الإصرار على معصية التّحزب الدّيني
الإصرار على معصية التّحزب الدّيني
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ د.بكر أبو زيد عضو هيئة كبار العلماء في مؤلفه الفريد (حكم الانتماء إلى الفِرَق والأحزاب والجماعات الإسلامية): (طريق الدعوة إلى الله تعالى قد التوى على كثير من الناس وصاروا لا ينظرون إليه إلا بمنظار ما ينتمون إليه من الفرق والجماعات والأحزاب)، (وكما أن كلمة التوحيد هي أساس الملة، فإن كلمة الإسلام هي التي يتسمى بها المكلفون فيقال لهم: المسلمون) (فلا يسوغ للمسلم أن يتلقب بأنه قدري أو مرجئ أو خارجي أو أشعري أو صوفي أو إخواني أو تبليغي [أو تحريري]، لأنه لقب لم يرد به الشرع، ولما فيه من مخالفات لنصوص الشرع في المادة والرسم) (ص:59) من مهذب حكم الانتماء ط.دار الإمام أحمد بمصر.
والتعصب لشعار الحزب والولاء لقادته وأفراده وحدهم، والإصرار على التزام تعاليمه وما نتج عن ذلك من حميّة الجاهلية باسم الدين والدعوة إليه هو واقع الفِرَق والجماعات المبتدعة التي فَرَّق الشيطان بها شمل الأمّة.
وقد يسر الله لي أن أبلُوَ هذا الخبر من واقع الفِرَق المنتمية للدعوة اليوم (وبخاصة جماعة التبليغ وجماعة الإخوان المسلمين) وبينت أمرها في (الدعوة إلى الله بين الوحي والفكر) وفي: (الحكم بما أنزل الله فرض عين على كل مسلم) وفي: (إنما اليقين في الوحي والفقه لا في الفكر الإسلامي)، وتقرّبت إلى الله بمجانبة هذه الفرَق وبالتحذير منها.
أ) وقد دعاني أحد الإخوة من طلاب كلية الشريعة إلى مرافقته في زيارة لبعض الإخوة من جماعة التبليغ في الكويت، وقبلت دعوته لعدة أسباب:
1 – إعانة طالب العلم الشرعي على الخروج من حَيْرَته بين ما عرفه في دراسته الشرعية من وجوب لزوم الجماعة ونبذ ما سواها من الفرق والجماعات والأحزاب وبين ما يحيط به من التفرق.
2 – ردّ زيارة قديمة تفضل بها عبد المانع معجب وراشد الحقان لا يمنع ردها التزامي بمنهاج النبوة والتزامهما بمنهاج محمد إلياس تجاوز الله عنا وعنهم جميعاً.
3 – معرفة الجواب على سؤال ربما طاف بأفئدة الكثيرين ومنهم هذا الطالب: هل تغيّر منهاج التبليغيين العرب بعدما ظهر من فساد منهاج التبليغيين العجم.
4 – الأمل في تنفيذ فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله قبيل وفاته في الجماعة: (جماعة التبليغ ليس عندهم بصيرة في مسائل العقيدة فلا يجوز الخروج معهم إلا لمن لديه علم وبصيرة بالعقيدة الصحيحة التي عليها أهل السنة والجماعة حتى يرشدهم وينصحهم…) (8/331).
ب) وبعد عام من الاتفاق بيني وبين أخي طالب العلم الشرعي على الزيارة يسر الله لنا القيام بها مع أخوين من الجماعة في آخر يومين من ذي الحجة عام 1424هـ على النحو التالي:
1 – أكدت لمرافقيّ في الزيارة عزمي على تجنب الاشتراك في نشاط الجماعة في المسجد أو خارجه عدا ما شرعه الله وسنّه رسوله من الصلاة في المسجد وذكر الله وقراءة القرآن وهو ما بُنيَ المسجد له.
2 – تناولنا طعام الإفطار في مركز الجماعة في الكويت، وفي المقابل دعوت الله أن يهب الجماعة من الاهتمام بمنهاج النبوة في الدين والدعوة علماً وعملاً مثل ما وهبها من الاهتمام بتقديم الطعام للخارجين معهم والفخر به.
3 – ولما كان الأخوان عبدالمانع وراشد خارجين مع جماعة تبليغية في ضاحية من ضواحي الكويت انطلقنا في إثرهما للمسجد نفسه، وقضينا فيه يوماً وليلة قبل العودة من السفر.
4 – اختار مرافقيّ الخضوع لنظام الجماعة في اجتماعاتهم وزياراتهم وجولاتهم، واخترت الخضوع لما عرفته ويسّر الله لي العمل به من سنة النبي صلى الله عليه وسلم: العبادة في وقتها والرّاحة في وقتها.
ج) ظهر لي أن التبليغيين في الكويت – مثل غيرهم في بلاد العرب والعجم – ثابتون على منهاج محمد إلياس فيما عدى نقلهم الموعظة التبليغيّة (البيان) من وقتها بعد صلاة المغرب إلى ما بعد صلاة العشاء، وأراهم بَعدوا بذلك عن سنة محمد صلى الله عليه وسلم بقدر بُعدهم عن سنة محمد إلياس تجاوز الله عنا وعنهم؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم (يكره النوم قبل صلاة العشاء ويكره الحديث بعدها). فيما رواه البخاري في صحيحه، وكل حديثه علم وشرع من شرع الله تعالى.
ولم أجلس لسماع الموعظة اختياراً لما اختار الله لعبده: {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58]، {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ} [النمل: 86].
ولكن تبليغيّاً كرر بعد صلاة الفجر ما قاله أمير الجماعة بالأمس من أن (الأحكام الشرعية في القرآن لا تتجاوز 5% وللدعوة 95%) وربما كان هذا ردّاً لنصيحتي الجماعة وأمثالهم (بأن تخضع الدعوة للأحكام الشرعية)، ولو استمع الشيخ ابن باز رحمه الله لما قاله الأمير والمأمور فلربما أضاف إلى فتواه الأخيرة في جماعة التبليغ: (وليس عندهم بصيرة في القرآن) ولأضفتُ: (ولا في الحديث ولا في الدين عامة).
هدى الله الجميع لأقرب من هذا رشداً، وثبتنا على دينه ومنهاج نبيه صلى الله عليه وسلم وأعاذنا من مناهج الفرق والجماعات الأعجمية والعربية.
(1428هـ).