مناظرة أهل الكتاب

مناظرة أهل الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الدعوة إلى الله عبادة، والعبادة لها طريق مستقيم واحد لا يجوز تغييره ولا تبديله ولا العدول عنه مهما تغير الزمان والمكان والأحوال: وحي الله في كتابه، وسنة رسوله، وسبيل المؤمنين في القرون الخيِّرة {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} [النساء: 115]، وإن عدل عنه أكثر الأفراد والجماعات والأحزاب الموصوفة بالإسلامية والمنتسبة إلى الدعوة: {قُل لاَّ يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ} [المائدة: 100].

واقتداء بمنهاج النبوة والرسالة يجب أن يتجه اهتمام الداعي إلى الله لإصلاح المنتسبين إلى الإسلام أولاً ـ فهم رأس المال كما يقول الشيخ بكر أبو زيد ـ قبل أهل الكتاب والمشركين قال الله تعالى لنبيه: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214].

وأكثر المنتسبين إلى الإسلام بعد القرون الخيِّرة خالفوا آخر وأهم وصايا النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد عن أبي عبيدة رضي الله عنه: كان آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم: «… واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».

وما رواه مسلم عن جندب رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك».

وما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، قالت: فلولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً، وقالت: يحذِّر مثل الذي صنعوا.

ونافس المنتسبون للإسلام والسنة ـ اليوم ومنذ قرون ـ اليهود على قبور أنبيائهم، ونافسوا النصارى على المقامات المنسوبة للخضر، ونافسوا فرق الضلالة على مزارات ومشاهد شعيب والحسين وزينب، وأسماء يصعب حصرها ـ ما أنزل الله بها من سلطان، وما هي إلا أساس أوثان وأنصاب وأصنام المشركين من عهد نوح فيما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أولئك [أوثان قوم نوح] أسماء رجال صالحين، لما ماتوا أوحى الشيطان إلى من بعدهم أن ابنوا في مجالسهم أنصاباً»، وفيما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته عن أضرحة وصور القديسين في كنائسهم: «أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة».

واليوم برز لمناظرة أهل الكتاب ومجادلتهم من لم يعرف منهاج النبوة في الدين والدعوة، ولا ظهر منه إنكار للشرك وما دونه من البدع التي يتقرب بها إلى الله أكثر المنتسبين إلى الإسلام، وانصرف إلى دراسة التوراة والإنجيل للرد على أهلهما أكثر مما انصرف لتدبر كتاب الله والعمل به، وتبليغه للجميع.

وهذا النهج انحراف عن منهاج الشريعة، وسنن جميع الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في الدعوة إلى الله على بصيرة كما أمر الله: البدء بالدعوة إلى إفراد الله بالعبادة أولاً وقبل كل شيء ـ حتى يوحدوا الله ـ ثم إلى تحكيم المسلم شريعة الله في العبادات ثم المعاملات، وبيان ما أحل الله وما حرَّم، وتحبيب الخالق إلى خلقه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، والحكمة هي السنة {وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ} [النساء: 113]، {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34].

وقد خصَّ الله أهل الكتاب بنهي المسلمين عن مجادلتهم أو مناظرتهم إلا بالتي هي أحسن ـ مع دخولهم في عموم الآية الأخرى ـ {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46].

وليس من الإحسان سبُّ كتبهم واتهامها بفساد اللغة والتناقض في القصص، وأنها من عند غير الله كما يفعل أبرز مجادليهم اليوم؛ فقد نهى الله عن سبّ آلهة المشركين حتى لا يسبوا الله {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، وصدق الله: لقد دفع سبُّ المسلم التوراةَ والإنجيلَ إلى سب النصراني القرآن، واتهامه بمخالفة قواعد اللغة العربية والتناقض في القصص، ودعوى الإتيان بمثله في بعض المناظرات المتأخرة (1).

والالتزام بشرع الله في الدعوة ببيان فضل الإسلام، وتصديقه لما قبله من الرسالات خير من سبِّ الأديان، وقد تبين لمكاتب دعوة الجاليات في المملكة صحة ذلك عملياً، والله أعلم وأحكم.

وصلى الله وسلم على محمد وآل محمد.

هـــــامش:
(1) مثل مناظرات الأستاذ/ أحمد ديدات من جنوب أفريقيا للقسيس الفلسطيني الأصل شروش وغيره.