافيّة والعسكريّة. واستشهد بقول منسوب إلى (أفلاطون) رأس الإلحاد والفلسفة الوثنيَّة، ولم يستشهد بخطب النّبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه وفقهاء الأمة في القرون المفضّلة في موضوع الخطبة؛ ووصف من مصادر الخطبة: بعض كتب التّصوف مثل (إحياء علوم الدين للغزالي)، والشيعة مثل (الخُطَب المنسوبة لعلي رضي الله عنه)، و(كتب الأدب القديم والحديث) للغافلين عن الشريعة أو مخالفيها، وخطبة الجمعة عبادة، والعبادة ليس لها مصدر صحيح غير كتاب الله وسنّة نبيه وفقه أئمة القرون المفضّلة، ويجب تنزيهها عن الظّنّ والابتداع والفكر.
3- وأخطأ عفا الله عنا وعنه في الحثّ على: (أن يلائم موضوع الخطبة الأحداث الجارية) و(مجاراة الأحداث) وقد ذكر جزاه الله خيرًا: (أن يتخوّل الخطيب جمهوره بالتّذكير بفرائض الإسلام)، ولكن الصياغة تدلّ على الاهتمام بالطّوارئ أكثر من الثوابت.
ومنهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه وصحابته وفقهاء الأمة قبل أن يغتصب الفكر الإسلامي الضّالّ مكان الوحي: قَصْر الخطبة يوم الجمعة على الثوابت الشرعية: التّوحيد والشرك، السنّة والبدعة، الحلال والحرام، الموت والحشر والجزاء، والتذكير بالله عمومًا؛ كما ثبت في صحيح مسلم عن أم هشام بنت حارثة رضي الله عنها: (كان تنوّرنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم  واحدًا سنتين أو سنة وبعض سنة، وما أخَذْتُ {ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] إلا من فيه، كان يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس)، مهما كثرت وعظمت وتتالت الأحداث الجارية وهدّدت حاضر ومستقبل الإسلام.
4- ويزيد الخطأ سوءًا وضع الكاتب عفا الله عنا وعنه من مصادر الخطبة: (الصّحف والمجلاّت) ومعلوم أنها من أسوأ مصادر الظّنّ والفساد، ولا يليق بالمسلم ربطها بشرع الله في عبادة مفروضة ولا مندوبة استجابة لأمر الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]؛ فهي اختيار لغير ما اختار الله لعباده الصالحين: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: 23].
5- وَوُفِّق وفقنا الله وإياه إلى وصف القرآن: (المصدر الأول من مصادر الخطبة) وأخطأ عفا الله عنا وعنه في إشارته إلى (أسرار من المعاني العميقة في القرآن) خلافًا لوصف الله تعالى للقرآن باليسر والبيان، ووَصْفُ كلام الله بالأسرار لا يليق بغير الباطنيَّة والصّوفية والمبتدعة.
ومع دعائي بالعفو والعافية للجميع وبالتّوفيق لأقرب من هذا رشدًا، فإن هذا النّوع من التّوعية لا يليق بدين الله الحق ولا بالبلاد والدّولة التي ميَّزها الله بالتأسيس من أول يوم على شرعه، ثبّتها الله عليه.
 1418/12/25هـ.